أداء الجنيه المصري يعتمد على التقدم السياسي

إذا تواصل الجمود السياسي فستستنفد مصر احتياطياتها الأجنبية

TT

ليس أمام الحكومة المصرية الجديدة سوى فترة وجيزة لإرساء عملية سياسية ذات مصداقية وإلا فإن العملة المصرية قد تواجه مخاطر متجددة وضغطا لا يحتمل. وأدت الثورة التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك لتقويض ركيزتين أساسيتين تدعمان الجنيه المصري وهما السياحة والاستثمار الأجنبي كما ضغطت على ركائز أخرى مثل تحويلات المصريين العاملين في الخارج. ولن تنتعش مصادر النمو الاقتصادي تلك إلا إذا اقتنع المصريون والأجانب بأن الحياة تعود إلى طبيعتها. ومن دون ذلك فإن مصر قد تستنفد سريعا احتياطياتها الأجنبية التي تبلغ 35 مليار دولار.

وقال رضا أغا الاقتصادي في رويال بنك أوف اسكوتلندا (في الأجل القصير أنا متشائم. تلاشت تدفقات النقد الأجنبي الآن). وأضاف (في الأجلين المتوسط والطويل.. تسوية الموقف السياسي ضرورة لأن هذا وحده هو الذي سيضمن عودة السائحين والاستثمار الأجنبي المباشر وعدم تأثر الصادرات بأي إضرابات أو اضطرابات عامة). وتعهد المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر بإجراء تعديلات دستورية تفضي إلى انتخابات حرة ونزيهة في غضون 6 أشهر. وقدمت اللجنة المكلفة بهذه المهمة التعديلات الدستورية المقترحة يوم السبت الماضي وسيجري التصويت عليها في استفتاء عام. وربما يجرى هذا الاستفتاء خلال أسابيع وهو ما يجعل أمام الحكومة مهلة محدودة لبناء الثقة وسيراقب المستثمرون الوضع ليعرفوا إن كانت العملية الدستورية كافية لإرضاء المحتجين المطالبين بالديمقراطية الذين ما زالوا نشطين في الشارع.

واستخدم أفراد القوات المسلحة فجر يوم السبت القوة لفض احتجاج يطالب بمزيد من الإصلاح السياسي في مصر في أشد إجراء حتى الآن بحق نشطاء المعارضة الذين اتهم بعضهم الحكام العسكريين بخيانة الشعب. وسيكون الاختبار العاجل للعملة والرمز المهم لعودة الظروف السياسية والاقتصادية إلى طبيعتها هو استئناف العمل في البورصة المصرية المقرر يوم الأحد المقبل بعد إغلاقها أكثر من شهر.

ويترقب المستثمرون انهيارا محتملا في أسعار الأسهم ومزيدا من التدفقات للخروج من الجنيه إذا سعى بائعو الأسهم إلى تحويل حصيلة البيع إلى عملة أجنبية. وقال خان «المهم هو مراقبة ما يحدث بعد فتح البورصة. قد نرى ضغطا نزوليا على الجنيه، حين يحاول الأجانب تصفية مراكزهم». ويقول مصرفيون إن البنك المركزي يتعامل بحنكة حتى الآن مع أزمة العملة الصعبة وهو ما قصر خسائر الجنيه على 1.2% من قيمته منذ اندلاع الاحتجاجات في 25 يناير (كانون الثاني). ويجري تداول الجنيه حاليا عند 5.89 جنيه للدولار. لكن هناك مؤشرات على أن ميزانية البلاد وعملتها تتأثران بهذا الضغط وأن بعض البنوك على الأقل قد استنفدت دولاراتها.

ورغم أن البنوك لم تفتح إلا ليومين فقط في يناير بعد اندلاع الاحتجاجات إلا أن الاحتياطيات الأجنبية تراجعت نحو مليار دولار في يناير وهو أول تراجع لها منذ أكثر من عام والأكبر منذ أبريل (نيسان) 2009 حين تراجعت بعد الأزمة الاقتصادية العالمية. والبنوك مفتوحة منذ ذلك الحين. وقال مصرفيون داخل وخارج مصر إن البنك المركزي حاول في هدوء خلال الأسبوعين الأخيرين إبطاء تحويلات الجنيه من خلال مجموعة من التوجيهات غير المكتوبة للبنوك والتي لا ترقى إلى أن تكون ضوابط وافية لرأس المال. وقال مصرفيون إن البنك المركزي وضع مفتشين داخل غرف المعاملات النقدية في عدد من البنوك حيث يتقصون من أين حصل الأشخاص الذين يسعون لتحويل أموالهم على هذه الأموال وإلى أين يرسلونها. ويتعين على العملاء الذين يطلبون تحويل أكثر من 100 ألف دولار الانتظار لخمسة أيام لحين إتمام التسوية بدلا من يومين في الظروف العادية. ويتعين على البنوك أيضا أن تتحقق بعناية من التحويلات الصغيرة حتى 10 آلاف دولار. وقال مصرفيون إن الغرض المعلن لذلك هو التأكد من أن هذه الأموال لم يحصل عليها أصحابها بطريقة غير مشروعة وفي الوقت نفسه مساعدة الحكومة على إبطاء التدفقات الخارجية.

وقال عدة أشخاص حاولوا شراء دولارات إن البنوك تحاول إثناء العملاء الراغبين في تحويل أموالهم إلى الدولار أو ترفض ذلك تماما. وأكد مصرفيون ذلك. وقال مصرفي «نبلغ عملاءنا بأن هناك نقصا في الدولارات وأننا لا نستطيع القيام بذلك». وبلغ متوسط معاملات العملة الأجنبية في سوق ما بين البنوك في مصر نحو 300 مليون دولار يوميا الأسبوع الماضي وهي قيمة يقول مصرفيون إنها ضئيلة بشكل مدهش بالنظر إلى حجم الاضطراب الاقتصادي والسياسي الذي حدث الشهر الماضي. وسأل صحافيون محليون وزير المالية الجديد سمير رضوان عن تكلفة الاضطرابات فأجاب مستشهدا بمذكرة من بنك كريدي أجريكول في الرابع من فبراير (شباط)، قدرت التكلفة بنحو 310 ملايين دولار يوميا مما يذكر بحاجة مصر الملحة لتنشيط المصادر التقليدية للدخل القومي بعد أسابيع من الاضطرابات السياسية.