زعيمة المعارضة في أوكرانيا تواجه ضغوطا متزايدة

تيموشينكو تعتبر ملاحقتها «مطاردة سياسية» والحكم ينفي قمع المعارضة والغرب ينتقد التحقيق «الانتقائي»

يوليا تيموشينكو
TT

بعد عام من توليه الحكم وتعهده بالسعي لتوطيد العلاقات مع روسيا، يشرف الرئيس الأوكراني على عملية تستهدف المعارضة المؤيدة للغرب، تعكس تكتيكات الضغط التي تستخدم من قبل حلفائه في الكرملين. ويجري مدعون قضائيون عينهم الرئيس فيكتور يانوكوفيتش، عدة تحقيقات مع زعماء المعارضة، بينهم رئيسة الوزراء السابقة يوليا تيموشينكو، التي كانت بطلة للثورة البرتقالية عام 2004. وقد عبرت الولايات المتحدة ومعها الاتحاد الأوروبي، اللذان دعما أوكرانيا كنموذج لما بعد انتهاء الحقبة السوفياتية بسبب الانتخابات النزيهة نسبيا والانتقال السلمي للسلطة، عن قلقهما المتزايد إزاء تصرفات حكومة يانوكوفيتش. وقد تم التحقيق مع تيموشينكو بشكل مكرر من قبل مدعين قضائيين قالوا إنهم كانوا يحققون في قضايا فساد رسمي خلال فترة توليها لمنصب رئاسة الوزراء. لكنهم يركزون حتى الآن على تهمة لم تثر الكثير من الغضب الشعبي؛ حيث يقولون إن تيموشينكو انتهكت القانون في عام 2009 عبر تحويل مئات الملايين من الدولارات من اعتمادات بيئية إلى اعتمادات لدفع المعاشات (ولم تتهم شخصيا بسرقة أي مبلغ من المال).

وقد وصفت تيموشينكو، التي خسرت انتخابات الرئاسة بصعوبة أمام يانوكوفيتش في فبراير (شباط) 2010، التحقيقات بأنها «مطاردة سياسية قبيحة». وفي الأسابيع الأخيرة، منعها مدعون قضائيون من مغادرة العاصمة كييف، رغم أنها لم تعتقل. وقالت تيموشينكو خلال مقابلة: «يعتقد يانوكوفيتش أنه إذا وضعني خلف القضبان، فسيتمكن من الانتقال إلى الحملة التالية دون منافسة». وأصرت تيموشينكو على أن الملاحقة القضائية قد ساهمت في تقويتها، إن كانت أثرت عليها نوعا ما. وقالت: «إذا كان هذا هو كل ما وجدوه بعد عام من التحقيق في نشاطي، فإن هذا يظهر أنه ليس كل السياسيين في أوكرانيا فاسدين. والحقيقة أن هذه القضية الجنائية قد ردت لي اعتباري».

ويعكس الصدام القائم بين السياسيين انقسام أوكرانيا الجغرافي؛ حيث إن يانوكوفيتش ينحدر من الجزء الغربي للبلاد الذي يتحدث الروسية، والذي تحول تجاه موسكو لفترة طويلة طلبا للدعم. وتصور تيموشينكو نفسها على أنها بطلة أوكرانيا الغربية، حيث تسيطر اللغة الأوكرانية ويريد الناس إقامة مزيد من الروابط مع أوروبا. وقد واجه عدد كبير من زملاء تيموشينكو عمليات مراقبة مشددة. وفي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، اعتقل فريق من عناصر الأمن المقنعين وزير داخليتها السابق يوري لوتسينكو، عندما كان يسير رفقة كلبه، وقد سجن منذ ذلك الحين. واتهمه مدعون قضائيون، بعدة أمور بينها توظيف سائق رسمي تجاوزت سنه الحد المسموح به قانونيا. وفي بيان تم الحصول عليه من مركز اعتقال، وصف لوتسينكو التهم الموجهة ضده بأنها غريبة، كما وصف نفسه بأنه معتقل سياسي. وهرب مساعد آخر من مساعدي تيموشينكو، وهو وزير الاقتصاد السابق، بوهدان دانيليشين، إلى جمهورية التشيك، وحصل على اللجوء السياسي خلال الشهر الماضي، مما يعد مؤشرا على أن السلطات التشيكية تشك في أن القضية المثارة ضده غير نزيهة. وبدا أن التحقيقات مع رموز المعارضة تزايدت خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بعدما عين يانوكوفيتش مدعيا عاما جديدا، هو فيكتور بشونكا. وصرح بشونكا حينها: «طبعا، أنا عضو في فريق الرئيس».

