«حمى التحرير» تنتقل إلى بغداد مع تصاعد حدة المظاهرات المطالبة بتحسين الخدمات

محتجون يخططون لتجمع كبير في «ساحة التحرير» وسط العاصمة العراقية في 25 فبراير

عراقيون يتظاهرون في الموصل مطالبين بتحسين الخدمات وفرص العمل أمس (رويترز)
TT

اجتاحت العراق أمس موجة من المظاهرات الجماهيرية المطالبة بتحسين الخدمات العامة في البلاد في وقت أبدت فيه مصادر حكومية مخاوفها من أن يجري تسييس هذه الظاهرة من قبل جهات حزبية وسياسية بهدف تصفية حساباتها مع الحكومة التي لم يمض على تشكيلها أكثر من شهرين.

ورغم إعلان الحكومة برئاسة نوري المالكي عن اتخاذ مجموعة من الإجراءات الهادفة إلى امتصاص الغضب الجماهيري الذي بدأ يتصاعد تدريجيا في الآونة الأخيرة منذ اندلاع شرارة الانتفاضات الشعبية في عدد من الدول العربية مثل تونس ومصر واليمن، فإن استمرار هذه المظاهرات واحتمال تصاعد وتيرتها خلال الأيام المقبلة، بما في ذلك مظاهرة كبيرة يجري التخطيط لتنظيمها في ساحة التحرير وسط بغداد في 25 الحالي، يؤكد بما لا يقبل مجالا للشك أن الإجراءات الحكومية لم تقنع حتى الآن الشارع العراقي. فكل ما تم اتخاذه حتى الآن هو منح كل مواطن عراقي 15 ألف دينار عراقي بدل تعويض عن نقص البطاقة التموينية فضلا عن دراسة إمكانية نقل ملف البطاقة التموينية من الحكومة الاتحادية إلى الحكومات المحلية.

وطبقا لخارطة مظاهرات أمس فإنها توزعت جماهيريا من البصرة جنوبا حتى الموصل شمالا مرورا بالنجف وواسط وبغداد وغيرها من المدن والقصبات، بالإضافة إلى تنظيم نوع آخر من المظاهرات ذات الطبيعة النوعية وهو ما قام به المثقفون والناشطون المدنيون في شارع المتنبي ببغداد فضلا عن المحامين في كل من بغداد وكربلاء والموصل والبصرة والرمادي والموظفين من أصحاب العقود في عدد من الوزارات والمؤسسات. واللافت في معظم المظاهرات حتى الآن هو اقتصارها على الجانب الخدمي مع مطالبتها إما بإقصاء المحافظ أو المجلس البلدي وهو ما يعطيها مسحة سياسية واضحة، خصوصا أن معظم المحافظين وأعضاء مجالس المحافظات لا سيما الوسطى والجنوبية هم من قيادات حزب الدعوة بزعامة المالكي ممن فازوا بانتخابات مجالس المحافظات.

ويكاد يكون ثالوث الخدمات المتمثل في دعم البطاقة التموينية وتحسين الطاقة الكهربائية ومحاربة الفساد هو الهاجس الأكبر للمواطنين العراقيين. وفي وقت يأخذ الناس فيه على الحكومة كثرة تعهداتها، لا سيما تلك التعهدات التي أطلقت خلال فترة الانتخابات التشريعية الماضية التي أجريت العام الماضي، فإن ما أعلنته الحكومة بصدد ما سوف تتخذه من إجراءات قد لا يكون كافيا لإقناع المواطنين. فعلى صعيد البطاقة التموينية، فإن القرار القاضي بمنح كل مواطن 15 ألف دينار لم يلق إلا استجابة محدودة كما أن عملية نقل البطاقة من وزارة التجارة إلى المحافظات يمكن أن يصطدم بعدم ثقة الناس بالحكومات المحلية بسبب ظاهرة الفساد المالي والإداري. أما الكهرباء، فإنه وطبقا لما أعلنه المالكي لدى زيارته وزارة الكهرباء، فإن الصيف القادم لن يشهد إلا تحسنا طفيفا وأن الحل النهائي للمشكلة قد يستغرق ثلاث سنوات أخرى. أما على صعيد الفساد المالي والإداري، فإنه وطبقا لما أعلنه رئيس هيئة النزاهة رحين العكيلي قبل يومين من أن الوزراء يتسترون على ملفات الفساد في وزاراتهم بدل أن يحاربوها تعني أن المشكلة ستظل قائمة وبالتالي فإن المظاهرات لن تتوقف وباب الاتهامات سيظل مشرعا على مصراعيه.

ويهدد استمرار أزمة الخدمات تحديدا بتوتير العلاقة بين الشركاء في الحكومة الجديدة وتحديدا بين المالكي ونائبه لشؤون الخدمات والقيادي في القائمة العراقية صالح المطلك. إذ يمكن أن يصبح تصاعد حدة المظاهرات الجماهيرية التي تتسع دائرتها في مدن الجنوب التي تمثل حاضنة طبيعية لمعظم القيادات السياسية العليا في الدولة حاليا، مدخلا طبيعيا للتعبير عن غضب الشركاء في السلطة ممن يتمتعون بامتيازاتها ولكنهم بعيدون عن صلاحياتها بينما يعبر الناس عن غضبهم بسبب ما يرونه من تفاوت كبير في الرواتب والأجور والامتيازات بين كبار المسؤولين والمواطنين البسطاء على الرغم من إعلان كبار المسؤولين من وزراء ونواب بالإعلان عن تخفيض رواتبهم بنسبة تتراوح بين 20 في المائة و10 في المائة.