اقتصاديون سعوديون: مجموعة الـ20 مطالبة بالشفافية والتركيز على تحقيق أعمدة الاستقرار

قبيل اجتماع وزراء مالية المجموعة في باريس اليوم

TT

شدد مسؤولون وخبراء اقتصاديون سعوديون على أهمية الشفافية في مناقشات اجتماعات وزراء المالية في دول مجموعة الـ20 التي تلتئم اليوم في العاصمة الفرنسية باريس، خصوصا فيما يتعلق بشبكات الأمان المالي العالمي، إلى جانب الأخذ بعين الاعتبار الأربعة أعمدة التي يقوم عليها مربع الاستقرار في المجتمعات وهي التعليم والصحة والوظائف والسكن، إضافة إلى تحقيق أسس التنمية المستدامة خصوصا في الدول الأكثر فقرا.

ويأتي اجتماع وزراء المالية في دول مجموعة الـ20 بمشاركة محافظي البنوك المركزية، اليوم في باريس، في إطار التحضيرات الجارية لقمة مجموعة الـ20 التي ستعقد في فرنسا في وقت لاحق من العام الحالي.

ويتضمن جدول أعمال اجتماعات اليوم الذي يرأس وفد السعودية إليه الدكتور إبراهيم العساف وزير المالية، يصاحبه الدكتور محمد الجاسر محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي وعدد من مسؤولي الوزارة والمؤسسة، استعراض مستجدات الاقتصاد العالمي وإصلاح النظام المالي العالمي، ومبادرة إطار النمو المتوازن والمستدام التي تتم مناقشتها حاليا بين دول المجموعة، إضافة إلى عدد من القضايا الأخرى، منها إعانات الطاقة وشبكات الأمان المالي العالمي والسلع الأساسية وتمويل التغير المناخي وقضايا التنمية.

كريستين لاغارد وزيرة الاقتصاد الفرنسية قالت إن وزراء مالية مجموعة الـ20 سيحققون إنجازا مهما إذا توصلوا إلى اتفاق مبدئي بباريس في نهاية الأسبوع بشأن الإجراءات التي ينبغي استخدامها لقياس الاختلالات الكبيرة في الاقتصاد العالمي.

وذكرت كريستين لاغارد التي تستضيف اجتماعا لوزراء المالية في باريس اليوم وغدا، أن اختلالات الاقتصاد العالمي تراجعت إلى حد ما خلال حالة الركود الكبيرة في السنوات الأخيرة لكنها تتنافى مجددا مع انتعاش الاقتصاد.

وأضافت خلال مقابلة مع إذاعة «فرانس انفو»: «لا يمكن أن يستمر هذا لفترة أطول من اللازم لأنه يسبب اختلالات كبيرة، وحين تحدث اختلالات كبيرة فإن النظام ينهار غالبا».

وأوضحت أن الصورة الكبيرة للاختلالات هي عالم فيه الصين تدخر وتصدر وأوروبا تستهلك والولايات المتحدة تقترض وتستهلك، وهو ما يستوجب أن تبذل مجموعة الـ20 جهودا لضمان التوازن.

وقالت في إشارة إلى الاجتماع الذي يعقد في فرنسا التي تتولى هذا العام رئاسة مجموعة الـ20 التي تشكل معا نحو 85 في المائة من الناتج العالمي «سنكون قد اتخذنا خطوة كبيرة للأمام إذا توصلنا إلى اتفاق من حيث المبدأ بشأن العناصر التي تتيح لنا قياس الاختلالات».

أمام ذلك قال الدكتور عبد الله العبد القادر رئيس اللجنة المالية بمجلس الشورى السعودي، لـ«الشرق الأوسط» إن اجتماعات وزراء المالية في دول مجموعة الـ20 اليوم، لا بد أن تركز على الأربعة أعمدة التي يقوم عليها مربع الاستقرار في المجتمعات وهي التعليم والصحة والوظائف والسكن، مؤكدا أنه دون دعائم قوية وسياسات اقتصادية قوية تدعم هذا المربع فلن يكون هناك جدوى لأي مناقشات أو أي قرار إن لم يكن يصب في مصلحة المواطن في جميع دول العالم.

وأضاف الدكتور عبد الله العبد القادر أن دول مجموعة الـ20 التي تمثل نحو 85 في المائة من قوة الاقتصاد العالمي، لا يمثل سكانها النسبة الأكبر من سكان العالم، في حين تتطلع دول العالم أجمع إلى اجتماعات دول المجموعة، وهو ما يفرض مسؤولية جسيمة على هذه الدول لقيادة العالم نحو توفير سكن لائق ونظم تعليم جيدة تؤدي إلى رعاية صحية تضمن سلامة صحة المواطن، إلى جانب توافر السكن والخدمات.

وفي هذا السياق أكد فضل البوعينين الخبير الاقتصادي السعودي، أن تحقيق أسس التنمية المستدامة يعد أمرا واسعا يحتاج إلى جهود كبيرة وإلى برامج تنموية داعمة خاصة في الدول الأكثر فقرا.