وكان يانوكوفيتش الخاسر في الثورة البرتقالية الموالية للغرب، والتي اندلعت عندما أعلن متظاهرون أن فوزه في انتخابات الرئاسة عام 2004 شابه التزوير. وأجريت انتخابات جديدة هزمت فيها يانوكوفيتش، بعدما صوره خصومه على أنه مرتبط بالكرملين وسيحكم كرئيس سوفياتي على النمط القديم. لكنه حقق عودة قوية في انتخابات الرئاسة عام 2010 بعدما تعهد بأنه أصبح رجلا مختلفا، وقال إنه سيحمي الحريات السياسية والإعلامية وسيقيم علاقات دافئة مع الغرب وروسيا المجاورة. وفي تصريحات حديثة، نفى يانوكوفيتش ووزراؤه البارزون قمع الحكومة للمعارضة. وقالوا إنهم أجروا مراجعة منصفة لسياساتهم الحكومية والنفقات منذ توليهم للسلطة، وكانوا يحاولون ضمان معاقبة المسؤولين الفاسدين. وصرح يانوكوفيتش الأسبوع الماضي خلال زيارته إلى بولندا: «عندما يتعلق الأمر بالعدالة، لا نهتم بانتماء منتهك القانون. يتم تطبيق مبدأ سيادة القانون الآن في أوكرانيا».

وأوضح مسؤولون حكوميون أنهم كانوا قد شرعوا في إجراء تدقيق حسابي العام الماضي بواسطة شركتين قانونيتين أميركيتين، وأشاروا إلى أن شركة «كرول للتحقيقات» توصلت إلى دليل على وجود ست حالات من المخالفات المالية خلال فترة تولي تيموشينكو منصب رئاسة الوزراء. وقال وزير الخارجية الأوكراني، كوستانتين غريشتشينكو، خلال مقابلة: «كان هناك انطباع في المجتمع، وخصوصا خلال السنوات الخمس الأخيرة، بأن أعضاء الحكومة محصنون بشكل أساسي من الملاحقة القضائية. إننا بحاجة إلى إرسال إشارة جدية للمجتمع بأن هذا السلوك غير مقبول».

لكن يبدو أن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين كانوا يشكون بشكل متزايد في دوافع الحكومة. وأوضح دبلوماسيون غربيون أن تيموشينكو كان يمكنها ملاحقة يانوكوفيتش قضائيا بسهولة وبنفس الحماسة عندما كانت موجودة في السلطة، لكنها تركته وشأنه. وأشاروا إلى أن التدقيق الحسابي الذي أجرته الشركات الأميركية نظر فقط في فترة حكم تيموشينكو، ولم ينظر إلى السنوات التي شهدت وجود يانوكوفيتش في الحكومة قبل أن يصبح رئيسا. وفي نهاية ديسمبر (كانون الأول)، عندما بدا أن تيموشينكو قد تتعرض إلى الاعتقال، اتخذت السفارة الأميركية في كييف خطوة غير اعتيادية بإصدارها بيانا ينتقد بشدة السلطات الأوكرانية. وقال البيان: «عندما يتم استهداف المسؤولين البارزين الذين يرتبطون بالحكومة السابقة فقط، مع القليل من الاستثناءات، يقدم هذا الأمر مظهر محاكمة انتقائية للخصوم السياسيين». وبدا أن السفارة تردد اللهجة التي استخدمتها وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في انتقاد معاملة روسيا لقطب الصناعة الروسي ميخائيل خودوركوفيسكي. ويخضع خودوركوفيسكي، أغنى رجل في روسيا سابقا، للسجن منذ عام 2003 بعد تحديه لسلطة فلاديمير بوتين، الذي كان يشغل منصب رئيس البلاد حينها، ويشغل الآن منصب رئيس الوزراء. وبعد محاكمة ثانية، حكم على خودوركوفيسكي بالسجن لمدة أخرى في نهاية ديسمبر، ويقضي الحكم ببقاء خودوركوفيسكي خلف القضبان حتى عام 2017. وقالت كلينتون إن الحكم الصادر على خودوركوفيسكي «يثير تساؤلات خطيرة حول المحاكمات الانتقائية، وحول حجب سيادة القانون لاعتبارات سياسية». وخلال الشهر الحالي، وبعدما منعت تيموشينكو من السفر إلى بروكسل للقاء رئيس البرلمان الأوروبي، جيرزي بوزيك، بواسطة مدعين قضائيين، شكك بوزيك في نزاهة التحقيقات. ومن جانبه، امتنع الكرملين عن إصدار حكم بشأن هذا الأمر. وقال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، العام الماضي بعد بدء التحقيقات: «هذا شأن داخلي لأوكرانيا. وليس هناك شيء إضافي يمكنني قوله».

* خدمة «نيويورك تايمز»