مصرفيون لـ «الشرق الأوسط»: الخطوة تستهدف كشف حسابات المسؤولين المصريين في حكومة مبارك

في أعقاب نصيحة الخزانة الأميركية إلى بنوكها بمراقبة التعاملات المرتبطة مع مصر

TT

في الوقت الذي طالب فيه جهاز «الكسب غير المشروع» المصري من الأجهزة الرقابية بالبلاد بموافاته بما لديها من معلومات حول ثروات مسؤولين بالنظام المصري السابق، بدأت مؤسسات مصرفية بالخارج بالتدقيق في التعاملات المرتبطة بمصر.

ونصحت وزارة الخزانة الأميركية المؤسسات المالية الأميركية أول من أمس (الأربعاء) بأن تراقب عن كثب التعاملات المرتبطة بمصر، بحثا عن أي علامات محتملة على اختلاس أصول عامة، وقال مصرفيون مصريون لـ«الشرق الأوسط» إن هذه الخطوة الأميركية قد تكون بطلب من جهات مالية مصرية وأجنبية للكشف عن حقيقة حسابات لمصريين داخل مصارف أميركية.

وقال بيان أصدرته شبكة مكافحة الجرائم المالية بوزارة الخزانة إنه ينبغي أن تطبق البنوك إجراءات «التدقيق المعزز» على الحسابات المصرفية الخاصة التي تتضمن «شخصيات سياسية أجنبية»، ودعت المؤسسات المالية إلى أن «تراقب التعاملات التي من المحتمل أن تمثل اختلاسا أو تحويلا لأصول عامة أو أموالا ناتجة عن الرشوة أو أشكال أخرى للفساد العام».

وقال مصرفيون لـ«الشرق الأوسط»: إن الخطوات التي قامت الحكومة الأميركية بها مؤخرا ستدعم أداء الجهاز المصرفي المصري خاصة مع الإجراءات الصارمة التي يتبعها البنك المركزي المصري خلال الفترة الحالية، وقد تكون استجابة لطلبات مصر من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا لتجميد أصول لمسؤولين مصريين كبار سابقين يشتبه بأنهم أرسلوا أصولا بمليارات الدولارات إلى الخارج، وقال مسؤولون كبار بالإدارة الأميركية ومتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية في باريس إن طلب التجميد لم يشمل الرئيس السابق حسني مبارك.

ولم يتطرق بيان الخزانة الأميركية إلى ذكر اسم الرئيس المصري السابق حسني مبارك أو أي مسؤولين آخرين بالحكومة المصرية ممن أطيح بهم من السلطة الأسبوع الماضي.

وأكد نائب محافظ البنك المركزي المصري هشام رامز لـ«الشرق الأوسط» أن حركة التحويلات المالية من المصارف إلى خارج مصر تسير بشكل طبيعي لأن البنوك المصرية تعمل وفق منظومة صارمة، موضحا أن خروج الأموال من مصر منذ 25 يناير (كانون الثاني) إلى الآن يسير بشكل عادي وطبيعي لكن لا توجد إحصاءات لها.

ويتوقع عبد الرحمن بركة الخبير المصرفي في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن تكون نصائح وزارة الخزانة الأميركية للمؤسسات المالية هناك بتوخي الدقة في التعاملات المرتبطة بمصر بطلب من جهات مالية قد تكون منها مصر لمتابعة بعض التحويلات المالية، لافتا إلى أن النصيحة لتلك المؤسسات بـ«التدقيق المعزز» يعطي اهتماما مضاعفا بضرورة المراقبة الحذرة لتلك التعاملات ما قد يعطيها صفة الرسمية.

ورأى بركة الذي كان يرأس مجلس إدارة أحد البنوك الخاصة سابقا، أن هذا الإجراء الأميركي لن يؤثر على سياسات الجهاز المصرفي المصري، وهو لتحقيق الانضباط للمؤسسات المصرفية الأميركية بشكل أكبر فيما يخص التحويلات المالية، مشيرا إلى أن البنك المركزي المصري يضع حدا أقصى للتحويلات المالية لتنظيم التعامل كما يضع ضوابط حازمة في الرقابة على تحويلات الأموال من وإلى مصر.

