أميركا تعود لخفض الإنفاق.. والانقسامات وسط الجمهوريين قد تقلل من حجم الخطة

في أعقاب تفاقم المخاوف من الدَين العام والعجز

الرئيس أوباما يتحدث حول خططه الاقتصادية في غرفة التجارة الأميركية في واشنطن (نيويورك تايمز)
TT

شهد الأعضاء الجمهوريون في مجلس النواب أسبوعا مليئا بالتماوجات تحول إلى فوضى يوم الخميس عندما رفضت الأغلبية الجامحة الجديدة رفضا تاما خطة الإنفاق التي صاغها قادة مجلس النواب قائلين إن التخفيضات فشلت في إنجاز حملة التعهد لخفض 100 مليار دولار من البرامج الفيدرالية.

وقد عرض قادة مجلس النواب إعادة صياغة الخطة، لكنهم ناضلوا لتحديد التخفيضات الضخمة وغير المسبوقة التي ينبغي القيام بها لتحقيق هدفهم. في الوقت ذاته بدأ المحافظون الساخطون في الضغط من أجل تخفيضات أكثر حدة يمكن أن تثبت صعوبة في تمريرها عبر مجلس النواب ومجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الديمقراطيون بأغلبية قليلة.

وكشفت خطة الخفض انقسامات حادة بين الجمهوريين الذين يميلون إلى خفض حجم الحكومة، القضية الرئيسية للحملة التي أعادتهم إلى السيطرة مرة أخرى على مجلس النواب خريف العام الماضي، حيث يطالب العشرات من النواب الجدد المدعومين من حركة «حفل الشاي» بالاستجابة السريعة للغضب الشعبي العارم.

ويهدد هذا التصميم بإفشال جهود رئيس مجلس النواب، جون بونر، (الجمهوري عن ولاية أوهايو) في تجنب المواجهة مع البيت الأبيض الذي يتوقع أن يؤدي إلى تعليق عمل الحكومة خلال الشهور القديمة. وحتى الأسبوع الحالي كان قادة مجلس النواب يتوقعون صعوبة نسبية في صياغة خطة إنفاق أولية تحقق خفض الإنفاق وتتفق في الوقت ذاته مع مطلب الميزانية الذي يتوقع أن يقدمه الرئيس أوباما يوم الاثنين.

وقد ناصرت الجماعات المحافظة، عبر واشنطن، لهيب التمرد يوم الخميس؛ ففي مؤتمر العمل السياسي المحافظ انتقد النائب الجمهوري عن ولاية مينيسوتا، وقائد تجمع حركة «حفل الشاي» في مجلس النواب مايكل باكمان، قادة الحزب الجمهوري على عرضهم الأول لخفض الإنفاق وطالب بالمزيد.

وقال باكمان أمام جمهور في فندق «ماريوت واردمان»: «على الرغم من أهمية هذه التخفيضات في الإنفاق، فإننا بحاجة إلى المزيد أكثر مما حصلنا عليه اليوم».

ويحاول المحافظون في الإدارة تقييم الوضع أيضا، فأعلن نادي مناهضة الضريبة من أجل تحقيق النمو، الجماعة التي تتصل بمؤسسة هيرتدج، أنه سيجعل من خطة الإنفاق تصويتا رئيسيا في تصنيفاته الخاصة بأعضاء الكونغرس، والحط من قيمة المشرعين الذين قد يؤيدون أي شيء سوى التفسيرات الصارمة للتعهد بخفض 100 مليون دولار من الميزانية.

ويقول مايك كونولي، رئيس نادي مناهضة الضريبة من أجل النمو الذي لعب دورا أساسيا في انتخاب أكثر من 10 أعضاء من بين 87 عضوا جمهوريا جديدا: «من الأهمية بمكان أن تظهر الأغلبية الجديدة أنها قادرة على الوفاء بكل وعودها».

وقال كونولي: «كان الوعد الذي قطعه الجمهوريون للشعب الأميركي خفض 100 مليار دولار من الميزانية التي قدمها الرئيس، ويمكن للاقتصاديين والمحاسبين الخروج ابتكار وسائل مختلفة للقيام بأي شيء، لكن شريطة أن يكون ذا مغزى، فكل ما نطلبه هو الوفاء بتعهداتهم».