وزاد البوعينين أن دولة قوية مثل السعودية لا تستغني عن برامج التنمية المستدامة التي يمكن للدول الغربية أن تساهم فيها، وعلى الرغم من أن السعودية تمتلك الأموال والسيولة الكافية فإن البرامج التنموية هي في الأساس «فكر» وليست مالا، لذلك فهي تحتاج إلى مثل هذه الأفكار التنموية من قبل الدول الصناعية الكبرى.

وأوضح البوعينين أن التنمية المستدامة لا تعني المال بقدر ما تعني الفكر والبرامج التنموية التي تساعد على تحقيق التنمية المستدامة، وأن هذا الجانب يعتريه قصور كبير من الدول القادرة وهي الدول الغربية على وجه الخصوص، الأمر الذي يتطلب وضع سياسات وأنظمة تكفل تبادل الخبرات والبرامج التنموية بين دول العالم.

وفيما يتعلق بشبكات الأمان العالمي التي من المقترح مناقشتها اليوم خلال اجتماع وزراء المالية في دول مجموعة الـ20، أكد البوعينين أنها تشكل أهم محاور النقاش، فيما لو تمت مناقشتها بشفافية وتم تقبل الاقتراحات التي في الغالب ما تصدر عن وزراء المالية، في حين أن رؤساء البنوك المركزية يكونون معنيين أكثر بالرقابة المصرفية والرقابة المالية.

وهنا يرى البوعينين أن الرقابة تعد أساس السلامة، وقال إن لم تتحقق الرقابة بشكلها المتكامل، فستحدث مشكلة الأزمات المالية من جديد، معلقا على ذلك بما حدث بعد الأزمة المالية العالمية عندما دخل العالم في أزمة الديون السيادية، حيث لم يكن هنالك رقابة مباشرة على الديون السيادية باعتبار أنها متعلقة بالسندات والصكوك، ولا علاقة لها بالمصرفية.

وقال البوعينين إن تحقيق شبكة أمان عالمي يشكل أحد الأسس التي ستساعد العالم على الحماية من أي أزمات مالية مستقبلية، حيث إن العمل على ذلك بشفافية مطلقة سيقتضي الوصول إلى مرحلة تمكن الأنظمة المالية من إطلاق إنذار مبكر ضد الأزمات وسرعة معالجتها، مشددا على أن الوصول إلى هذه المرحلة يحتاج إلى الشفافية.

ويتفق الدكتور عبد الله العبد القادر عضو مجلس الشورى السعودي، مع ما ذهب إليه البوعينين، مضيفا أن شبكة الأمان المالي العالمي تتكون من عدة جوانب، أهمها ما يتمثل في ربط النمو بحاجة السكان والتقليل من التقلبات المفاجأة والسريعة في الاقتصادات ووضع حد لحرب العملات، وكذلك المضاربات الضارة التي لا تبنى على جدوى اقتصادية.

وقال العبد القادر إنه عند النظر إلى جميع الجوانب ضمن منظومة كاملة للتعاون المالي والاقتصادي بين أعضاء مجموعة الـ20، ويتم تبنيها من قبل المؤسسات المالية العالمية من البنك الدولي إلى مؤسسات التنمية في تلك الدول، ستضمن مردودا جيدا على اقتصادات هذه الدول وبالتالي على اقتصادات العالم ككل.

وعن الرقابة المالية أسهب فضل البوعينين خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»، حيث قال إن الأزمة الاقتصادية العالمية حدثت بسبب ضعف الرقابة على القطاع المالي بشكل عام، والبنوك الاستثمارية بشكل خاص، حيث تسببت في إطلاق شرارة الأزمة، الأمر الذي يفرض على وزراء مالية دول الـ20 التركيز على زيادة الرقابة في القطاع المالي وأيضا العمق في إجراءات الإصلاحات ذات العلاقة بالشأن المالي بشكل عام.

وقال البوعينين إن «قواعد بازل 3» أضافت مزيدا من التنظيمات التي يمكن من خلالها ضبط المنشآت المالية بشكل عام، إلا أن ذلك لا يمكن الوثوق به ما لم يتم تفعيل هذه الأنظمة وتفعيل الأنظمة السابقة وزيادة الرقابة على القطاعات المصرفية بشكل خاص وزيادة الشفافية التي يمكن أن تساعد في اكتشاف الأزمات قبل حدوثها.

وزاد الخبير الاقتصادي السعودي أن زيادة القوانين والأنظمة المتعلقة بضبط حركة القطاعات المصرفية قد تكون في الوقت الحالي ثقيلة على القطاعات التي تعاني من خسائر تحتاج إلى إزاحتها بتحقيق نمو في أرباحها، وهذا النمو لا يمكن تحقيقه مع القيود الإضافية التي توضع على هذه القطاعات، ولكن يجب الاعتراف بأن هذه القيود وضعت لحماية القطاعات المصرفية والمنشآت المالية وحماية الاقتصاد العالمي.

