الجيش المصري يقنع آلاف المتظاهرين بفك حصارهم للمقر التاريخي للقصر الرئاسي

عشرات الآلاف يعدون لمسيرة شعبية إلى قصر العروبة للمطالبة برحيل مبارك

متظاهرون مصريون أثناء إجراء رياضتهم الصباحية في ميدان التحرير بالقاهرة أمس (أ.ب)
TT

انسحبت الشرطة المصرية من أمام الحشود الضخمة لآلاف المتظاهرين الذين اتجهوا إلى قصر عابدين، المقر الرئاسي التاريخي بوسط العاصمة المصرية، في تقاطع شارعي محمد فريد والتحرير، ونجحت قيادات بالجيش في إقناع الحشود بالعودة إلى مقر التظاهر في ميدان التحرير.. وحتى إعلان المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية، الذي غاب عنه الرئيس المصري حسني مبارك لأول مرة، أنه سيكون في حالة انعقاد دائم، كان عشرات الآلاف من المحتجين يعدون لما سموه «جمعة التحدي» للقيام بمسيرة شعبية إلى قصر العروبة، للمطالبة برحيل مبارك.

ومن المقرر أن يحتشد آلاف المتظاهرين لإقامة جنازتين رمزيتين بعد صلاة الجمعة لشهداء الثورة التي انطلقت منذ يوم 25 من الشهر الماضي؛ واحدة للشهداء المسلمين من مسجد النور بضاحية العباسية، وبجوارها على بعد أمتار جنازة للشهداء المسيحيين في مقر الكاتدرائية ومقر البابا شنودة الثالث بطريرك الكرازة المرقسية، وقرر منظمو الجنازة الانطلاق بها إلى ميدان التحرير.

وأعلنت حركة «6 أبريل (نيسان)» عن ستة أماكن لانطلاق المسيرات في القاهرة الكبرى باتجاه ميدان التحرير وهي المساجد الرئيسة؛ منها مصطفى محمود بضاحية المهندسين، وعمرو بن العاص بمصر القديمة، ومسجد النور بالعباسية، والخازندار بشبرا، ومسجد خالد بن الوليد بإمبابة، والاستقامة بالجيزة. واتفق الشباب على آلية جديدة للتصعيد، وهددوا من أعلن استمرارهم في الحوار مع عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية بإنشاء قائمة سوداء لمن يحاول القفز على الثورة، على حد قولهم.

ودعت حركة شباب 25 يناير جموع الشعب المصري بكل فئاته من عمال وفلاحين ومهنيين وطلاب، لتصعيد وتوسيع نطاق التحركات الثورية، لتكون ثورتهم في كل قرية ومدينة وحي، وتنظيم اعتصامات مفتوحة في كل ميادين البلاد، مع استمرار الاعتصام في ميدان التحرير حتى تتحقق كل المطالب، بحسب ما أعلنوا عنه أمس.

واعتبر أبو العلا ماضي في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن ما يحدث في مصر الآن من اعتصامات ومظاهرات في كل موقع عمالي وإداري يمثل أكبر نجاح للثورة الشعبية في كل اتجاه، مضيفا أن الأمر ظهر على أنه إفلات عقد الدكتاتورية في كل المؤسسات التي كان أصحابها يضغطون على العاملين والموظفين، نافيا أن يستمر الأمر طويلا، معتبرا أن اليوم (الجمعة).. «إن لم يكن حدث تغيير جوهري سيكون يوما مهما وله دلالة من حيث الحشد والنتائج التي تترتب عليه»، من دون أن يكشف عما يتوقعه لهذا اليوم.

واستمرارا لحالة الرفض من المعتصمين لمن يخالفونهم في الرأي أو كانوا كذلك، رفض المتظاهرون استقبال الدكتور مصطفى الفقي رئيس لجنة العلاقات العربية والخارجية والأمن القومي والتعبئة القومية بمجلس الشورى، والمستقيل مؤخرا من الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم، وقاموا بطرده من ميدان التحرير.

وقال شهود عيان إنه فور دخول الفقي ميدان التحرير تعالت الأصوات المطالبة بخروجه من الميدان، حيث اعتبروه أحد رموز النظام، وردد الشباب أثناء وجود الفقي أنه كان قبل أشهر يتحدث عن دعمه للرئيس مبارك، مما اضطر الفقي إلى مغادرة الميدان بعد تدخل قوات الجيش، وسط هتافات الشباب «يسقط يسقط النظام.. الشعب يريد إسقاط النظام».

ورفض المتظاهرون السماح لسامح عاشور نقيب المحامين السابق والقائم بأعمال رئيس الحزب الناصري، بالتحدث للمحتجين، وردد الشباب: «انزل انزل.. مش عايزينك». وجاء ذلك لما قال المتظاهرون إنه موقفه السابق بقبوله الحوار مع نائب رئيس الجمهورية.

