أسئلة وأجوبة حول الوضع في ليبيا

لا توجد جهة محددة تقود ثورة الغضب

محتجون ليبيون في طبرق يطالبون القذافي بالرحيل أمس (رويترز)
TT

بشكل عام لا توجد قيادة موحدة ومعروفة للاحتجاجات التي تهز ليبيا فيما يشبه الزلزال غير المتوقع، حيث لا تبدو على الساحة جهة بعينها أو مجموعة أفراد، سواء في الداخل أو الخارج، تدعي أنها تقود هذه المظاهرات المطالبة بإسقاط نظام حكم الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي. ولم يكن متوقعا أن يستجيب الليبيون على هذا النحو لدعوات ظهرت بشكل مفاجئ على شبكة الإنترنت خاصة «فيس بوك» و«تويتر» وتبنتها مواقع مستقلة ومناوئة للنظام الليبي، تحث على التظاهر في السابع عشر من الشهر الحالي في الذكرى الخامسة لمقتل 12 شابا برصاص قوات الأمن إثر مظاهرات حاشدة وقعت في شهر فبراير (شباط) عام 2006 في مدينة بنغازي احتجاجا على تصريحات لوزير إيطالي كانت مؤيدة للرسوم الدنماركية المهينة للرسول عليه الصلاة والسلام.

ودعا منظمو المظاهرات أساسا إلى يوم غضب شعبي على غرار ما جرى في تونس ومصر المجاورتين مؤخرا، قبل أن تتحول الشعارات لاحقا إلى القضاء على الفساد والمحسوبيات والمطالبة بوضع دستور جديد للبلاد ومؤخرا وصلت ذروتها بدعوة العقيد القذافي للتنحي وترك السلطة.

وساهمت ثورة الاتصالات والتكنولوجيا الحديثة في إتاحة الفرصة لملايين الليبيين في التواصل بعيدا عن قبضة الدولة الليبية التي لم تعر الأمر اهتماما على ما يبدو في أيامه الأولى، قبل أن تحاول تدارك الأمر بإنشاء صفحات مضادة بأسماء وهمية ومحاولة ضرب وإيقاف معظم المواقع الإخبارية الليبية في الخارج، خاصة تلك المحسوبة على جماعات المعارضة الليبية.

لكن على ما يبدو فإن الجميع لا يطرح السؤال عن القيادة الحقيقية لما يجري في الداخل انطلاقا من أن الوقت ليس مناسبا للقفز على نتائج ثورة لم تكتمل فصولها بعد.

* من يحكم ليبيا؟

يقود العقيد القذافي حكم ليبيا بشكل منفرد منذ عام 1977، عندما أعلن النظام الجماهيري وسمى نفسه قائدا للثورة، وهو منصب يقول إنه لا يعني أنه رئيس أو حاكم للبلاد، بل هو أشبه بوضع المرشد الأعلى للثورة في إيران.

ومع ذلك، يتعامل العالم مع القذافي على أنه سيد البلاد الغنية بالنفط الخام والعالي الجودة ورئيسها، لكن القذافي يفضل أن يتعامل معه الجميع على أنه الأخ قائد الثورة.

لدى نجاح الانقلاب العسكري الذي قاده القذافي للإطاحة بنظام حكم العاهل الليبي الراحل إدريس السنوسي في مطلع شهر سبتمبر (أيلول) عام 1969، تكون مجلس لقيادة الثورة مؤلف من 12 عضوا هم صغار الضباط الذين قادوا الثورة.

بمرور الوقت نجح القذافي في تغييب أو تهميش أي دور سياسي لأعضاء مجلس قيادة الثورة، الذي ظل قائما من الناحية الشكلية فقط حيث لم يقم القذافي بحله واكتفى برتبة العقيد في محاولة للإشارة إلى رغبته في عدم سعيه للسلطة والابتعاد عن الحكم.

هناك 5 فقط على قيد الحياة من بقية المجلس الثوري، على رأسهم الرائد عبد السلام جلود، الذي كان حتى مطلع التسعينات بمثابة الرجل الثاني في النظام قبل أن يتم تجميد نشاطه ونزع صلاحياته، يليه الرائد عبد المنعم الهوني الذي يتولى حاليا منصب مندوب ليبيا لدى الجامعة العربية بعدما أمضى قرابة ربع قرن في معارضة القذافي، انتهت بمصالحة بينهما.

وهناك اللواء أبو بكر يونس جابر، الذي يشغل نظريا حقيبة الدفاع، لكن لأن الجيش لم يعد له رسميا أي وجود، فالمنصب بلا اختصاصات تقريبا، فيما تحول الخويلدي الحميدي ومصطفى الخروبي إلى متابعين لبعض الأنشطة المحلية بعدما تم تفريغهما من أي خلفية عسكرية أو شعبية.

وليس لدى القذافي مستشارون معروفون، لكنه عين قبل عامين نجله المعتصم مستشارا للأمن القومي، لكنه كان قد اختفى عن الأنظار بسبب خلافات مع مسؤولين في الحكومة قبل أن يعود ليرافق والده في بعض سفرياته الخارجية.

عمليا لا يوجد شريك للعقيد في عملية اتخاذ القرار السياسي، فهو المسؤول الأول والأخير، كما أنه ليس هناك شخص آخر غيره قادر على اتخاذ أي قرار مصيري.

