الجزائر: انتشار أمني واسع بالعاصمة لمنع «مسيرة التغيير» اليوم

اعتقال 6 نشطاء سياسيين بسبب الترويج لها .. ووفاة عاطل عن العمل حرق نفسه

TT

نشرت الحكومة الجزائرية، أمس، المئات من رجال الأمن في كل مداخل العاصمة، ونصبت المزيد من الحواجز الأمنية في الطرقات. وأظهر أفراد الأمن صرامة كبيرة في تفتيش السيارات. وتعكس هذه الإجراءات عزم السلطات منع «مسيرة التغير» المرتقبة صباح اليوم. وفي غضون ذلك، تم اعتقال ستة نشطاء سياسيين بسبب الترويج للمسيرة.

وتبدي السلطات الجزائرية خوفا كبيرا من انفلات الوضع في حال سمحت بالمظاهرات المرتقبة اليوم، التي دعا إليها حزب «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية» و«الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان»، وجمعيات ونقابات غير معتمدة.

والتقت هذه التنظيمات في إطار سمته «التنسيقية الوطنية من أجل التغيير والديمقراطية».

وحرصت السلطات على تجنيد كل الوسائل للحؤول دون توجه أعداد غفيرة إلى «ساحة أول مايو» بالعاصمة، حيث يرتقب أن تنطلق المسيرة باتجاه «ساحة الشهداء» على بعد أربعة كيلومترات.

وتوقفت «الشرق الأوسط» أمس عند نقطة مراقبة أمنية بالضاحية الجنوبية للعاصمة، حيث كان رجال الدرك بصدد دعوة أشخاص إلى العودة من حيث جاءوا، بعدما ضبطوا بحوزتهم لافتات تنشد «التغيير» و«إشاعة الديمقراطية».

وجاء الراغبون بالمشاركة في مسيرة اليوم من منطقة الشلف (200 كلم غرب العاصمة»، وقال أحدهم لدركي وهو متذمر من وقوفه حائلا دون دخوله العاصمة: «أريد أن أمارس حقي في التعبير سلميا عن اهتماماتي.. إنني لا أنتمي لأي تنظيم محظور، أنا مواطن، ومن حقي التظاهر في الشارع». ورد عليه الدركي: «يا أخي هل تريد لي المشكلات؟ اسمع نصيحتي وعد إلى بلدتك، فالحكومة قالت إن المسيرات ممنوعة في العاصمة، وعليك أن تتجاوب مع هذا القرار».

وأعطت السلطات تعليمات صارمة لرجال الأمن بتفتيش كل وسائل النقل، من قطارات وسيارات أجرة وعربات إذا اشتبهوا في وجود أشخاص بداخلها يتوجهون من مناطق الداخل إلى العاصمة، بغرض المشاركة في المسيرة التي تنظمها «تنسيقية التغيير والديمقراطية». وأمرت السلطات مسؤولي الأمن بتفادي استعمال العنف مع المتجاوبين مع الدعوة إلى المسيرة، حتى لو تعرضوا للاستفزاز.

وفي المقابل، طالب منشطو «تنسيقية التغيير» من كل شخص يريد الانضمام إلى المسعى، بعدم استفزاز رجال الأمن وتجنب الاحتكاك بهم.

وأعلن نشطاء ما يسمى «ميثاق الحقوق والحريات»، الذي يضم حقوقيين وصحافيين وأساتذة جامعات وطلبة، مشاركته في مسيرة اليوم. وذكر في بيان أنه قرر الانخراط في المسعى «من أجل افتكاك الحقوق المسلوبة منذ وقت طويل». ويوجد ضمن الموقعين على البيان، برلمانيون منشقون عن عدة أحزاب.

وقام نشطاء «التنسيقية» بعمل كبير في الميدان، لدفع النخبة إلى المشاركة في المسيرة. والهدف من وراء ذلك، حسب أعضاء منها، هو أن تظهر المسيرة بأنها مؤطرة من صفوة المجتمع. ومعروف أن أعمال العنف التي وقعت مطلع يناير (كانون الثاني) الماضي، وخلفت قتلى وخرابا كبيرا في المرافق، لم تتبناها أي جهة سياسية، لذلك شاع أن من قام بها جماهير ثارت ضد ارتفاع أسعار المواد الغذائية.

وأفرز الحراك السياسي المتمخض عن أحداث الشهر الماضي بالجزائر، وما جرى في تونس، ويجري حاليا في مصر، نشاطا غير مسبوق على شبكة الإنترنت بين مجموعات من الشباب تبنت مطلب التغيير. فقد نشأت تنظيمات كثيرة بعضها مجهول، أطلق على نفسه «شباب الانتفاضة»، وآخر معلوم يسمى «نداء من أجل انتقال سلمي إلى الديمقراطية بالجزائر»، أصحابه مثقفون جزائريون يعيشون بفرنسا. ودعت هذه الحالة أجهزة الأمن إلى التكثيف من تحقيقاتها بشأن هذه المجموعات، لمعرفة من يقف وراءها.

وأكثر ما يخيف السلطات هو أن تتبنى جهة خارجية هذه التحركات، لذلك أصدرت تعليمات إلى رؤساء البلديات وأعيان المناطق ولجان الأحياء الشعبية، تطالبهم بإقناع الشباب بعدم المشاركة في المسيرة. من جهة أخرى، توفي شاب عاطل عن العمل في الـ36 من العمر، بعد أن حاول إحراق نفسه في مدينة الوادي أقصى شرق الجزائر، قرب الحدود مع تونس، متأثرا بحروقه، حسب ما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية. وقالت أسرته إن لطفي معامير، وهو أب لستة أولاد، توفي الجمعة في قسم المصابين بحروق بالغة في مستشفى بالضاحية الجنوبية الشرقية للجزائر. وكان نقل إلى هذا المستشفى بعد أن أضرم النار في جسده في 17 يناير (كانون الثاني) الماضي في مقر المجلس الشعبي الولائي (مجلس المحافظة) بالوادي احتجاجا على البطالة وحرمانه من السكن. وهذه رابع وفاة نتيجة الإصابة بحروق في الجزائر منذ منتصف يناير الماضي. وسجلت ثماني محاولات انتحار حرقا في الجزائر منذ أن أشعل الشاب التونسي محمد البوعزيزي النار في نفسه، وهو الفتيل الذي فجر انتفاضة شعبية في تونس انتهت بسقوط الرئيس زين العابدين بن علي وفراره خارج البلاد.

وحصلت هذه المحاولات بعد عودة الهدوء إلى الجزائر التي شهدت بين السادس والتاسع من يناير الماضي اضطرابات احتجاجا على غلاء المعيشة، أوقعت خمسة قتلى وأكثر من 800 جريح.