النزاع بشأن الإنفاق كان الأبرز في سلسلة الأخطاء التي ارتكبها قادة مجلس النواب هذا الأسبوع التي كان من بينها فشل تصويتين حول مشروع قانون لمد العمل بقانون باتريوت الأميركي، وإلغاء التمويل من الأمم المتحدة، كما أجبر قادة الجمهوريين أيضا على تأجيل التصويت بشأن برنامج تقديم المساعدات للأشخاص الذين يفقدون عملهم نتيجة للعمالة الخارجية. وما زاد الطين بلة، استقالة العضو الجمهوري عن نيويورك الذي ضبط متلبسا بمغازلة امرأة.

ويذكر أن التأكيد على التعهد بخفض 100 مليار دولار من الميزانية - حجر الزاوية في الحملة التي أدت إلى انتصار كاسح في انتخابات التجديد النصفي منذ عام 1938 - بات مقلقا على نحو متزايد؛ ففي وثيقة تعهدهم لأميركا، تعهد بونر وقادة الحزب الجمهوري بعودة الإنفاق الحكومي إلى المستويات التي كان عليها عام 2008، قبيل تولي الرئيس أوباما المسؤولية وخفض الإنفاق لمحاربة أسوأ ركود شهدته البلاد منذ الكساد الكبير.

ويقول التعهد: «مع بعض الاستثناءات المنطقية لكبار السن والمحاربين القدامى وقواتنا، سنجبر الحكومة على العودة بالإنفاق إلى ما قبل خطة التحفيز الاقتصادي وخطة الإنقاذ، وهو ما سيوفر على الأقل 100 مليار دولار في العام الأول فقط».

لكن ما إن وصل الجمهوريون إلى مجلس النواب في يناير (كانون الثاني) وشرعوا في محاولة صياغة قانون لتمويل الحكومة حتى نهاية العام المالي في سبتمبر (أيلول). القرار الحالي ينتهي في الرابع من مارس (آذار) يجب على الكونغرس العمل قبل ذلك للحفاظ على عمل الحكومة.

وفي الحال بدأ الجمهوريون في التراجع في تعهداتهم. ففي البداية شرح بول رايان - العضو الجمهوري عن ولاية وسكنسون - ورئيس لجنة الميزانية في مجلس النواب أنه نظرا إلى أن طلب الميزانية الذي لم يسن على الإطلاق فقد أعد الكونغرس مستوى متدنيا للغاية للعام المالي الحالي. ونتيجة لذلك سيضطر الحزب الجمهوري إلى القيام بالمزيد من خفض الإنفاق للوصول إلى هدفه. أضف إلى ذلك أن العام المالي أوشك على الانتصاف، ومن ثم يؤيد رايان إقرار التخفيضات لتغطي فقط فترة 7 أشهر في الفترة من مارس وحتى سبتمبر.

وبعد تلقي التوجيه من مكتب الميزانية التابعة للكونغرس، اقترح قادة مجلس النواب خفض الإنفاق بمقدار 74 مليار دولار مقارنة بطلب الميزانية الذي قدمه أوباما في أواخر فبراير (شباط) - 58 مليار دولار من المخصصات غير المرتبطة بالأمن القومي، و16 مليار دولار من البنتاغون - ستتطلب تلك الأهداف تخفيضات فعلية بنحو 32 مليار دولار، لكن رئيس لجنة المخصصات في مجلس النواب هارولد روجرز (النائب الجمهوري عن ولاية كنساس) حذر من أنها ستكون مؤلمة للغاية. لكن المحافظين الذين يقودهم النائب جيم جوردان النائب عن ولاية أوهايو ورئيس لجنة دراسة جمهورية عبروا عن سخطهم. فقد غصت صفوفهم بالنواب الجدد الذي لم يتلقوا اتصالات من الناخبين الغاضبين بشأن تأجيل برنامجهم المفضل، وهددت اللجنة بمعارضة الخطة في مجلس النواب الأسبوع القادم ما لم يتم تبني تخفيضات كبيرة. ومن ثم تعهد روجرز يوم الخميس بالتوصل إلى خفض آخر بقيمة 26 مليار دولار، لكن المحافظين حاولوا تحريك هذه التخفيضات أكثر. وقالوا إنهم لن يضعوا خفض الإنفاق في البنتاغون ضمن خطة التخفيضات، فوثيقة التعهد لأميركا تتضمن تخفيضات بقيمة 100 مليار دولار من البرامج غير الدفاعية، ومن ثم ينبغي على قادة مجلس النواب الخروج بـ16 مليار دولار إضافي.

