لبناني يحول منزله إلى متحف يختصر حضارات الشعوب

تجمعه علاقة بالسلاح والتراث منذ كان مراهقا

بنادق أم فتيل وأم حجر الصوان وبنادق الكبسون من مقتنيات المتحف («الشرق الأوسط»)
TT

«نعم أنا ما زلت صامدة منذ مئات السنين وبصحة جيدة»، هذا باختصار لسان حال معظم مقتنيات متحف سليم عراجي من أسلحة فردية وتحف وقطع أثرية.

شغفه بالسلاح والفروسية جعله منذ نعومة أظافره عاشقا لجمع هذه المقتنيات، محولا منزله في بلدة بر إلياس البقاعية إلى متحف قل نظيره في لبنان وربما في الشرق الأوسط. «هذه هوايتي منذ أكثر منذ 40 عاما، أحب السلاح والقطع التراثية القديمة، جمعت هذه الموجودات قطعة قطعة حتى أصبح عددها بالآلاف، وكل قطعة لها مكان ينتظرها لا تبارحه أبدا إلا في حالة التنظيف» يقول عراجي، وهو موظف متقاعد في الأمن العام اللبناني.

رحلة عبر الزمن تبدأ منذ اللحظة الأولى لدخولك المنزل/المتحف، حيث تستقبلك أدوات زراعية متعددة الأشكال والأنواع، قديمة العهد تعود إلى القرن 19 وأكثرها ما زال يبدي استعدادا للقيام بأي دور محتمل.

أجران تعود إلى العهد الروماني تستوقفك مع أدوات الخيل القديمة، وهاون لطحن الهال، مطاحن بدائية لصنع القهوة، جرار فخارية يعود تاريخها لمعظم العهود القديمة، محادل وأجران الكبة تعود إلى القرن 18 تجعلك مترددا قبل صعودك الدرج، قاصدا الطابق الثاني من المنزل، حيث تجد نفسك قبل دخوله أمام مجموعة من الخوذات المتنوعة والطيور المحنطة.

خوذ عربية، فرنسية، وإنجليزية تمهد لك الدخول في عالم الحرب الصامت القائم على أعداد هائلة من الخناجر والسيوف والبنادق التي تزدحم بها غرف الطابق الثاني.

أدوات حربية موغلة في القدم امتدت حتى الأروقة الداخلية للغرف، منها عشرات المسدسات المعروفة بالطبنجة (القرن 18) ومنها الآلية التاريخية.

مئات البنادق تتوزع على مجموعات تمثل التطور التقني لأنظمة إطلاق النار منذ عام 1310 كبندقية أم الفتيل (التي كان يستغرق إعدادها 10 دقائق لإطلاق طلقة واحدة)، وبنادق عهد الصوان (يتم الإشعال بواسطة حجر صغير من الصوان المشطوف)، وبنادق العهد الثالث المعروفة ببندقية الكبسون (بالعامية).

خناجر متعددة الأنواع والأشكال، رماح، مطارق وفؤوس، قوس نشاب، حراب وبلطات، أدوات صيد وسيوف أثرية يحمل بعضها كتابات تدل على مرحلتها كقبائل الكابوتشي (عاشت في السودان)، وسيوف دمشقية ويمنية، وسيوف مبارزة شيش.

أسلحة خفيفة تتوالى جنبات الغرف في سرد التاريخ بصفة السلاح.

دروع وخوذات وواقيات للأذرع وتروس وصدريات ومجموعات نادرة من الأسلحة البيضاء، تعود بصناعتها إلى بلاد أوروبا والعالم الإسلامي ومن عصور مختلفة كالعصر البيزنطي، التركي، العربي، الروماني، العثماني، المملوكي، والإيراني...

