قطاع السياحة في مصر يدفع ثمن الأزمة السياسية

الأقصر «مدينة أشباح» بعد خلو فنادقها وبازاراتها من السياح

TT

البؤس هو الملمح المسيطر على كل مكان في منطقة أهرامات الجيزة، إحدى أهم المناطق السياحية في مصر. فعشرات الخيول تصطف إلى جوار أحد الجدران، تأكل التبن بهدوء واسترخاء. والجمال الصغيرة تتمرغ في التراب دون اكتراث بما يحيط بها. وفي المتاجر والمقاهي قليلة العدد التي ما زالت مفتوحة يطارد عمالها الذباب بعد أن اختفى الزبائن، في محاولة من جانبهم لقتل الوقت.

فقد أغلقت منطقة أهرامات الجيزة السياحية أبوابها أمام السائحين، منذ تفجر موجة الاحتجاجات الشعبية ضد الحكومة المصرية يوم 25 يناير (كانون الثاني) الماضي، ثم أعيد فتحها يوم الأربعاء الماضي. لكن من الصعب مشاهدة السائحين خلال الأيام الأولى لإعادة فتح المنطقة.

يقول محمد وهو مرشد سياحي ساعد مراسل وكالة الأنباء الألمانية في ركوب حصان: إن المراسل الصحافي ربما يكون ثاني زبون في ذلك اليوم. ويضيف محمد أنه شاهد في وقت سابق من صباح ذلك اليوم الشتوي المشمس سائحا بريطانيا يتجول في المنطقة. وكان هناك سائح أميركي في اليوم السابق. في اليوم نفسه تصاعدت حدة التوتر في الشارع المصري بعد أن خيب الرئيس المصري حسني مبارك الآمال عندما لم يتضمن خطابه الذي وجهه إلى الشعب مساء أول من أمس، قراره بالتنحي عن السلطة، كما يطالب المحتجون، واكتفائه بتفويض سلطاته إلى نائبه عمر سليمان حتى نهاية فترة رئاسته الحالية في سبتمبر (أيلول) المقبل. وهناك طريق جانبي يقود من إسطبل محمد إلى الأهرامات. وقد أبدى ضابط شرطة السياحة سعادته بمشاهدة سائح يندر وجوده في المنطقة في هذه الأيام. وتبدو المنطقة خالية تماما من الزائرين بالفعل. كما أن ساحة انتظار الحافلات السياحية خالية تماما هي الأخرى. وقبل الوصول إلى الأهرامات ألقت بعض السحب ظلالها على الأهرامات إحدى عجائب الدنيا السبع. وفي هذا المكان وعلى مرمى البصر يظهر جمل وعلى ظهره سائح.

وكان هناك بالفعل 3 سيدات يابانيات تركبن الخيول، وهناك 3 شباب خليجيين. وبشكل عام فإن عدد السائحين الموجودين في المكان قليل جدا، مقارنة بالمكان شديد الاتساع.

