العراق يساعد لاجئيه في مصر على العودة وكثيرون منهم لن يبقوا

بعض العائدين ينتظرون تحسن الأوضاع ليعودوا إلى القاهرة

TT

في ظل الاضطرابات التي تشهدها مصر، يستغل العراق اللحظة بتبني خطاب جريء موجه لآلاف من العراقيين في الخارج يدعوهم إلى العودة إلى الوطن المستقر مقارنة بمصر. وتقدم الحكومة العراقية تذاكر طيران مجانية و250 دولارا لكل شخص لتسهيل عودة العراقيين المقيمين في مصر واليمن في محاولة وصفها مسؤول بوزارة الخارجية بـ«المثيرة للإعجاب».

وقال هذا المسؤول، الذي رفض الكشف عن هويته لأنه غير مخول بالتحدث عن الخطة العراقية، إن المحاولة التي تشبه هذه هي تقديم منحة أقل للاجئين العراقيين في سورية والأردن العام الماضي.

بدوره، قال سلمان الخفاجي، نائب وزير الهجرة والمهجرين، الذي وصف الانتفاضة التي تشهدها مصر بتطور «إيجابي» محتمل بالنسبة إلى العراق، «إنهم أهلنا. نريد أن نرى كل تلك العائلات في بغداد». وقد عاد نحو 2250 من 28 ألف لاجئ عراقي يقيمون في مصر على متن طائرات وفرتها الحكومة على حد قول الخفاجي. وأضاف الخفاجي أن العراق كان يستعد لمساعدة نحو 10 آلاف عراقي في اليمن على العودة إلى الوطن. وليس من الواضح ما إذا كانت هناك فرصة لنجاح هذه الجهود والمحاولات، فقد رحل الكثير من اللاجئين منذ سنوات واستأجروا شققا ووجدوا وظائف وبدأوا حياة جديدة. وقال بعض ممن عادوا إلى العراق إنهم كانوا يستفيدون من العرض فقط لزيارة أقاربهم لبضعة أسابيع. وقال هيثم عبد الواحد، وهو أستاذ هندسة يبلغ من العمر 46 عاما رحل إلى مصر مع أسرته عام 2006 وعاد إلى بغداد منذ عشرة أيام «إن حياتنا مستقرة. أتمنى أن أعيش هنا لكنه أمر صعب جدا». وقال وحيد إنه غادر العراق بعد نجاته من تفجيرين بعبوات ناسفة وإطلاق نار. ولوحيد أصدقاء في مصر واستطاع الحصول على وظيفة معلم وسجل أبناءه الثلاثة في مدرسة وقال إن الحياة في مصر أقل تكلفة من بغداد. وأضاف: «سأعود بالطبع»، مشيرا إلى مصر. وقال آخرون إنهم تنفسوا الصعداء بعد مغادرتهم مصر، لكنهم يعتزمون الإقامة في بغداد فقط حتى تعود الأمور إلى طبيعتها في مصر رغم أنه من غير الواضح متى يحدث ذلك.

وأشارت مونيكا دافي، وهي أستاذ مشارك في مركز «بيلفار» للعلوم والشؤون الخارجية التابع لكلية جون كنيدي للحكم بجامعة هارفارد، إلى أن العرض الذي قدمته الحكومة العراقية نادر مقارنة بدول أخرى فقدت نسبة كبيرة من سكانها. وقالت: «إنها إشارة توضح نضج الحكومة العراقية واستعدادها لعودة المواطنين العراقيين». كذلك قالت إن اللاجئين قرروا العودة إلى الوطن فقط بعد أن أخبرهم أهلهم وأصدقاؤهم بأن الوضع آمن وبالتالي عادوا دون الحصول على مساعدة من الحكومة.

وقال الخفاجي إن العراق يسعى لتشجيع الأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعات وفئات أخرى تنتمي إلى الطبقة المتوسطة والراقية على العودة إلى الوطن. وأوضح قائلا: «هذه الدول وفرت لهم ملاذا آمنا عندما كان العراق يشهد أعمال عنف. لا يمكننا أن ننسى ما فعلته هذه البلاد وما قدمته للعراقيين ونحن نشكرهم على ذلك. لكن علينا أن نتطلع إلى عودتهم».

لكن بعض العراقيين قالوا إن عودتهم إلى العراق بعد سنوات طويلة كان حزينا وصعبا، فهاجس التفجيرات الانتحارية والخطف وما يصحبها من عدم استقرار واضطرابات ومعاناة اقتصادية، والذي أدى إلى مغادرتهم البلاد أصلا، ما زال قائما. وقالوا كذلك إنهم ما زالوا يتلفتون يمنة ويسرة عند خروجهم من المنزل ويثبط الاختناق المروري وانقطاع التيار الكهربائي وتراكم أكوام القمامة والجدران الكونكريتية الأمنية في بغداد همتهم. ويسلط الإحباط الذي يشعرون به وتوقهم إلى مغادرة بغداد في أقرب وقت ممكن الضوء على صراع الحكومة العراقية من أجل إثناء اللاجئين الذي يقدر عددهم بمائة ألف ممن عادوا إلى العراق عن مغادرتها مرة أخرى.

وطبقا لاستطلاع أجرته الأمم المتحدة، فإن أكثر من 60 في المائة من الذين عادوا إلى بغداد قالوا إنهم يندمون على هذا القرار. وأضافوا أنهم شعروا بعدم الأمان ولا يستطيعون العثور على فرصة عمل. وعبر الكثيرون عن رغبتهم في مغادرة البلاد. وقال لواء حسين وهو يتابع في التلفزيون الأحداث في ميدان التحرير بالقاهرة «لقد كنا سعداء في القاهرة. فالأطفال كانوا في المدرسة وكان كل شيء يسير على ما يرام. لكنني أشعر بالخوف هنا». وأضاف أنه وزوجته وأبناءه الثلاثة سافروا إلى مصر في أكتوبر (تشرين الأول) وقدموا طلبات لجوء سياسي بعد تلقيهم رسائل نصية تهديدية. لكنهم قرروا مغادرة شقتهم الجديدة في إحدى ضواحي القاهرة بسبب الاحتجاجات وأعمال العنف والنهب.

لكن بيكا هيلر، مديرة مشروع مساعدة اللاجئين العراقيين بمركز «العدالة العمرانية» في نيويورك، قالت إن العودة إلى العراق حتى وإن كانت مؤقتة قد تهدد أي طلب للجوء السياسي. وأضافت: «من الناحية التقنية ينص القانون على أنه عند العودة إلى وطنك الأم طوعا فإنك تنهي وضعك كلاجئ». لكنها أشارت إلى إمكانية منح استثناءات إنسانية.

وقالت زمان سعد فاضل، البالغة من العمر 26 عاما والتي عادت الجمعة بعد نحو خمس سنوات، إنها أمام خيارين أحلاهما مر. وشكت من أنه ليس أمامها فرص عمل في بغداد وتخشى التفجيرات لكنها كذلك تشعر بقلق من أن تغرق مصر في الفوضى في أية لحظة. وأضافت «لم أكن أريد العودة إلى العراق. لقد دمر بالكامل. إنها كارثة، لكن قد أبقى هنا».

* خدمة: «نيويورك تايمز»