الإسكندرية: مليونا متظاهر محتج يحتفلون بالنصر عقب إعلان خبر التنحي

الفرحة انفجرت في الشوارع.. وجمعت الغناء والأكروبات وتلقي العزاء في الشهداء

TT

انفجرت مدينة الإسكندرية بفرحة عارمة فور إعلان الرئيس مبارك تنحيه عن منصبه، وانطلقت آلاف السيارات لتطلق أصوات آلات التنبيه ورافعة أعلام مصر للتعبير عن السعادة الغامرة التي انتابت الجميع بتحقق أهم مطلب من مطالب الثورة، ألا وهو رحيل النظام الحاكم في مصر وعلى رأسه الرئيس محمد حسني مبارك.

وأصيب طريق الكورنيش بشلل مروري كامل جراء تكدس آلاف السيارات التي شاركت بالاحتفالات، وتحول المشهد الذي بدأ بنحو مليوني متظاهر من الاحتجاج إلى الفرحة العارمة.

وكان المتظاهرون، في أكبر تجمع تشهده المدينة في تاريخها كله، قد أعلنوا اعتصاما مفتوحا عقب صلاة الجمعة أمام مقر قصر رأس التين الرئاسي غرب المدينة.. وفور إعلان الرئيس عن تنحيه عن السلطة توجهوا إلى ميدان المنشية الشهير، الذي كان يحرص الرئيس الراحل جمال عبد الناصر على إلقاء خطبه منه.. وأكدوا إقامتهم سهرة احتفالية هي الأضخم في تاريخ المدينة بالميدان، حيث تطوع العشرات من المتظاهرين بإقامة فقرات فنية وترفيهية متنوعة بعد معاناة وكفاح ثوري داما ثمانية عشر يوما بدءا من يوم الخامس والعشرين من يناير (كانون الثاني) الماضي.

أحمد ممدوح، مدير فرقة «فريسكا» الغنائية، وأحد المشاركين في المظاهرات، الذي اعتقل يوم 27 يناير الماضي قبل أن تفرج عنه النيابة بعد يومين، قال لـ«الشرق الأوسط»: «لقد قررنا، أنا وأعضاء فرقتي جميعا، أن نقيم احتفالا ضخما في ميدان المنشية لنسعد الملايين من العظماء من أبناء هذا الشعب العظيم، الذين كانوا يخرجون من كل مكان ليستردوا حقوقهم المسلوبة في كل مكان وفي كل موقع في مصر».. وتركنا ممدوح وقد بدأ بالفعل في أداء أشهر الأغاني للشيخ إمام وسيد درويش من التراث الغنائي المصري وسط تمايل المتظاهرين طربا وتفاعلهم مع أغنياته وترديدها خلفه.

واللحظة السعيدة ولدت عرضا مسرحيا كتب خلال الدقائق التي تلت إعلان الخبر وتحلق حوله العشرات.. حيث كتب عدد من الشباب مشهدا فنيا يدور حول رجل متصلب الرأي، حاول الاستمرار في الحكم بعد انتهاء مدة ولايته.. إلا أن الشعب ثار عليه وتمكن من خلعه من منصبه بثورة سلمية هي الأولى من نوعها في تاريخ البلاد.. وقال محمد رمضان، أحد الشباب المشاركين في العرض: «سوف نحتفل بشكل متواصل في الشوارع لمدة 3 أيام بميدان المنشية وجميع الشوارع والميادين بهذه المناسبة التاريخية».

ورصدت «الشرق الأوسط» قيام عدد كبير من المتظاهرين بحمل سيدة مسنة على أكتافهم وهي تنشد بينما تجهش بالبكاء: «إذا الشعب يوما أراد الحياة.. فلا بد أن يستجيب القدر».. يتابعها بالترديد مئات الشباب. وبالاستفسار عن السيدة، اتضح أنها والدة أحد الشباب من المشاركين بالمظاهرات، وأنها تصر منذ اليوم الأول لاندلاع الاحتجاجات على المشاركة مع نجلها وأصدقائه في المظاهرات.

كما التقت «الشرق الأوسط» بسمير أحمد، والد الشهيدة أميرة التي سقطت برصاص الشرطة يوم 28 يناير الماضي، وقال الأب: «اليوم سأعلن أني سأتقبل العزاء في رحيل ابنتي الشهيدة أميرة.. أنا صعيدي، وكنت أقسمت أنني لن أتقبل العزاء إلا بعد الأخذ بالثأر.. واعتبرت تنحي مبارك بمثابة رد حق لابنتي ومئات الشهداء من أمثالها، وأن دمهم لم يذهب هباء».

وفي جانب من الاحتفالات التي عمت المدينة، رصدت «الشرق الأوسط» قيام عدد كبير من الشباب والفتيات بالاستماع إلى تلاوة لآيات من سورة «يوسف» بصوت الشيخ أحمد العجمي، مع إعادة الآية: «إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ».. وقالت أسماء السيد: «لا يوجد أجمل من القرآن الكريم وآياته التي تدل على أن النصر آت لا محالة، وأن علينا أن نصبر فقط لنحققه.. وهو بالضبط ما حدث وتجسد في ظل ثورة 25 يناير».

وفي ركن آخر شوهد عدد من الشباب يقومون بأداء الألعاب البهلوانية والأكروباتية، بينما يلتف الناس حولهم لتشجيعهم.. وقالت منى محمود، إحدى المتظاهرات المتابعات للعرض، وهي تضحك في سعادة: «لقد تعبنا جدا منذ يوم 25 يناير الماضي، ولقد آن الأوان لنضحك وتستريح أعصابنا بعد كل هذا المجهود».

وفي ركن ثالث، حمل المصريون طفلا صغير لا يتعدى السابعة من عمره يهتف قائلا: «الشعب خلاص أسقط النظام».. ويردد خلفه آلاف المتظاهرين.. بينما تقول رنوة أحمد، إحدى الفتيات المشاركات في الاحتفالية: «الآن فقط سوف أعود إلى المنزل لأقوم بالاستعداد للزفاف، الذي لم نشأ أنا وخطيبي تحديده إلا بعد انتهاء الثورة وتحقيق أهدافها.. وهو ما حدث اليوم».

وقال فتحي محمود، أحد قدامى المحاربين في حرب 1973، والمشارك في التظاهرات الاحتفالية التي أعقبت تنحي الرئيس مبارك عن الحكم: «أتوقع أن تقيم القوات المسلحة، التي تسلمت الحكم، العدل في البلاد بعد ظلم طويل تعرض له المصريون على يد النظام السابق»، وتابع: «الجيش من الناس، ويعاني أفراده ما يعانيه الشعب.. وهو المؤسسة الوحيدة التي لم تطلها يد الفساد التي طالت كل القطاعات في الدولة». وأضاف: «ولسوف يتولى الجيش تسيير شؤون البلاد حتى تسلم السلطة مرة أخرى للمدنيين بعد سن دستور جديد وإجراء انتخابات حرة وديمقراطية في البلاد. وبوصفي كنت منتميا للمؤسسة العسكرية، أؤكد أن الجيش ليس طالب سلطة أبدا، ولسوف يعود رجاله إلى ثكناتهم العسكرية فور الانتهاء من إجراءات المرحلة الانتقالية».