يأتي هذا، في الوقت الذي قرر فيه المحتجون في ميدان التحرير وضع بنية أساسية تساعدهم على الصمود طويلا ومنها إقامة دورات مياه داخل الميدان بعد أن اشتكى المعتصمون من قلة دورات المياه في محيط الميدان واضطرارهم إلى استخدام دورات مياه المساجد أو بعض المحال والمنازل المحيطة. وأعلن المهندس رجب العريني، المشرف على عملية إنشاء مشروع الحمامات، أن المشروع يشمل 10 دورات مياه بصفة مبدئية وستزيد لاحقا، وتصل مساحة الحمام الواحد إلى نحو 12 مترا مربعا مكونة من حوائط وأسقف من الخشب. وقدرت الميزانية الأولية لهذه الدورات بنحو 4 آلاف جنيه (نحو 900 دولار أميركي).

وأضاف المهندس العريني أنه وقع اختيار مكان الحمامات المتنقلة وتقع بالقرب من الحمامات الرئيسية العامة بالميدان، لتسهيل عملية الصرف، مؤكدا أن هذه الدورات لن تشوه المنظر العام في الميدان ويمكن استخدامها وتركها كما هي في ما بعد تخدم المواطنين بعد فض الاعتصام. مضيفا أن الفنانين والرسامين في الميدان يقومون بالرسم على الحوائط الخشبية لتصبح كمعرض فني لإعطاء الشكل الجمالي.

واستمرت المظاهرات مساء أمس تحت أمطار مفاجئة أغرقت شوارع القاهرة، ونجح آلاف المحامين المصريين في الوصول بمسيرة انطلقت من مقر نقابتهم بشارع رمسيس بوسط القاهرة إلى أمام قصر عابدين الرئاسي الذي يقع على بعد نحو 5 كيلومترات من مقر النقابة، حيث انطلق المحامون من مقر نقابتهم مرتدين أروابهم السوداء في شوارع وسط القاهرة حاملين لافتات ومرددين شعارات تطالب برحيل الرئيس المصري ونظامه.

وفي أول وجود علني لجنود الأمن المركزي التابعين لجهاز الشرطة منذ انسحابها من الشوارع يوم الجمعة في الرابع من الشهر الحالي، اصطف نحو 500 جندي من جنود الأمن المركزي مشكلين كردونا أمنيا لإغلاق المدخل الرئيسي المؤدي إلى حديقة قصر عابدين الرئاسي في تقاطع شارعي محمد فريد والتحرير، بينما أقامت القوات المسلحة سياجا من السلك الشائك حول أسوار الحديقة.

ونزل ضباط من قيادات القوات المسلحة لتهدئة المحامين الغاضبين الذين بدأ عدد كبير منهم في مطاردة بعض قيادات الشرطة الذين غادروا الموقع إلى شوارع أخرى. ووقف أحد ضباط القوات المسلحة فوق إحدى سيارات الشرطة الصغيرة وحمل مكبر صوت مخاطبا المحتجين في محاولة لتهدئتهم وقال: «أريد فقط أن أقول لكم إن رسالتكم وصلت بقوة أكثر من أي وقت مضى».

ونجحت قيادات القوات المسلحة في إقناع المحامين بعودة المسيرة إلى ميدان التحرير. وأصدر المحامون بيان تأييدهم لمطالب الثورة الشعبية، وزعوه خلال المظاهرة، وحدد البيان الذي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه 10 مطالب للمحامين، بينها تنحي مبارك ونظامه كاملا عن الحكم، وتشكيل حكومة انتقالية وطنية تضم جميع الأطياف السياسية، ومحاكمة وملاحقة من وصفهم البيان بـ«الذين نهبوا أموال الشعب واتخاذ الإجراءات اللازمة لرد هذه الأموال، إضافة إلى محاكمة القيادات الأمنية المسؤولة عن قتل المحتجين منذ اندلاع الاحتجاجات».

كما دعا البيان إلى إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، وإلغاء قانون الطوارئ ومراجعة الأحكام التي صدرت بحق مواطنين مدنيين من المحاكم العسكرية ومحكمة أمن الدولة، وتفكيك جهاز مباحث أمن الدولة تهميدا لتشكيل جهاز للأمن الوطني برؤية وفكر يخدم العدالة والحرية. وشدد البيان على «حتمية أن يوضح الجيش موقفه بالوقوف مع الشعب ومطالبه».

وقال المدير التنفيذي للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان المحامي جمال عيد لـ«الشرق الأوسط» خلال مشاركته في المسيرة: «احتجاجات المحامين لن تتوقف قبل أن يرحل مبارك ونظامه رحيلا كاملا». وأعلن المحامي الإسلامي ممدوح إسماعيل في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» خلال مشاركته في المظاهرة، أن نقابة المحامين تبحث مع نقابات مهنية أخرى بينها الصحافيون والأطباء والصيادلة تنظيم مسيرة مشتركة إلى قصر العروبة الرئاسي خلال الأيام المقبلة.