يقول المرشد السياحي محمد، 30 عاما, إن لديه طفلين وخبرة 20 عاما في العمل بالسياحة، ويحاول دائما أن ينظر إلى الجانب المضيء من الصورة، فهل ترى أنه مع إعادة فتح المنطقة السياحية أول من أمس ووصول سائحين، حتى لو كان عددهم قليلا هو أمر مبشر؟ إنني أدعو الله أن يعودوا جميعا. وكانت المظاهرات المناوئة للحكومة المصرية قد بدأت أواخر يناير الماضي. وألحقت الاضطرابات المتزايدة أضرارا كبيرة بقطاع السياحة في مصر. فقد غادر أكثر من مليون سائح مصر خلال الأيام الماضية. كما غادر مصر كل السائحين الألمان الذين كانون موجودين في مصر تقريبا وعددهم 35 ألف سائح، ولم يأت سائحون جدد ليحلوا محلهم. وقد رفعت أغلب شركات السياحة الكبرى مصر من جدول برامجها السياحية. وتمثل هذه الأزمة ضربة قوية للاقتصاد المصري بشكل عام، حيث تقدر عائدات قطاع السياحة بنحو 14.7 مليار دولار، تمثل نحو 11 في المائة من إجمالي الناتج المحلي للاقتصاد المصري، وتوفر نحو 10 في المائة من إجمالي الوظائف في مصر. وقد بدأت شركات السياحة المحلية في مصر تسريح العمالة، وهو تطور خطير في بلد يصل فيه معدل البطالة بين السكان الذين تقل أعمارهم عن 25 عاما إلى 34 في المائة، وفقا لبعض التقديرات. ومهما تكن التطورات السياسية التي تجرى في البلاد، فإن الحقيقة المؤكدة هي أن قطاع السياحة قد تضرر بشدة وسيحتاج إلى بعض الوقت لكي يتعافى من أزمته بعد أن تصل الأزمة السياسية إلى نهايتها، إن عاجلا أو آجلا. وفي الأقصر (مصر) كان الاستمتاع بتأمل معبد الأقصر في هدوء وتصوير أعمدة الكرنك دون ازدحام أو تدافع حلما أصبح حقيقة بالنسبة للقلة القليلة من السياح الموجودين في هذه المواقع الأثرية الفرعونية الفريدة منذ بداية الحركة الاحتجاجية في مصر لكنه كابوس للتجار وباعة التذكارات الذين حرموا من زبائنهم. فقد أصبحت الأقصر مدينة خاوية بعد خلو فنادقها وبازاراتها من السياح وتعطل مرشديها عن العمل. ويقول موسى إبراهيم أمام مدخل معبد الأقصر وأمامه حارس يغفو على مقعده: «عادة هذا الموقف يكون ممتلئا على آخره بالحافلات السياحية». ويقول هذا المرشد السياحي، آسفا: «اقتصاديا الوضع خطير جدا. شركات السياحة لا تعمل ولا أحد يبيع شيئا». ويضيف وهو ينفث دخان سيجارة من نوع «كليوباترا»: «لنأمل أن يرحل الرئيس وأن يعود السياح». وفي هذا الوقت الذي يعد ذروة الموسم السياحي, تكون فنادق الأقصر عادة كاملة العدد، لكن الثورة الشعبية على النظام وأعمال العنف في الكثير من أنحاء البلاد دفعت السياح الذين كانوا موجودين إلى الفرار والآخرين إلى إلغاء سفرهم، ليخلو مطار المدينة من أي طائرة تشارتر. وعلى ضفاف النيل تصطف على الرصيف العشرات من السفن السياحية الخالية. ويتذكر موسى أن الأقصر لم تكن في هذه الحال منذ 1997، بعد مقتل نحو 60 سائحا في هجوم شنته مجموعة إسلامية مسلحة قرب معبد حتشبسوت في البر الغربي للمدينة، الذي تطلب الخروج منه «بضعة أشهر». لكن أسرة الأميركية ماري جو ولسزون تشعر بالسعادة لوجودها وحدها بين أطلال المعبد مع بضعة سياح مصريين. وتقول السائحة القادمة من مينيسوتا لزيارة ابنتها المقيمة في القاهرة مع زوجها: «إنه أفضل وقت لزيارة هذا المكان». وتضيف «لم أشعر بالخوف» في العاصمة على الرغم من المظاهرات الحاشدة. أما في الأقصر «الأمر رائع. نحن النزلاء الوحيدين في الفندق»، في حين وقف أحفادها يتأملون ما على الأعمدة من كتابات هيروغليفية.

وفي البازار الواقع على بعد نحو نصف الكيلومتر ينصرف أصحاب المحلات إلى لعب الطاولة في انتظار الفرج. وقد امتلأت رفوف محلاتهم بالتذكارات من أهرام بللورية وأوراق بردي وغيرها من العاديات التي تحمل رسوما فرعونية. لكن على امتداد الطريق الضيق الذي تفوح منه روائح البهارات، لا يوجد سائح واحد. ويقول باسكال مهيود أمام حانوته للتذكارات: «إنني على استعداد لتخفيض أسعاري كثيرا. منذ 15 يوما وأنا لا أعمل، الأمر أصبح صعبا».

«ما يقومون به الآن هو من أجل أبنائنا»، مشيرا إلى المتظاهرين في ميدان التحرير في القاهرة الذي أصبح معقلا لحركة الاحتجاج, مضيفا «لكننا هنا لا نستطيع أن نتظاهر، فهذا يدفع السياح إلى الفرار». وعلى الطريق المؤدي إلى معبد الكرنك, الذي يعد من أشهر المواقع الأثرية الفرعونية, تقف دبابة للجيش. وقد شهدت الأقصر مظاهرات معادية للحكومة شارك فيها مئات الأشخاص دون أن تتخللها أي أعمال عنف، وفقا لشهود. والزجاج المحطم للمكتبة العامة التي ترعاها سوزان مبارك زوجة الرئيس، هو الشاهد الوحيد على غضب أبناء الأقصر على النظام. وعند مدخل معبد الكرنك يقفز بائع التذاكر فرحا لوصول زائر. ويقول: «لم أبع سوى 40 تذكرة اليوم». وعند أقدام مسلة شاهقة يقف مايكل مولر، 41 عاما، وزوجته ليزا، 25 عاما، يستمتعان بهدوء المكان الذي يختنق ازدحاما في العادة. وهذان السائحان السويسريان اللذان قدما إلى مصر في نهاية يناير الماضي، واللذان يقولان إنهما من «الناشطين السياسيين» يبدوان أكثر تحمسا وإعجابا بقضية المحتجين من إعجابهما بروعة المكان. وقالت ليزا: «كنا أول فبراير (شباط) في الغردقة (على البحر الأحمر) وعدنا إلى القاهرة لرؤية ما يحدث في ميدان التحرير»، على الرغم من أن «والدتي تريدني أن أغادر البلاد».