اليمن: اتساع رقعة الاحتجاجات.. وقتيل وأكثر من 50 جريحا في صنعاء وعدن

صالح يطمئن على الأوضاع في ليبيا والأردن ويقول إنه «سئم» السلطة.. الزنداني يطالبه بتنحية أقاربه و«الحراك» يطالب بـ«فك الارتباط»

جانب من الاشتباكات بين مؤيدين للرئيس علي عبد الله صالح ومعارضين له في العاصمة اليمنية صنعاء أمس (أ.ف.ب)
TT

عاش اليمن، أمس، يوما جديدا من الاحتجاجات والمظاهرات الشبابية الطلابية المطالبة برحيل نظام الرئيس علي عبد الله صالح، في الوقت الذي اتسعت فيه رقعة المحافظات التي تشهد المظاهرات والاحتجاجات. وسقط قتيل واحد على الأقل وأصيب قرابة 50 شخصا في المواجهات التي رافقت المظاهرات في صنعاء وعدن، في حين أمر الرئيس اليمني بتشكيل لجنة تحقيق في الأحداث التي شهدتها مدينة المنصورة في عدن، والتي سقط فيها قتلى وجرحى.

وتواصلت الاشتباكات في صنعاء بين المتظاهرين وموالين للرئيس صالح، وشهد شارع الرباط القريب من جامعة صنعاء الجديدة مواجهات عنيفة استخدمت فيها الهراوات والأسلحة البيضاء والحجارة، وأكد شهود عيان أن بعض أنصار النظام أطلقوا الرصاص الحي على المتظاهرين، وأفادت مصادر طبية بأن قرابة 40 متظاهرا أصيبوا في المواجهات، وقد قامت سيارات الإسعاف التابعة للهلال الأحمر اليمني بنقل المصابين إلى المستشفيات لتلقي العلاج، وقال متظاهرون من طلاب الجامعة لـ«الشرق الأوسط» إن من وصفوهم بـ«البلطجية»، تعاملوا بعنف مفرط مع الصحافيين، حيث قاموا بمصادرة كاميرات عدد من المصورين والاعتداء عليهم بالضرب.

وامتدت الاحتجاجات لتشمل محافظات: الحديدة، البيضاء، وإب، إضافة إلى عدن وتعز التي يواصل قرابة عشرة آلاف شاب الاعتصام بوسطها منذ أكثر من أسبوع، ورفع المتظاهرون في المحافظات شعارات تطالب بـ«إسقاط النظام» و«رحيل» الرئيس علي عبد الله صالح. وتؤكد الكثير من المصادر المتطابقة أن حركة المظاهرات عفوية ولا تقف الأحزاب السياسية وراءها. وتجددت في مدينة المنصورة المظاهرات بعد يوم واحد من قمع قوات الأمن لمظاهرة تطالب بتغيير النظام، الأمر الذي أسفر عن سقوط ما لا يقل عن 5 قتلى وعدد غير محدود من الجرحى. وقال شهود عيان في المنصورة إن قوات الأمن قامت، مساء أمس، مرة أخرى بقمع المظاهرة، وبحسب الإحصائية الأولية فقد سقط قتيل واحد، على الأقل، وجرح قرابة 10 آخرين برصاص قوات الشرطة.

وفي اليوم الأسبوعي الذي يطلق عليه أنصار الحراك الجنوبي اسم «يوم الأسير الجنوبي»، خرج الآلاف يتظاهرون في محافظات الضالع، ولحج، وعدن، وأبين، وشبوة، وحضرموت، وغيرها من المناطق، للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين في سجون الأجهزة الأمنية اليمنية من قيادات ونشطاء الحراك. وجدد الحراكيون، الذين تظاهروا بناء على دعوة «مجلس الحراك السلمي»، مطالبتهم بما يسمونه «فك الارتباط» للوحدة اليمنية بين شمال البلاد وجنوبها و«استعادة الدولة» والعودة إلى وضع ما قبل 22 ما يو (أيار) 1990.

من جانبها، قالت وزارة الداخلية اليمنية إن ما حدث، أمس، هو خروج مسيرتين في شارع الرباط بصنعاء «إحداهما لمناصري المؤتمر الشعبي العام، والأخرى لمناصري اللقاء المشترك، وأثناء تلاقيهما وقع اشتباك بالأيدي بين الطرفين». ونقلت وكالة الأنباء اليمنية «سبأ» عن مصدر مسؤول في الوزارة قوله إن الأجهزة الأمنية «حاولت فض الاشتباك، لكنها لم تستطع، مما اضطر أحد الجنود إلى إطلاق عيار ناري في الهواء لفضه، ولم تحدث أي إصابات»، غير أن وسائل إعلام يمنية إلكترونية نشرت كما كبيرا من الصور لمتظاهرين مصابين وينزفون الدماء، كما نشرت صورا لأنصار الرئيس صالح وهم يحملون المسدسات والهراوات والخناجر.

وشكل الرئيس علي عبد الله صالح، أمس، لجنة للتحقيق في الأحداث التي شهدتها المنصورة، والتي قام خلالها المتظاهرون بحرق مبان حكومية وسيارات لمسؤولين عسكريين ومدنيين ومواطنين، وقال مصدر رسمي مسؤول إن صالح وجه رئيس مجلس الوزراء بـ«تشكيل لجنة تحقيق في ما أسفرت عنه حوادث الشغب المؤسفة التي حدثت في بعض أحياء مديرية المنصورة بمحافظة عدن، وما أسفرت عنه من سقوط ضحايا وعمليات اعتداء على الممتلكات العامة والخاصة وإحراق عدد من السيارات»، في الوقت الذي قام فيه نائب رئيس الجمهورية الفريق عبد ربه منصور هادي، بزيارة محافظة عدن، والتقى فور وصوله المجلس التنفيذي الذي يضم المحافظ ومديري فروع المؤسسات والوزارات في المحافظة.

