حضور العمالة الأجنبية في السعودية: من ألسنة الصغار.. لبطون الكبار

استشارية طب الأسرة والمجتمع تحذر من بعض المستحضرات المسرطنة

المطاعم الإندونيسية تمكنت من جذب السعوديين إليها وباتت منافسة لمطاعم أخرى (تصوير: ثامر الفرج)
TT

لم يقتصر دور العمالة في الكثير من مناطق السعودية بشكل عام، وعلى وجه الخصوص العمالة الإندونيسية، على الخدمة في المنازل فقط، بل تعدى ذلك وبلغ في بعض الحالات، اكتساب الأطفال في سن مبكرة من العمر، خصوصا في مراحل تعلم النطق، بعضا من مفردات اللهجة العامية، لكن بطريقة العاملة التي يشوبها أحيانا كسر في النطق يضفي نوعا من الطرفة.

هذا الأمر يأتي بسبب بقاء الأطفال مع العاملات المنزليات وقتا أطول من اقترانهم بأمهاتهم، مما يؤدي إلى تأثر الطفل بما يكتسبه من ذلك الاقتران، الذي يحذر منه اختصاصيو التربية، خشية تأثر الطفل بعادات تعتبر دخيلة على مجتمعه.

فاللغة السعودية العامية على ألسنة العمالة الوافدة خلقت نوعا من ثقافة النطق الخاصة، لانتشارهم في كثير من مجالات الحياة، في (السوبر ماركت، والتموينات، والمطاعم، والمراكز التجارية، والمستشفيات)، وهو الأمر الذي خلق قاعدة خاصة تؤسس عليها اللهجة السعودية العامية، لكن على ألسنة الوافدين.

ومن هذا المنطلق، أخذ الأمر في التوسع نوعا ما، من حيث دخول خصوصيات بعض من المجتمعات الشرق آسيوية للمجتمع السعودي. فعلى سبيل المثال، يلحظ دخول كثير من خصوصيات المجتمع الإندونيسي، التي قاد إليها، وجود مواقع بيع تختص فقط بالترويج للمستلزمات الخاصة بذلك المجتمع، من أكل وشرب ومواد أخرى تتطلبها جوانب الحياة هناك، وبلغ الأمر لظهور مطاعم خاصة بطهي وبيع الغذاء الإندونيسي الخاص بشتى أصنافه، وقس على ذلك، العادات الخاصة بالمجتمعات الأخرى، كالهندية والباكستانية وما يسمى في السعودية بـ«الجاوي».

«الجاوي» هنا، كانت البقالات والمطاعم سببا في ظهور هذه الخصوصية وخلقت تأثيرا ملحوظا على المجتمع السعودي، إذ أصبح الكثير منهم يرتادونها، خصوصا الشباب الذين يتجهون إلى المطاعم، لتناول الكثير من الأكلات، كـ«الساتي، بجميع أنواعه اللحم والدجاج والجمبري، والدندن، وهو ما يعرف باللحم الناشف، وقادو قادو، التي يقصد بها شوربة الأندومي الخاصة بالمجتمع الإندونيسي».

ويبرز في ذات الجانب، اهتمام السيدات في بعض من السلع الخاصة بهن، حيث يحرصن على استخدام بعض الكريمات والزيوت والشامبوهات الخاصة بالبشرة والشعر، وأدوات التجميل الخاصة، بالإضافة إلى بعض من الأطعمة التي تتناولها الفتيات الإندونيسيات بغرض التخسيس، حتى إن الأمر وصل ببعض الفتيات إلى البحث عن بعض الأقراص والمستخلصات الطبيعية، التي يزعم معظم أصحاب المتاجر الإندونيسية، أنها مؤدية لإنقاص الوزن، وقدرتها العجيبة على إكساب البشرة نضارة خاصة، ورشاقة الفتاة بشكل عام في وقت قياسي.

انتشار البقالات والمطاعم الإندونيسية، قاد بعض الشباب السعودي للتفنن في إنشاء مطاعم على طراز كبير من حيث الديكورات، وكذلك من حيث تسميتها، نسبة إلى بعض الجزر والمدن الإندونيسية، ومن اللافت للنظر، أن الإقبال الكبير من الزبائن على هذه المطاعم، دفع الكثير من رجال الأعمال السعوديين المختصين في مجال المطاعم، إلى التفكير في افتتاح الكثير من الفروع في جدة، بالإضافة إلى فروع أخرى في المدن السعودية الأخرى.

محمد اليحيى شاب سعودي يبلغ من العمر 27 عاما، يرى أن هناك بعض المطاعم الإندونيسية تعمل على تقديم وجبات جيدة وبأسعار مناسبة، إذ يؤكد أنه بات من عشاق المأكولات الإندونيسية، خصوصا الوجبات البحرية، بالإضافة إلى بعض السلطات الخاصة بالمطبخ الإندونيسي، وبات في نفس الوقت يتردد بشكل أسبوعي على المطاعم الجاوية في منطقته، هو وبعض زملائه، واستطاع إقناع أسرته بالتردد على مثل هذه المطاعم، بل بلغ الأمر إلى شراء بعض المواد الغذائية الخاصة بالمجتمع الإندونيسي، ومعرفة كيفية تحضيرها بشكل جيد، كما هي في المطبخ الخاص بتلك الدولة.

