الأسلوب الصيني المتشدد في تربية الأطفال يخلق الشعور بالقلق

رغم النجاح في المجال الأكاديمي والموسيقي

معظم الآباء في الصين لديهم وجهة نظر متشائمة للعالم وينعكس هذا على تربيتهم لأبنائهم (أ.ف.ب)
TT

هل أطلق عليك والداك صفات مثل غبي قبيح تافه أو قمامة: هل تعرضت للضرب بالعصي أو صفعت على وجهك؟ هل منعت من مشاهدة التلفزيون؟ وهل أجبرت على التدرب على عزف الموسيقى لساعات؟

لقد صدم كثير من أصدقائي الغربيين عندما قلت لهم إنني تعرضت لكل ذلك في طفولتي. ولكن الأمر يختلف في هونغ كونغ حيث لا يوجد شيء غير عادي في ذلك فهذه طريقة عادية في التربية في الثقافة الصينية.

وبالنسبة لهؤلاء الذين شعروا بالصدمة من طريقة التربية الصينية المتشددة التي كشف عنها كتاب المؤلفة الأميركية الصينية الأصل الذي أثار ضجة كبيرة في الولايات المتحدة «الأم النمرة» يحتاج الأمر إلى فهم الخلفية الثقافية والفكرية لما يحدث. فمعظم الآباء في الصين لديهم وجهة نظر متشائمة للعالم: فهم يعتبرون أن وظيفتهم في الحياة هي خلق الإحساس بالصرامة في أولادهم وتسليحهم بالقدرات اللازمة للحياة في بيئة تنافسية قاسية.

ومثل النموذج التقليدي للأبوين الصينيين كما ظهر في الرواية، فقد كانت أمي تتوقع الصرامة من أولادها. ولم يكن الافتقار للحماس أو الاهتمام في بيتنا مبررا للأداء المحدود. إذا فشلت، يجب عليك العمل مرة أخرى. لقد أجبرت على ممارسة العزف على البيانو لمدة ساعة يوميا، ولمدة ثلاث ساعات في فترة الإجازات المدرسية. ولم يكن مسموحا لنا بمشاهدة التلفزيون إلا لمشاهدة الأخبار. وعندما كنت أحصل على 90 في الإملاء كان علي تفسير لماذا لم أحقق نتيجة جيدة كما فعلت في المرة الماضية.

ولم أتطلع أبدا لعطلات نهاية الأسبوع ولا للإجازات الدراسية، فقد كانت تعني المزيد من دروس الموسيقى وجلسات طويلة مملة من التعلم والواجبات المدرسية. (ولكن لا تلومي الآباء، فالمدارس في هونغ كونغ تفخر بحجم الواجبات المدرسية التي تقدم للتلاميذ وعدد الاختبارات والامتحانات.

هل نجحت الضغوط التي كانت تمارسها أمي؟ يمكن القول نعم، لم أكن أبدا من ضمن التلاميذ المتفوقين، ولكن أدائي الأكاديمي كان فوق المتوسط دائما. وذهبت إلى مدرسة داخلية شهيرة في إنجلترا، وأنجبت ابنتين وحصلت على منحة دراسية لإجراء أبحاث في جامعة أكسفورد الإنجليزية. وقد نجحت بتفوق في امتحان العزف على البيانو وأنا في سن الرابعة عشر. وفي سن السابعة عشر عزفت كونشرتو للبيانو مع أوركسترا.

لقد نجحت الضغوط في دفعي لبذل المزيد من الجهد. وفي البداية أصبحت أشعر بالقلق، إذا لم أحقق نتيجة جيدة سأواجه متاعب كثيرة. كنت دائما أدفع نفسي للعمل بكامل قدراتي ولم أسمح لنفسي بالتراجع، مهما بلغت صعوبة المهمة.

السؤال الآخر الذي يتبلور: هل تؤدي طريقة التربية المتشددة في ظهور نماذج نمطية من الأطفال الناجحين. تبدو الإجابة بالإيجاب إذا كان الأمر يتعلق بالتفوق الأكاديمي أو بالإنجاز في مجال الموسيقى. ليس عليك إلا النظر إلى الأسر الآسيوية التي تظهر فيها كل تلك النماذج المتفوقة في مجالي الموسيقى والرياضيات. ولكن يوجد جانب سلبي أيضا. فأنا على قناعة، بما أنني مررت بتلك التجربة، بأن الدافع وراء نجاح الأطفال الصينيين هو الإحساس العميق بعدم الأمن بأنهم يستحقون رضا وحب الأهل ما داموا يحصلون على أعلى الدرجات.

وحتى عندما بلغت سن المراهقة فإن التشويهات الناجمة عن الإهانات والأوصاف التي يطلقها عليك الأهل تظل باقية. ويقف وراء إصرار العديد من الشباب الصيني على التفوق هو الإحساس العميق المتأصل بالقلق من أنهم سيتعرضون للسخرية إذا لم يتفوقوا.

كما أن هذه الفلسفة الأبوية تفشل في ظهور إحساس صادق بالثقة، وتؤدي بدلا من ذلك إلى إحساس قوي بعدم الأمان من أن على الطفل أن يقضي بقية حياته في محاولات إثبات ذاته.

لقد انتهى الأمر بعديد من الأشخاص الذين تربوا بتلك الطريقة إلى توتر العلاقات مع والديهم. ربما حقق البعض منهم النجاح في أعمالهم ولكنهم يشعرون بالغضب لعدم حصولهم على فرصة اكتشاف ماهيتهم. بينما لا يمكن للأقل نجاحا الشفاء من الإحساس بالنقص.

ليس لدي مانع كأم من وجود طفل يتمتع بالموهبة في مجالي الموسيقى والرياضيات. ولكن ما أعتبره أكثر أهمية هو المشاركة في تكوين شخصية صحية متوازنة وصحية تتمتع باحترام صادق للذات وبالثقة، وإحساس بالقيم الأخلاقية، ولا يدفعها الإحساس بعدم الأمان والمنافسة لتحقيق الإنجازات، ولا الإحساس بالنقص، بل ما يدفعها هو الرغبة الصادقة في التعلم والاكتشاف.

* خدمة «نيويورك تايمز»