وداخل متحف عراجي، تجد أيضا مجموعات نادرة من المسابح والنراجيل والمئات من التحف الشرقية والأحجار النادرة والخواتم القديمة. حضارات سابقة منها الرومانية والعثمانية والإسلامية تنقلها إليك مجموعات نادرة من الفضيات والنحاسيات والعاجيات، لتأتي مجموعة من الكتب والطوابع والعملات والأوراق النقدية العائدة إلى قرن ونصف القرن مكملة هذا المشهد القديم.

حتى الأسلحة التي كانت تستخدم في عهد الخلفاء الراشدين لها مكانتها الخاصة في متحف وقلب عراجي «أنا لست تاجرا، وكما خلق الله هذه الأسلحة لندافع بها عن أنفسنا، علينا ألا نهملها في آخرتها لأنها تستحق منا كل التعزيز والتكريم والاحترام، كونها ساعدتنا في البقاء على قيد الحياة»، يشرح علاقته بهذه المقتنيات التي تخضع بداية كل صيف وشتاء لعمليات تنظيف مملة بحسب تعبيره.

ويتابع «أنا لا أخون صديقي وهؤلاء أصدقائي، أخصص لهم ساعة تأمل قبل النوم، وهم بمثابة مهدئ للأعصاب بالنسبة إلي، أتفقدهم كل صباح قبل أن أغسل وجهي».

تعلق الزوجة كتعلق الأبناء الثلاثة بأي قطعة في المتحف، فالعناد والرفض أبرز سماتهما حيال فكرة البيع «أحب المتحف كثيرا، هو ابني الأول قبل أن أرزق، ونحن حريصون على منع هذه الحضارات من الاندثار مهما كانت الأثمان»، تؤكد زوجة عراجي.

أما ابنه المهندس محمود، فقد ثار ذات يوم بعبارة «مش للبيع، مش للبيع» على أحد الزوار الذي أتى عارضا مبلغا قيما مقابل قطعة أثرية اشتراها والده بسعر متواضع.

أفراد ومجموعات من الزوار اللبنانيين، الخليجيين والأوروبيين يقصدون متحف عراجي، لكن بصفة فردية عن طريق الأصدقاء وليس عن طريق المنظمين ليكون بانتظارهم من يشهد له أبناء المنطقة بأنه أصبح مرجعية لهم لكشف السلاح والأشياء التراثية الحقيقية من المزورة، وأكثر ما يزعجه هو سماعه بخروج قطعة أثرية خارج لبنان.

أسئلة كثيرة تقودنا إلى طرحها على عاشق التاريخ والتراث الذي جعل من جدران منزله وخزائنه الخشبية والزجاجية مكانا لعرض هذه التحف والأسلحة، وخاصة عن كيفية جمعها؟ فيجيب إما أن أشتريها بسعر أراه مناسبا، وإما تأتيني كهدايا من مصر وسورية ولبنان وبعض الدول الخليجية والأوروبية حرصا من أصحابها على حماية التراث الوطني والعربي والإسلامي والأوروبي..

أما عن سبب تحويله منزله إلى متحف، فيرى أن جعله معرضا متنقلا يحتاج إلى إمكانات مادية، كاشفا رفضه عروضا لإقامته خارج البلدة وخارج لبنان، لأن مصلحته أن يكون في بر إلياس تكريما للمنطقة وللعائلة التي استقرت في لبنان منذ عام 1718، المتحدرة من الحجاز وتحديدا من عائلة ولد علي.

وإذ يرحب عراجي بفكرة شراء أو تخصيص قطعة أرض في البلدة لإقامة المتحف عليها، يشير إلى أن دخول المتحف الحائز تصنيف وزارة السياحة، بعد إدراجه على لائحة المتاحف في لبنان هو مجاني.

ويبقى الشعور بالجانب الثقافي والجمالي لهذه الأسلحة كوسائل للتباهي وللزينة وكرمز للانتماء الاجتماعي والقبلي أحيانا، هو أبرز الانطباعات التي يخرج بها معظم زائريه.