وضمن التداعيات، فقد أعربت قيادة السلطة المحلية في عدن عن أسفها للأحداث التي شهدتها المنصورة، وقالت في بيان لها إنها تدين «كل أعمال الفوضى والعنف والتخريب»، و«تناشد جميع أبناء المحافظة التعاون للحفاظ على السكينة العامة وعدم السماح لمن يحاول إشاعة الفوضى في هذه المحافظة الآمنة».

وفي سياق ردود الفعل على التطورات الجارية في اليمن، أبدت الحكومة اليمنية استغرابها لما يتردد في بعض وسائل إعلام «على لسان بعض المسؤولين في الخارج، من تصريحات تعكس الجهل بحقائق الواقع في اليمن، وتفتقد للتوازن والموضوعية، لاعتمادها على معلومات خاطئة مضللة ومنحازة تستهدف الإثارة والتأجيج»، واعتبر مصدر مسؤول في الحكومة أن تلك التصريحات من شأنها أن «تزيد من تأجيج الأوضاع وتشجع على العنف بدلا من الجلوس على طاولة الحوار».

وأضاف المصدر في بيان نشرته وسائل إعلام رسمية أن المظاهرات التي تشهدها الجمهورية اليمنية تعد «تعبيرا عن مواقف المؤيدين والمعارضين للحكومة وتعكس ثراء الممارسة الديمقراطية الحقيقية والحريات التي يتمتع بها المجتمع اليمني والذي تحرص عليه الحكومة». وبشأن المواجهات بين المتظاهرين الموالين والمعارضين والتي وصفت بـ«الاحتكاكات»، فقد أرجعها المصدر إلى أنها ناتجة «عن وجود بعض المندسين بينهم لإثارة الشغب وتنفيذ أجندات بعينها لإثارة الفتنة والانحراف بالمسار الديمقراطي عن تحقيق التغيير من خلال صندوق الاقتراع والدفع بالأمور نحو الفوضى التي لا تخدم اليمن خاصة أنه لم يعد هناك من مبرر للإثارة والتظاهر والتحريض بعد مبادرة رئيس الجمهورية للإصلاحات ودعوته للحوار للوصول إلى التفاهم والتوافق الوطني حول كل القضايا التي تهم الوطن». ودعت الحكومة اليمنية مواطنيها إلى «عدم الانجرار وراء من يحاولون زعزعة الأمن والاستقرار وجر البلاد إلى أجواء العنف والفوضى».

أما الرئيس علي عبد الله صالح، وفي خضم الأحداث التي تشهدها بلاده، فقد أبدى قلقا إزاء التطورات الجارية في بلدان عربية أخرى، وأجرى، أمس، اتصالات بالزعيم الليبي معمر القذافي، والملك الأردني عبد الله الثاني.

وبحسب مصادر رسمية فإن صالح أكد للقذافي «وقوف الجمهورية اليمنية قيادة وحكومة وشعبا إلى جانب الأشقاء في ليبيا وبما يصون أمن واستقرار ليبيا»، وجدد ما أكده لملك البحرين، أول من أمس، وهو أن «ما تشهده المنطقة من حمى الفوضى وأعمال العنف يستهدف زعزعة أمن واستقرار دولها ولا يخدم سوى أعداء الأمة»، وأكدت المصادر ذاتها أن القضايا ذاتها طرحها صالح مع العاهل الأردني.

وكان الرئيس صالح كثف، اليومين الماضيين، لقاءاته بالشخصيات القبلية في المحافظات المحيطة بالعاصمة صنعاء، وقال خلال لقائه بزعماء قبائل محافظة حجة إنه سئم من السلطة، وإن من يرد الكرسي أو السلطة فعليه أن يأتي إليهما عبر صناديق الاقتراع.

وضمن ردود الفعل، أيضا، فقد انتقد الشيخ عبد المجيد الزنداني قمع المظاهرات، واعتبره من الجرائم التي لا تسقط بالتقادم. وتوقع الزنداني في مؤتمر صحافي لعلماء اليمن، أمس، أن يعود الهدوء إلى الناس في الشارع «في حال نحى الرئيس علي عبد الله صالح أقاربه من السلطة». ودعا الزنداني، وهو رجل دين بارز ورئيس جامعة الإيمان الإسلامية، القوى السياسية إلى «سرعة تحكيم العقل وتشكيل حكومة وحدة وطنية متكافئة الحقائب السيادية تمهد خلال 6 أشهر من بقائها في السلطة لانتخابات نيابية ديمقراطية ونزيهة»، وقال إن ثورتي مصر وتونس «أثبتتا أن التغيير قادم في الشعوب العربية والإسلامية بما يعمل على تلبية تطلع أبناء العرب والمسلمين في مستقبل تستقر فيه الشعوب والأوضاع وتتقدم فيه البلدان مع زوال الظلم والحرمان»، وأشار إلى أن «التغيير سيحدث سواء كان بالوسائل السلمية المناقضة للعنف أو باستخدام العنف ذاته».