إيطاليا تلغي معاهدة الصداقة مع ليبيا وتعتبر أن القذافي ليس شريكا لها

أكدت رفضها شن عمليات عسكرية انطلاقا من أراضيها

متظاهرون ليبيون ضد القذافي يعتلون احدى الدبابات التي انشق عناصرها في وسط مدينة الزاوية أمس (رويترز)
TT

بعد انتقادات كثيرة وعلامات استفهام حول موقفها من الأزمة الراهنة في ليبيا، ألغت إيطاليا معاهدة الصداقة التي كانت تربطها مع ليبيا. واعتبر مراقبون أن هذا الموقف «المتأخر»، غير كاف لإنقاذ الشعب الليبي من القمع والتنكيل الذي يتخذه العقيد معمر القذافي ضدهم.

وقالت وزارة الخارجية الإيطالية أمس إنها لم تعد تعتبر حكومة العقيد معمر القذافي شريكا لها، مما دفعها إلى اتخاذ قرار إلغاء معاهدة الصداقة. مشيرة إلى أنه على الرغم من هذه القرارات، فإنها ترفض استخدام أراضيها لتنفيذ عملية عسكرية دولية ضد نظام القذافي.

وأوضح ألدو أماتي، وكيل الناطق الرسمي باسم الخارجية الإيطالية، «أنه ما من صلة بين قرار إلغاء معاهدة الصداقة، وإمكانية قيام قواعد حلف شمال الأطلسي والقواعد الأميركية الموجودة في إيطاليا بشن عملية عسكرية ضد القذافي».

وأعرب أماتي عن استعداد روما للمشاركة في أي نشاط إنساني يهدف لإيصال المساعدات إلى الشعب الليبي، لكنه قال إن بلاده تفضل أن يجرى ذلك تحت مظلة الأمم المتحدة أو الجامعة العربية، لعدم إثارة حساسيات مع الجانب الليبي الذي ظلت أراضيه مستعمرة إيطالية لفترة طويلة.

وعززت إيطاليا علاقتها مع ليبيا بعد توقيع معاهدة الصداقة بين البلدين في أغسطس (آب) 2008، التي أنهت رواسب أكثر من ثلاثين عاما من الاستعمار الإيطالي للبلاد (1911 – 1942). واعتذر رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني عن حقبة الاستعمار واتفق على تقديم روما 5 مليارات دولار استثمارات في ليبيا على مدار 20 عاما، ومنذ ذلك التاريخ، باتت إيطاليا الشريك التجاري الأول لليبيا.

وكانت حكومة برلسكوني قد ترددت، في البداية، في إدانة الثورة الليبية، التي انطلقت في 17 فبراير (شباط) الماضي، واتخذت مواقف وصفت بأنها تعبر عن حالة اللامبالاة تجاه مطالب الشعب الليبي المشروعة في التغيير والديمقراطية.

وأثار برلسكوني انتقادات شديدة الأسبوع الماضي عندما علق على الثورة الليبية بالقول: «إنه لا يريد إثارة قلق الزعيم الليبي في وسط التمرد». كما أبدى برلسكوني حذرا حول تعامله مع الأزمة، خاصة تجاه احتمال نفي العقيد القذافي. وقال في مقابلة نشرت مع صحيفة «أيل ميساجيرو»، إنه «من الأفضل الانتظار. يستحسن الآن عدم الدخول في تلك التفاصيل، ويجب أن نبدي الكثير من الحذر لأن الوضع في ليبيا لا يزال يتطور». وتابع «لدينا مصالح كثيرة في المنطقة، ونحن قريبون جغرافيا من ليبيا». مضيفا أنه «لا يخشى تدهور العلاقات بين روما وطرابلس في حال سقوط القذافي».

لكن إيطاليا تداركت هذا الموقف بعد أسبوع من الأزمة، ورفعت صوتها تدريجيا في الأيام الأخيرة، وأصدرت عدة تصريحات تتوافق مع الموقف الدولي تجاه الأحداث في ليبيا، حيث اعتبر وزير الخارجية الإيطالي فرانكو فراتيني الأحد الماضي أن نهاية حكم الزعيم الليبي معمر القذافي «أمر محتوم».

وفسر المراقبون هذا الموقف الإيطالي المتردد بأن حسابات روما ترى أن هذه الانتفاضة في ليبيا ستترتب عليها تداعيات قد تكون ثقيلة بالنسبة لإيطاليا، خاصة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية. وقال سياسيون إن تحفظ إيطاليا في البداية على فرض عقوبات على نظام القذافي، يرجع إلى أنها تخشى من احتمالات تقسيم ليبيا، أو ربما تحويلها إلى دولة إسلامية راديكالية على شاطئ البحر الأبيض المتوسط. وقبل كل شيء التهديد الأكبر لإيطاليا متمثل في هجرة اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين عبر الأراضي الليبية إليها. وهو ما اعتبر أن الموقف الإيطالي يفسر قلق روما عن كل شيء، ما عدا مصير الليبيين أنفسهم.

وعبر عن ذلك وزير الداخلية الإيطالي روبرتو ماروني، في نهاية الاجتماع الوزاري الأوروبي في بروكسل في 25 فبراير الماضي، بالقول «يتعين علينا أن لا نسمح لليبيا بأن تصبح من باب آخر أفغانستان القادمة لنا للتو».

وشكلت إيطاليا، المستعمر السابق لليبيا، شريكا استثماريا وتجاريا مهما بالنسبة للقذافي وعائلته، التي يملك أفرادها حصصا كبيرة في كبرى الشركات والمشاريع الإيطالية.

وتزود ليبيا إيطاليا بنحو 25 في المائة من احتياجاتها من النفط، بالإضافة إلى أن 12 في المائة من واردات إيطاليا من الغاز تأتي من ليبيا، ويملك صندوقها للثروة السيادية حصصا في بنك «يوني كريديت» أكبر بنك إيطالي، وشركات أخرى وشركة «إيني» النفطية الإيطالية (صاحبة أكبر أعمال في ليبيا). كما أن هيئة الاستثمار الليبية التي تأسست عام 2006، وتدير عائدات النفط الليبية تتركز استثماراتها في إيطاليا، بالإضافة إلى بريطانيا. ولعب القذافي أيضا دورا أساسيا في مساعدة إيطاليا في وقف المهاجرين غير الشرعيين الذين يحاولون الوصول إلى شواطئها، وتخشى روما الآن من نزوح ما يصل إلى 300 ألف شخص فروا من العنف.