وتتلخص التعديلات التي أطلق عليها «قواعد بازل 3» في التالي: إجبار المصارف على زيادة الأموال التي تخصصها (كبند احتياطي) لسد الثغرات المالية، في حال حدوث أزمة أو شح في النقد، مثلما حدث في أزمة الائتمان الأخيرة، وعادة ما يحدث هذا الشح بسبب الديون الهالكة أو الديون المعدومة، وهي الديون التي يفشل أصحابها في سدادها للبنوك، ومن ثم يتحمل البنك خسائرها.

وذهب فضل البوعينين خلال حديثه إلى أن الإعانات الدولية للدول المتضررة والدول الفقيرة، تعتبر أمرا لا بد أن يحدث، وخاصة أن كثيرا من الدول الفقيرة لا تستطيع مواجهة متطلبات المعيشة من خلال شراء المنتجات النفطية لتوافر الطاقة لمواطنيها، ولذلك يجب أن يكون هناك دعم مباشر في هذه الدول الفقيرة إلا أن ذلك الدعم يجب ألا تتحمله دول بعينها بل يحسب بواقع الناتج المحلي الإجمالي، مضيفا أنه من المفترض أن تكون مساهمات الدول الصناعية الكبرى أكبر بكثير مما تساهم فيه باقي الدول وإن كانت دولا نفطية.

وأوضح البوعينين الخبير الاقتصادي، أن الدول الفقيرة تشتكي من غلاء المعيشة وارتفاع أسعار السلع الأساسية التي تواجه بسياسات مختلفة من قبل البعض في بعض الأحيان، إذ إنه وفي الوقت الذي تحتاج فيه دول فقيرة حول العالم على سبيل المثال إلى المحاصيل الزراعية مثل القمح والذرة، تقوم دول زراعية كبرى باستغلال مثل هذه المنتجات الغذائية كبدائل للطاقة، وهذا ضد ما وجدت له هذه المواد الغذائية، فبدائل الطاقة إذا كان هناك من بدائل لا بد أن تكون من خارج سلة الغذاء، إلى البدائل الأخرى كطاقة الرياح مثلا والطاقة الشمسية.

وشدد البوعينين في هذه النقطة بالتحديد على أهمية عدم استغلال مثل هذه المنتجات الزراعية لإشباع غرور الدول الغربية لإيجاد بدائل للطاقة في الوقت الذي تعاني فيه بعض شعوب العالم من الجوع بسبب نقص الغذاء.

وفي سياق آخر حول الضرائب التي توضع على المنتجين وعلى النفط الذي يعتبر مصدر الطاقة الرئيسي لمصانع الإنتاج، قال البوعينين إن أي ضرائب توضع على هذه المادة يعني ارتفاع تكلفة الإنتاج ويعني ارتفاع تكلفة الغذاء، مشيرا إلى طلب إيجاد حلول مباشرة، لذلك يجب العودة من جديد إلى مدخلات الإنتاج ومحاولة إبعاد ما يضخمها في الأساس.

وهنا قال البوعينين إنه لن يكون هنالك دعم لنمو الاقتصاد العالمي بمعزل عن أسواق النفط، والسعودية تعمل عملا كبيرا لاستقرار أسواق النفط، إن كان في قطاع الإنتاج أو في أسواق النفط العالمية، وبذلك تكون السعودية هي صمام الأمان في قطاع النفط الذي يتحكم في مستوى نمو الاقتصاد العالمي، مشيرا إلى أن السعودية تتحمل مئات المليارات من الدولارات من أجل تطوير قطاع الإنتاج والاحتفاظ بطاقة إنتاجية فائضة، غير أنها في بعض الأحيان تتحمل فوق طاقتها، لتتوصل إلى تحقيق توازن في أسعار النفط العالمية كي لا يتضرر الاقتصاد العالمي.

وأضاف البوعينين، الخبير الاقتصادي السعودي، أن ضبط الأسعار بهذه الطريقة يعني انخفاضا في دخل السعودية، ومع ذلك فهي تقوم بهذا من أجل دعم نمو الاقتصاد العالمي، ولكن في المقابل لا يوجد شفافية من قبل الدول المستهلكة للنفط، وبذلك يكون هذا الاستثمار غير مضمون العوائد مستقبلا فيما لو حدث هناك اختلال في موازين العرض والطلب بسبب الدول المستهلكة وليس المنتجة، مؤكدا أنه إن لم تقم تلك الدولة الممثلة في مجموعة الـ20 بضمان الاستهلاك العالمي المستقبلي وتحديث حجم هذا الاستهلاك، فإن الاستثمارات ستكون مضرة بالسعودية والدول المنتجة للنفط، الأمر الذي يتطلب وجود شفافية بحيث تقوم هذه الدول المنتجة باستثماراتها النفطية وهي مطمئنة على مستقبل النفط في العالم.