مترو الأنفاق.. صندوق بريد المطالب الشعبية للمصريين

قصدوا شباب «ثورة 25 يناير» وتركوا أبواب المسؤولين الرسميين

TT

تحول مترو أنفاق القاهرة عقب «ثورة 25 يناير»، التي قادها الشباب المصري وأدت إلى إسقاط نظام الرئيس السابق حسني مبارك، إلى صندوق بريد للمطالب الشعبية والجماهيرية للمصريين، وأصبح مترو الأنفاق، الذي يعد وسيلة المواصلات الشعبية الأولى «بوسطجي» المصريين، يحمل طلباتهم وآمالهم للجهات التي أصبح المصريون يعتقدون أنها الجهات المسؤولة.

رواد مترو الأنفاق أغلبهم أناس عاديون لا ينتمون إلى أي تيار ولا يتحدثون في السياسة، وربما لم يشاركوا في أحداث الثورة المصرية، يصارعون الزحام يوميا للذهاب إلى أعمالهم، معظمهم يجلس أو يقف في عربات المترو إما صامتا أو يتحدث بصوت خافت، أو يضع سماعة هواتفه الجوال لسماع الأغاني، أو يقرأ القرآن، هذا كان حال راكبي المترو قبل الثورة المصرية، لكن بعد الثورة أصبح المترو ساحة خصبة للحديث في السياسة، خصوصا بعد مطالبات الكثيرين بتغيير اسم المحطة التي تحمل اسم الرئيس السابق حسني مبارك، والتي تقع في منطقة رمسيس، إلى «محطة الثورة»، أو «محطة الشهداء».

ما إن يرى ركاب مترو الأنفاق أي شاب يعتقدون أنه من «شباب 25 يناير»، حتى يفتحوا حوارا مطولا معه ويعرضوا مطالبهم التي عجزوا عن توصيلها إلى منافذها الشرعية، ويدعوا له بالتوفيق ويحثوه على الاستمرار قدما في خطاه وأن لا يغادر ميدان التحرير هو وزملاؤه حتى تتحقق جميع المطالب.

طوال رحلات المترو اليومية، يتطلع ركابه في وجوه شباب الثورة، وكثيرا ما يستوقفونهم لعرض مطالبهم بعد أن كانوا يقفون بالأيام والأشهر، بل والسنين، على أبواب المسؤولين لمجرد النظر في شكواهم، سيدات ورجال عجائز يبحثون لدى شباب الثورة عن وظائف لأبنائهم وشقق سكنية، وموظفون وعمال يحلمون بالتثبيت وزيادة الرواتب.

في المقابل نجد شباب الثورة يفتحون حوارا مطولا مع من تصادف وقوفه أمامهم في عربات المترو للحديث عن مرحلة ما بعد الثورة، يتخللها سرد للبطولات التي قاموا بها خلال «ثورة 25 يناير» في ميدان التحرير، كما يحرص البعض منهم على جمع الطلبات وتدوينها لوضعها ضمن مطالبهم الجديدة.

أم نور، سيدة في نهاية الستينات، تستند على عصا، حرصت على الوقوف لتقديم التحية لشباب الثورة، طالبة منهم أن يتحدثوا إلى وزير الإسكان بخصوص الشقة التي قامت بحجزها منذ 30 عاما ولم تتسلمها حتى الآن، وطلبت من أحد الشباب بطاقة (كارت) توصية للذهاب به إلى وزارة الصحة حيث تحصل على علاج شهري وتعاني عذابا في الحصول عليه.

أما فاتن شفيق فطالبت الشباب بالمزيد من الضغط وعدم التراجع حتى يرحل جميع المسؤولين في النظام السابق لتورطهم في التستر على أعمال المسؤولين السابقين - على حد قولها - ومحاولة الالتفاف على الثورة عبر عبارات فارغة مثل «أنتم شباب مصر الواعد».

تدخل مصطفى خيري، أحد الذين حاربوا في حرب أكتوبر (تشرين الأول) في الحديث مع الشباب، قائلا: «حاربنا وحررنا مصر واستولى عليها الفاسدون»، مطالبا الشباب بتوصيل صوتهم إلى قيادات القوات المسلحة للنظر في حال المحاربين القدماء الذي دفعوا حياتهم ولم يحصلوا إلا على «بطاقة تعريف» توفر لهم الركوب المجاني في وسائل المواصلات العامة.

بينما طالب أحمد صالح، وهو موظف دولة، الشباب بالضغط لسرعة تنفيذ أحكام القضاء الإداري، وبخاصة أحكام المواطنين الذين صدرت بخصوصهم أحكام بالتعويضات أو بالعودة إلى أعمالهم، حتى يشعر الجميع بالعدالة والمساواة وتسود الثقة بين المواطن وحكومته، ووعد صالح الشباب بإحضار صور ضوئية لأوراقه الرسمية، من مؤهلاته، وسيرته الذاتية، وصورة عقد عمله الذي تم فصله منه، وحكم المحكمة الذي يقضي بعودته إلى العمل ولم ينفذ.

سارع كمال مرعي، موظف، بإخراج ورقة بيضاء من حقيبته، وكتب عليها «رسالة إلى وزير المالية» يطالبه فيها بالعدالة في الأجور بين جميع العاملين في الحكومة، مشيرا في رسالته إلى إنه يعمل مدير إدارة في إحدى المصالح الحكومية وراتبه لا يتعدى 800 جنيه بعد 30 عاما من الخدمة.

أما جمعة السيد، من محافظة أسوان (جنوب الصعيد) فحرص على التقاط الصور مع شباب الثورة باعتبارهم قيادات مصر في المستقبل - على حد تعبيره - قائلا: «أمنيتي أن أعود إلى مسقط رأسي، وأن أحصل على فرصة عمل هناك، بعد أن غادرتها إلى القاهرة لعدم وجود فرص عمل»، مطالبا الشباب بوضع تنمية صعيد مصر في اهتماماتهم.

وحرص أحمد بندق، أحد شباب الثورة المصرية على الجلوس على أرض عربة المترو بجوار الباب وقام بتدوين كل ما يدور من مطالب، وبسؤاله، قال: «بعد أن رحلنا من ميدان التحرير، أصبحت الوسيلة الوحيدة للتجمع والالتقاء بالمصريين مترو الأنفاق، وقررنا، أنا وأصدقائي، عمل صندوق أطلقنا عليه (صندوق شكاوى المترو)، لنقوم بتجميع الشكاوى وتوصيلها إلى الجهات المسؤولة».

وتابع بندق إن «دورنا لا يقتصر على حمل الشكاوى فقط، بل الحديث مع الشباب الذين لم يشاركوا في الثورة لحثهم على الانضمام إلينا، ونخطط للقيام بحملة تنظيف مترو الأنفاق من الداخل عن طريق إزالة الملصقات وتنظيم الدخول والخروج ودهان بعض أرصفة المحطات».