أسواق الكتب في باريس تسبح ضد تيار الإنترنت

الأكشاك تغري السياح بالصور الملونة والتذكارات

TT

من الذي يظن في عصر الإنترنت أنها فكرة جيدة أن يكدس الكتب القديمة في صناديق معدنية، ليبيعها في الشارع؟ بهذا السؤال يبدأ توماس كوربيل تقريره لوكالة الأنباء الألمانية حول مكانة أسواق الكتب التقليدية بباريس في ظل المنافسة من الكتب الإلكترونية.

يشير كوربيل إلى أن الصورة الحالية توحي بأن الكتب قد تكون فقدت جاذبيتها ما دامت أمهات كتب الأدب صارت متاحة بيسر وسهولة، بل ومجانا على الإنترنت. ورغم ذلك، هناك وجود من بائعي الكتب في الشوارع ممن يقبلون التحدي.. لكن لا يركزون جميعا في نشاطهم على الكتب فحسب، حيث إن بعض الأشياء التي يعرضها البائعون لا تعدو أن تكون سوى تذكارات عن العاصمة الفرنسية، وهو أمر أحدث قدرا من الجدل.

تثبت هذه الصناديق المعدنية الخضراء اللون على جدار فوق ضفة النهر، حيث يبلغ طول الواحد مترين وارتفاعه 60 سنتيمترا. وتبدو عليها آثار الصدأ بوضوح وهي مغلقة، ولكن وهي مفتوحة تتحول إلى صناديق رائعة المنظر، حيث تحتوي على الكتب القديمة والصحف ولوحات الفنانين النادرة. هذه هي الصورة التي تشجع سلطات المدينة البائعين على أن تكون عليها صناديقهم في فرنسا، لكن كثيرا من الأكشاك تغري السياح بالصور الملونة لبرج «إيفل» والرسومات الممغنطة التي توضع على الثلاجات في المنازل والصور كبيرة الحجم، علاوة على الكتب وغيرها من المجلات الأدبية. وقالت بائعة شابة وهي تشير إلى السلع التذكارية على يمينها «يمكننا أن ندبر رزقنا من هذه الأشياء»، ثم أشارت إلى صناديق الكتب على يسارها وقالت «لسوء الحظ ليس من تلك!».

أقامت هذه البائعة كشكها بمهارة وبما يطابق الشروط التي تتطلبها سلطات المدينة حيث يسمح لها بملء أحد صناديقها الخضراء بالسلع التذكارية، لكن لا بد أن تضعه بجوار 3 صناديق تحتوي على كتب. وهي تخرق القواعد بوضعها السلع التذكارية على طاولات تحتل أكثر من مساحة الكشك. لكن مبيعاتها للسياح تمثل أهم مصادر دخلها. هناك بائعة أخرى في الأربعينات من العمر، أكثر التزاما بتقاليد المهنة. وكان جدها يبيع الكتب على ضفاف نهر السين وهي تملك 5 صناديق معدنية خضراء اللون على رصيف مالاكيه منذ 20 عاما، وترى أن بائعي السلع التذكارية تسببوا في خلق منافسة كبيرة.

وقالت «بسببهم فقدنا شريحة كبيرة من زبائننا خلال الأعوام الأخيرة». وبغض النظر عن ذلك تمثل شبكة الإنترنت منافسة هائلة، فالمبيعات للمواطنين ممن يعشقون الكتب رضخت الآن إلى متطلبات السياح، وتراجعت زيارات الزبائن العاديين إلى ضفة النهر بحثا عن الكتب التي يبتغونها. الابتسامة لا تفارق وجهها وهي تنظر إلى المارة، وتتبادل التحية مع معارفها. وقف رجل يشتري صحيفة يرجع تاريخها إلى نحو 100 سنة ودار بين الاثنين حديث حول هذه الصحيفة النادرة، وقالت البائعة لزبونها أن يبلغها في حال احتاج إلى شيء معين، حيث إنها ستبحث له عنه.

يمثل هؤلاء البائعون جزءا من معالم باريس منذ القرن السادس عشر، وهم مدرجون على قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو)، وكانوا يتركزون أصلا على «بونت نوف»، وهو أقدم جسر في العاصمة الفرنسية، أما الآن فصار عددهم 200 بائع ينتشرون على ضفتي النهر.

تسعى إدارة المدينة الآن إلى الحفاظ على أصول وتقاليد المهنة، فهي تنتقي بائعي الكتب الجدد بعناية، وهو ما يعني أن الكثير من مقدمي الطلبات ينتظرون سنوات للحصول على تصريح بمزاولة المهنة. وفي العام الماضي منحت السلطات نحو 40 ترخيصا جديدا، بينها ترخيص منح لشاب عمره 21 عاما ينتمي إلى جيل الإنترنت، إلا أنه يقول إنه يريد أن يجرب حظه بالانضمام إلى بائعي الكتب في الأسواق الخاصة المقامة في العراء وسط الرياح والأمطار.

ويوضح قائلا «أظن أنه أمر عظيم أن تثير اهتمام الناس بكتب لا يعرفونها».