«مادوف مصغر» يخضع للتحقيق من قبل البورصة الأميركية بتهمة الاحتيال

جمع 33 مليون دولار من مستثمرين وخسر نصفها

TT

تضمنت الأصول الشخصية لمونرو إل بيتشي (77 عاما)، من طائفة أميش، حصانا وعربة يجرها جواد وعدة الفرس. وطبقا لما أعلنته «لجنة الأوراق المالية والبورصة»، فإن مهاراته شملت الاحتيال المالي. وقضى بيتشي قرابة ربع قرن في جمع 33 مليون دولار من أكثر من 2600 مستثمر، تنتمي الغالبية العظمى منهم إلى إخوان له من طائفة أميش، التي غالبا ما ترفض أسباب الراحة الحديثة مثل السيارات. إلا أن هناك ادعاءات بأن النهج الاستثماري الذي اتبعه بيتشي كان أكثر شبها بأساليب الاحتيال التي اتبعها تشارلز بونزي وبيرنارد مادوف عن نمط الحياة السائد بقرية شوغاركريك في أوهايو، حيث يعيش بيتشي. وعندما وجهت إليه «لجنة الأوراق المالية والبورصة» تهمة الاحتيال، الثلاثاء، ذكرت أنه خسر نحو نصف أموال مستثمريه.

وخلال محادثة هاتفية معه، الأربعاء، رفض بيتشي التعليق تفصيليا على الاتهامات، مكتفيا بالقول إن «المحامي الخاص بي نصحني بعدم مناقشة هذا الأمر مع أي شخص». وبعد إلحاح، أضاف «بالطبع لم يكن ما حدث متعمدا». أما المحامي الموكل عن بيتشي فلم يجب على اتصالاتنا الهاتفية. وطبقا لـ«لجنة الأوراق المالية والبورصة»، فإن بيتشي بدأ في جمع الأموال في وقت مبكر، تحديدا عام 1986. وحرص على طمأنة المستثمرين بأنهم يجنون أموالا من وراء أوراق مالية آمنة تخص الحكومة الأميركية، في الوقت الذي عمد فيه لإغرائهم بإمدادهم بعائدات أكبر من تلك التي قد يوفرها إليهم أي مصرف آخر. وعلى غرار مخطط الاحتيال الشهير الذي دبره مادوف، أصدر بيتشي بيانات دورية للمستثمرين تشير لأموال من المفترض أنها متوافرة، بينها فوائد متراكمة، طبقا لوثيقة معروضة أمام المحكمة. ونجح بيتشي في اكتساب قدر بالغ من الثقة على مختلف المستويات لدرجة أن الآباء والأمهات شجعوا أبناءهم على الاستثمار لديه، أيضا. ومن بين الجهات المستثمرة لديه مدارس وكنيسة.

بمرور الوقت، أصبح بيتشي أشبه بخازن لـ«صندوق مساعدة أميش»، وهي منظمة لا تهدف للربح تتلقى أموالا من مستثمرين وتقدم قروضا بالمجال العقاري «سعيا للحفاظ على أسلوب الحياة المميز للأميش»، حسبما ذكرت المنظمة في وثيقة قدمتها للمحكمة. ووجه بيتشي بعض المال إلى الصندوق الذي ائتمنه مسؤولوه على مبلغ أكبر بلغ 2.6 مليون دولار.

لكن الأمر برمته انهار منتصف العام الماضي عندما تقدم بيتشي بطلب لإشهار إفلاسه. واتضح حينها أنه كان يدير مخططا للاحتيال، حسبما ادعى قيم معني بإجراء الإفلاس، وأنه وجه الأموال نحو استثمارات تقوم على المضاربة مثل الأسهم وصناديق الاستثمار والسندات مرتفعة المخاطر. ورغم أن بيتشي في يوليو (تموز) 1998، أصبح مفلسا، فإنه استمر في جمع استثمارات من مستثمرين جدد لسداد مستحقات المستثمرين الأقدم، حسبما ذكر القيم. ورغم تجنب الكثير من أبناء طائفة أميش للتقنيات الحديثة، فقد انتهى الحال ببعض الأموال التي جمعها بيتشي في شركات عاملة بمجال الإنترنت والتي انهارت عام 2000. وفي الشهادة التي تقدم بها لإشهار إفلاسه، قال بيتشي إنه عندما يراجع الأحداث الماضية يتضح له أنه ربما «كان عليه التوقف آنذاك». وأضاف أن سمسارا هو الذي وجه استثمارات بمجال شركات الإنترنت من دون استئذانه، رغم أنه استمر في التعامل مع هذا السمسار لاحقا.