وقال الدكتور محيي الدين علم الدين المستشار القانوني لعدة بنوك أجنبية بمصر لـ«الشرق الأوسط» إن الوضع المالي في مصر قلق حاليا، وقد يكون هذا القلق امتد إلى مؤسسات مصرفية أميركية، مما دفع إلى إصدار هذه النصيحة، خاصة بعد تزايد خروج الأموال من مصر الفترة الأخيرة وضرورة معرفة طبيعة ومصدر هذه الأموال.

وأشار علم الدين إلى قرار البنك المركزي المصري الذي أصدره الأحد الماضي عقب تزايد الحديث عن تحويلات مالية كبرى خارج مصر، والخاص بتمديد فترة تسوية التحويلات الكبيرة إلى الخارج فيما يختص بالتحويلات البالغة 100 ألف دولار، أو أكثر لتصبح 5 أيام بدلا من يومين (استثنى التحويلات الخاصة بالعمليات التجارية المتعلقة بالاستيراد).

وأشار علم الدين إلى حالة من الشكوك تدور حاليا داخل الجهاز المصرفي حول تورط أحد المصارف الدولية العاملة في مصر في تسهيل خروج أموال قبل تفجر ثورة «25 يناير» بأيام قليلة، مضيفا أن الاتهامات طالت أيضا البنك الأهلي المصري (أكبر بنك حكومي مصري) بعد قيامه بتحويلات لمسؤولين كبار خارج مصر وهو ما نفاه البنك لاحقا.

وأكد البنك الأهلي في بيان وزعه أنه لم يتم إجراء أية تحويلات خارجية على الإطلاق على أي حسابات قد تخص الرئيس السابق محمد حسني مبارك أو عائلته أو أحمد عز أو أي مسؤول سياسي سابق أو حالي، كما يؤكد أن أي تحويلات تتم وفقا للإجراءات المشددة والمبلغة من البنك المركزي المصري.

ومن جهته اعتبر الخبير المصرفي أحمد آدم أن هذه الخطوة الأميركية وسيلة لتحسين «الصورة الأميركية» في مصر بعد موقفها المتباين في بداية ثورة «25 يناير» ولإظهار حرصها على أموال وأصول الشعب المصري، مضيفا أن النصيحة بـ«التدقيق المعزز» تعني اتخاذ إجراءات رقابية استثنائية تضمن فحصا مدققا للأموال خشية أن تستخدم في أغراض تخدم جماعات غير مشروعة.

ورأى آدم أن الوضع المالي والسياسي القلق في مصر قد يكون أيضا دافعا إلى ذلك، منتقدا قرار البنك المركزي بإغلاق المصارف، ورأى أن الحل هو تعديلات هيكلية وحل المشكلات داخل المصارف بدلا من غلقها الذي تسبب في تعطيل الاقتصاد.

وجمدت الحكومة المصرية أرصدة عدة مسؤولين سابقين بالحكومة ورجال أعمال وأحالتهم على التحقيق في اتهامات تركزت حول تضخم ثرواتهم بشكل غير مشروع.

وطالب جهاز «الكسب غير المشروع » المصري أمس الأجهزة الرقابية بموافاته بما لديها من معلومات وما تسفر عنه عن التحريات حول ثروات جميع الوزراء السابقين وبعض أعضاء مجلسي الشعب والشورى وغيرهم من الشخصيات المسؤولة.

وقال المستشار عاصم الجوهري رئيس الجهاز إنه لم يتلق أي تقرير من أية جهة رقابية حتى الآن في شأن أحد من هؤلاء، موضحا أن الأجهزة الرقابية هي المكلفة قانونا والمسؤولة عن ضبط الجرائم والكشف عنها.

وأكد الجوهري أنه سوف يعلن للشعب نتائج كافة التحقيقات التي تجري بهذا الشأن فور الانتهاء منها، موضحا حرصه الكامل على سرية التحقيقات في الوقت الراهن حرصا على سلامتها.

وقال إسماعيل حسن محافظ البنك المركزي المصري السابق لـ«الشرق الأوسط» إن هذا التدقيق الرقابي الأميركي، لن يؤثر على تحويلات المصريين إلى الولايات المتحدة الأميركية، مشيرا إلى أن الخطوة قد تكون للكشف عن أرصدة محل شك أو تحقيق، وقال إنها خطة ستعزز من دعم الجهاز المصرفي المصري حول التحويلات المالية.