ويؤكد النائب جيف فليك، النائب الجمهوري عن ولاية أريزونا على أن التخفيضات الخاصة ببرامج الدفاع لم تكن حقيقية على أي حال. وعلى الرغم من عرض روجرز خطة إنفاق تقل 16 مليار دولار عن خطة أوباما، إلا أن خطة إنفاقه ستقدم للبنتاغون زيادة في مستويات الإنفاق الحالي. وقال فليك: «هذا نوع من الحساب الذي سخرنا منه لسنوات، وها نحن نقبل به الآن، ذلك النوع الذي يثير الضيق لدى الكثير منا».

وقد أبدى خبراء الحزب الجمهوري غضبا من السطو على أجندتهم من قبل الوافدين الجدد الذين لا يتمتعون بخبرة كبيرة في تعقيدات الميزانية الفيدرالية، حيث تهدد جهودهم بتفجير أي فرصة باتفاق شرعي بين الحزبين بشأن الإنفاق.

ويرى النائب توم لاثام، النائب الجمهوري عن ولاية أيوا، وعضو لجنة المخصصات والمقرب من بونر، أن الخطة الأولية ربما يمكن تمريرها في مجلس الشيوخ، حيث يواجه عدد كبير من الديمقراطيين إعادة انتخابهم في 2012 من الولايات التي صوتت لصالح الجمهوريين خريف العام الماضي.

وبيد أن لاثام قال إنه لا يتوقع حدوث المزيد من التخفيضات، رافعا سقف التوقعات بأن يعمل الكونغرس بالحفاظ على الإنفاق على مستوياته الحالية للحفاظ على الوكالات الفيدرالية مفتوحة، وهو ما سيضيع على الجمهوريين انتصارا بشأن تحقيق أهم وعود حملتهم.

التوتر الذي يخيم على الكونغرس كان واضحا يوم الأربعاء عندما وجد رايان نفسه في موقف دفاعي في اتصال هاتفي مع ناشطين في حركة «حفل الشاي»، حيث سألت تمارا كولبرت التي تترأس جمعية وطني باسادينا، ومقرها كاليفورنيا، رايان عن السبب في تخلى الحزب الجمهوري عن تعهده بخفض 100 مليار دولار.

وقالت كولبرت، التي تعمل مع منظمة «أميركان سولوشنز»، الجماعة السياسية التي يقودها رئيس مجلس النواب السابق، نويت غنغريتش: «ما نريده من ممثلينا أن يقفوا ويتحلوا بالشجاعة للمجازفة بكل شيء». وحاول رايان شرح المسألة عبر عمليات حسابية غامضة، ثم أمسك قائلا: «لقد استغرق مني الأمر 5 دقائق لشرح ذلك. هذا هو الأمر المحبط بشأن هذه المسألة».

وقد التقى الجمهوريون في مساء يوم الخميس لما يقرب من ساعة ونصف الساعة مع المشرعين الجمهوريين محاولا البحث عن طريق يمكن خلاله الفوز بدعم الجيش دون التخلي عن الأعضاء الأكثر اعتدالا. ومن بينهم بعض الجمهوريين الذين ستتضرر دوائرهم الانتخابية نتيجة هذه التخفيضات. وبعد ذلك قال زعيم الأغلبية في مجلس النواب، إريك كانتور، النائب عن ولاية فيرجينيا، فقالوا إن الجمهوريين كانوا يتحدون حول حقيقة أننا سنقدم قانونا إلى المجلس الأسبوع المقبل يضم تخفيضات بقيمة 100 مليار دولار، على الرغم من أنها ظلت غير واضحة سواء تمكن ذلك الإجراء من التغلب على مخاوف المحافظين من عدمه.

وقد أصدر جوردان بيانا يوم الخميس قال فيه: «لقد هللت لجهودهم في الحفاظ على زخم المناقشات للسير في الطريق الصحيح».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»