ومن جانب آخر، يؤكد بائع إندونيسي في إحدى البقالات أن السعوديين يترددون عليه في الكثير من الأوقات، خصوصا الفتيات، ويقودهن البحث عن بعض الزيوت والكريمات التي من شأنها إعادة نضارة البشرة، وبعض أنواع الشامبو والزيوت التي تمنع تساقط الشعر، وتزيد من كثافته ولمعانه. وأشار عبد الرحيم الإندونيسي إلى أن هناك إقبالا كبيرا من المواطنين السعوديين على الشراء من متجره الصغير في حي الفيصلية بمدينة جدة، مؤكدا في نفس الوقت أن بعض المواطنين يترددون عليه، مصطحبين خادماتهم والعاملات في منازلهم لشراء بعض المستلزمات، التي يتصدرها «الأندومي، الطاهو، الكروبو، والبايي».

وأشار عبد الرحيم إلى أن هناك البعض الآخر يأتون بمفردهم ويطلبون الكثير من المواد الغذائية مثل البهارات والزيوت والكريمات، مبينا أن قلة منهم يقومون بالاتصال على خادماتهم عبر الهاتف الجوال، لكي تتحدث مع البائع، لمعرفة طلباتها، إذ إن هناك بعض الأسماء لا يتمكنون من معرفتها، خصوصا أنها باللهجة الإندونيسية.

وعلى الرغم من التحذيرات التي تطلقها الجهات الصحية في السعودية حول المخاطر التي تتسبب فيها بعض الكريمات والزيوت والأعشاب، لما يحتويه بعضها من هرمونات قد تسبب خطرا على حياة الإنسان، إلا أن معظم تلك المتاجر تعمل على ترويج منتجاتها بشكل كبير، الأمر الذي جذب الباحثين عن الرشاقة لشراء مثل تلك الكريمات والزيوت والأعشاب.

وفي هذا السياق، حذرت استشارية طب الأسرة والمجتمع رئيسة قسم البحوث بالرعاية الصحية الأولية في الشؤون الصحية بمدينة جدة الدكتورة رجاء الردادي، من استخدام أي وصفات أو مستحضرات غير مرخصة، مؤكدة أن هناك الكثير من المواد المسرطنة التي قد تدخل في تركيبتها.

وقالت الردادي لـ«الشرق الأوسط»: إن المشكلة تكمن في انسياق بعض الأشخاص وراء مستحضرات ومواد غير آمنة، وليست مرخصة من الجهات ذات العلاقة، وهو ما يندرج في ظل البحث عن الرشاقة أو نضارة البشرة.

وأكدت استشارية طب الأسرة والمجتمع أن بعض الكريمات المغشوشة تحتوي على مواد مسرطنة بإمكانها الدخول إلى الدم عن طريق الشعيرات الدموية، وتتسبب في إصابة الإنسان بالأمراض السرطانية، إضافة إلى قيام البعض بوضع كمية من الكورتيزون لبعض المستحضرات كالكريمات والزيوت، وهي المادة التي تفرز في جسم الإنسان عن طريق بعض الغدد، خصوصا الغدة النخامية، التي تتحكم في عمل غدة أخرى، إذ ترسل إليها مادة هرمونية لإفراز الكورتيزون، ليقوم بعمليات حيوية في الجسم، على مدار الساعة، لكن عندما تحتوي هذه المواد على الكورتيزون بكميات كبيرة، فإنها تتسبب في الكثير من المضاعفات الخطيرة، إذ إن ارتفاعها في الجسم يؤدي إلى الفشل الكلوي، أو التليف الكبدي، بالإضافة إلى الأمراض الرئوية.

وحذرت الدكتورة الردادي من بعض المستحضرات التي تحتوي على مادة الكورتيزون وتستخدم بشكل موضعي للجسم، كالبشرة والجلد، وتكون على شكل مراهم أو كريمات من شأنها الوصول إلى الدم، وهو ما قد يؤدي إلى حدوث ما لا تحمد عاقبته على صحة الإنسان.

وحول انتشار بعض المركبات أو الحبوب التي تباع في بعض المتاجر تلك، ومنها على سبيل المثال حبوب مصنوعة من أحد أنواع الديدان، قالت رئيسة قسم البحوث بالرعاية الصحية الأولية في جدة: إنه ينبغي الحذر من مثل هذه المواد التي يروج لها، والتأكد من صلاحيتها، مطالبة في نفس الوقت بضرورة التأكد من اعتمادها من قبل هيئات طبية عالمية، أو السلطات الصحية التي من شأنها السماح لدخول بعض من تلك السلع، بعد إخضاعها لرقابة تنبع من ضوابط وشروط تنتهجها تلك الجهات في السماح لدخول السلع للبلاد.