وحدد محمد زاهي المغيربي الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة قاريونس في بنغازي 5 مراكز للقوة والنفوذ ضمن بنية هذه النخبة، وهي: القذافي، والأعضاء الباقون من مجلس قيادة الثورة الأصلي، وقيادات القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، واللجان الثورية، والتكنوقراط أعضاء اللجنة الشعبية العامة (أو مجلس الوزراء). على أن تأثير وقوة هذه المراكز ليست متساوية، بل تتفاوت من وقت لآخر، مع تربع العقيد القذافي على قمة بنية النخبة من حيث التأثير والقوة لكونه قائد الثورة، مما يعطي لتوجيهاته وتعليماته شرعية لا تتوفر لغيره.

ويمثل التكنوقراط المستوى الخامس والأقل أهمية من مراكز السلطة ضمن بنية النخبة في ليبيا، ويتكون من أعضاء مجلس الوزراء الذين على الرغم من أنهم يمثلون، اسميا، أعلى مستوى للسلطة التنفيذية في ليبيا، فإن سلطتهم وتأثيرهم الحقيقي والفعلي لا يرقى إلى مستوى سلطة وتأثير مراكز القوة الأخرى.

وتسمى الحكومة في ليبيا «اللجنة الشعبية العامة»، وهو اختراع ليبي محض، خلافا لما يتعارف عليه العالم أجمع، حيث لا ينشر في العادة أو يذاع اسم رئيس الوزراء أو أعضاء حكومته في وسائل الإعلام الرسمية إلا نادرا أو عن طريق الخطأ.

ما هي قدرات الجيش الليبي؟

يضم الجيش الذي تم تغيير اسمه إلى «جيش الشعب المسلح» في ظل النظام الجماهيري المعمول به، وفقا لنظرية القذافي الثالثة، نحو 120 ألف مقاتل يتوزعون على القوات البرية التي تضم 50 ألف جندي، والبحرية: 8 آلاف جندي، والجوية: 18 ألف جندي.

ولدى الجيش الذي يتولى منصب الرجل الأول فيه اللواء أبو بكر جابر يونس، وهو أيضا وزير الدفاع المؤقت للبلاد من تعيينه، احتياطي يسمى الميليشيات الشعبية عددها 40 ألف مقاتل.

ويمتلك الجيش الليبي الذي جرى إنفاق 50 مليار دولار أميركي على تسليحه، تشكيلة واسعة من الأسلحة السوفياتية، لكنه تعرض على ما يبدو للإهمال وعدم التطوير، مما دفع وكالة «ليبيا برس» المحسوبة على سيف الإسلام، نجل القذافي، مؤخرا إلى توجيه انتقادات لاذعة لما وصفته بقلة أدائه وانتشار الفساد بين كبار ضباطه وتضاعف عدده ليصل إلى 130 ألفا، أي 2 في المائة من إجمالي عدد السكان، ونحو 10 في المائة من القوى الفتية القادرة على العمل.

ويستحوذ الجيش على آلاف الهكتارات التي حولها إلى معسكرات وثكنات، سرعان ما تحولت بفعل الفوضى والمحسوبية إلى مصادر ثراء للكثيرين.

ومن بين الانتقادات الموجهة إلى الجيش الليبي، أن قياداته تحولت إلى أصحاب أموال وكنوز وممتلكات واحتكارات، كما أن الكثير من ضباطه تجاوزوا السن التي تسمح لهم بالتعلم والاستيعاب والتطور، ناهيك عن أنهم ترهلوا وفقدوا لياقتهم بفعل البذخ وحياة الراحة.

* من هو القذافي؟

ولد لراع بدوي عام 1942 في خيمة قرب سرت على ساحل البحر المتوسط. ترك دراسة الجغرافيا بالجامعة لينضم للحياة العسكرية، وأمضى فترة قصيرة في مركز تدريب لسلاح الإشارة التابع للجيش البريطاني.

تبنى قضية القومية العربية التي دافع عنها الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر وحاول دمج ليبيا مع مصر وسورية في اتحاد، لكن لم يحالفه النجاح، كما لم تكلل محاولة مماثلة لضم ليبيا وتونس بالنجاح.

في عام 1977 غير اسم بلاده إلى «الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى»، وسمح للناس بالتعبير عن آرائهم في مؤتمرات شعبية.

فرضت الأمم المتحدة عام 1992 عقوبات للضغط على طرابلس لتسلم ليبيين لمحاكمتهما فيما يتصل بقضية تفجير طائرة أميركية فوق لوكيربي باسكوتلندا عام 1988، مما أصاب اقتصاد ليبيا الغنية بالنفط بالشلل، وخفض من الروح الثورية لدى القذافي، وخفف من حدة تصريحاته المناهضة للرأسمالية والمعادية للغرب.

تجنب المجتمع الدولي التعامل مع القذافي خلال معظم فترة حكمه، لأن الغرب اتهمه بالإرهاب، غير أنه تخلى عن برنامج ليبيا للأسلحة المحظورة عام 2003، مما أعاد البلاد إلى الساحة السياسية العالمية.

في سبتمبر عام 2004 رفع الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الحصار التجاري الأميركي رسميا عن ليبيا بعد أن تخلى القذافي عن برنامج التسلح وتحمل المسؤولية عن تفجير لوكيربي.

في أغسطس (آب) 2006 ألقى عدة خطب وبّخ فيها أمته لاعتمادها على النفط والأجانب والواردات، وقال إن على الشعب الليبي أن يبدأ في تصنيع أشياء يحتاجها الناس.

تظهر ميوله الاستعراضية بوضوح في زياراته للخارج حين ينام في خيمة بدوية تحت حراسة عشرات الحارسات. وخلال زيارة لإيطاليا في أغسطس الماضي خيمت دعوة القذافي لمئات الشابات لاعتناق الإسلام على الزيارة التي استمرت يومين، وكان هدفها تعزيز العلاقات بين طرابلس وروما.