وفي خضم محاولته إعادة رسم صورة ما حدث، قال القيم إنه اتضح أن سجلات بيتشي تعرضت «للتشويه جراء إزالة أو تدمير أجزاء منفصلة من السجلات التي يعود تاريخها إلى وقت الإفلاس الأولي تقريبا». وعندما علم أفراد طائفة أميش بأمر بيتشي «أصيب الجميع بحالة من الصدمة الشديدة والفزع»، نظرا لتناقض هذا الحدث مع تقاليد أميش، حسبما أفاد إميري إي ميلر (51 عاما)، الذي يعمل بمجال تجارة الألبان والدجاج وأحد المستثمرين لدى بيتشي. ومن خلال حديث ميلر اتضح أن قلقه ليس منصبا على خسارته المال أو خيانة بيتشي لأبناء طائفته، وإنما على الصورة التي سيبدو عليها «المجتمع النقي»، مثلما يطلق الأميش على أنفسهم، أمام الآخرين. وتحسر من أن «الكنيسة فشلت في إدراك حقيقة ما كان يجري». وأضاف ميلر «لم أتضرر بسبب خسارة المال، وإنما بسبب أن صورتنا كمجتمع كنسي تشوهت». وبالنسبة لبعض المستثمرين، خلقت عملية الاحتيال التي نفذها بيتشي مصاعب كبيرة. مثلا، بعثت أرملة تبلغ من العمر 76 عاما من بليزنتفيل في تينيسي بخطاب مكتوب بخط اليد إلى لجنة خاصة من دائني أميش، أشارت فيه إلى أنها عملت بجد لكسب العيش من دون الحصول على أي أموال من الحكومة. وقال «لقد وضعت كل ما نجحت في ادخاره لدى مصرف مونرو بيتشي للأميش». واستجاب أعضاء من الأميش بتقديم تبرعات للضحايا، وأعربت الأرملة التي قالت إنها استثمرت 4327.80 دولار لدى بيتشي، عن شكرها لهدية «كنت بحاجة ماسة إليها».

وفي رسالة أخرى مكتوبة بخط اليد، أخبر مستثمر من بالتيك في أوهايو مجموعة الدائنين بأن يستغلوا الأموال المتبقية بحسابه «لصالح الأفراد الذين بحاجة ماسة للمال». ونبعت الكثير من مشاعر المرارة السائدة داخل شوغاركريك بسبب الفضيحة من نقل بيتشي القضية إلى محكمة الإفلاس، على النقيض مما تفرضه التعاليم الدينية من ضرورة تسوية الخلافات داخل إطار الطائفة. وعبر خطابات كثيرة، طلب المستثمرون من المحكمة السماح لهم بالتعامل مع قضية ديون بيتشي بطريقتهم الخاصة لأن «المشاركة كدائنين أمر ممقوت بالنسبة للمبادئ الروحانية التي يؤمنون بها بعمق».

وأكدت لجنة الدائنين، التي من بين قادتها ميلر، تاجر الألبان، أن إجبارها على السعي لاستعادة حقوقهم من خلال المحكمة يشكل انتهاكا للحرية الدينية. وفي المقابل، أكد المسؤولون المعنيون بقضايا الإفلاس أن نقل سلطات المحكمة إلى القيادات الكنسية الأميشية يتنافى من الدستور، مشيرين إلى أن بعض المستثمرين الذين ينتمون إلى 29 ولاية ليسوا من أبناء أميش. من جهتها، سمحت «لجنة الأوراق المالية والبورصة» لبيتشي بتسوية الشكوى التي تقدمت بها من دون الاعتراف بـ أو نفي المزاعم، ومن دون دفع غرامة. وأشارت اللجنة إلى أن هذا القرار جاء اعتمادا على وضعه المالي.

وفي نشرة جرى توزيعها على المستثمرين العام الماضي، قالت لجنة دائني أميش إن «أبناء المجتمع النقي يحبون ويثقون في بعضهم بعضا في جميع علاقاتهم، من دون الخوف أو الشك الذي يبديه آخرون لحماية أنفسهم من التعرض للاستغلال، المالي أو غيره». وإذا ما اتضحت صحة ادعاءات «لجنة الأوراق المالية والبورصة»، فإن هذا الاعتقاد قطعا هو ما كان يعول عليه بيتشي.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»