كلينتون: نخشى تحول ليبيا إلى صومال كبير

قالت إن الحظر الجوي لا يزال بعيدا.. وشددت على دعم مصر دون التدخل في شؤونها

طفلة ليبية ترمي نسخة ممزقة من «الكتاب الاخضر» خلال مظاهرة مناوئة للقذافي في بنغازي (ا.ف. ب)
TT

حذرت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، أمس، من المخاطر الحالية في ليبيا ومستقبلها، قائلة إن ليبيا قد «تنزلق إلى وضع فوضوي». وأضافت أن ليبيا تواجه خطرا من أن تتحول إلى «صومال كبير»، في إشارة إلى افتقار الصومال إلى حكومة فعالة خلال العقدين الماضيين وتفشي عناصر تنظيم القاعدة فيها. وفي رد على استفسارات أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي حول التطورات في ليبيا، قالت كلينتون: «من بين أهم مصادر قلقنا هو أن تنزلق ليبيا إلى وضع فوضوي وتتحول إلى صومال كبير.. يبدو هذا الأمر بعيدا ولكنه مصدر قلق لنا». وأضافت أن عناصر كبيرة من تنظيم القاعدة في أفغانستان والعراق «جاءوا من ليبيا، وبخاصة شرق ليبيا».

وفي شهادة أمام لجنة العلاقات الخارجية لدى مجلس الشيوخ كررت كلينتون خطابها الذي قدمته إلى لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس النواب الأميركي، أول من أمس، قائلة: «انضممنا إلى الشعب الليبي بالقول بأن على (الرئيس الليبي العقيد معمر) القذافي أن يرحل الآن». وعبرت كلينتون عن «الترحيب بقرار تجميد عضوية ليبيا في مجلس حقوق الإنسان». وبينما تؤكد كلينتون مواصلة المشاورات مع حلفاء الولايات المتحدة حول التعامل مع الأوضاع في ليبيا، أقرت بأن التفكير في دور عسكري أميركي ما زال قائما من دون اتخاذ قرارات محددة.

وهناك نقاش داخلي شديد في الولايات المتحدة حول إمكانية فرض حظر جوي على ليبيا. وأصبح رئيس لجنة العلاقات الخارجية لدى مجلس النواب الأميركي السيناتور جون كيري أرفع مسؤول أميركي يطالب بالاستعداد لفرض الحظر الجوي. وقال في مستهل جلسة اللجنة: «فرض حظر جوي لم يعد مقترحا بعيد الأمد.. علينا أن نكون مستعدين لفرضه بناء على الضرورة». وأضاف كيري أن القذافي «فقد كل المصداقية»، ويجب أن تكون واشنطن واضحة بالمطالبة بنهاية نظامه.

وأكدت كلينتون أن «كل الخيارات مطروحة»، لكنها اعتبرت أن أي قرار حول فرض حظر جوي «ما زال بعيد الأمد». وعبرت كلينتون عن التعقيدات التي تواجه الإدارة الأميركية في اتخاذ قرار حول فرض الحظر الجوي، قائلة إن «القضية مثيرة للجدل». وأضافت أن هناك رفضا من الجامعة العربية والمعارضة الليبية «لأي تدخل خارجي في ليبيا، على الرغم من أن المعارضة تريد رحيل القذافي، لكنهم لا يريدون تدخلا خارجيا». وأضافت: «هناك الكثير من الحذر في ما يخص أي تحركات نقوم بها ما عدا دعم المساعدات الإنسانية، قد يكون هناك دور للمعدات العسكرية لتوصيل الموارد». وأكدت أن أي قرار لفرض حظر جوي أو تدخل عسكري غير معروفة نتائجه، موضحة «نحن لا نعرف تبعات ذلك، ولا نعرف العناصر (السياسية) في ليبيا، لقد فتحنا سفارتنا للمرة الأولى عام 2009»، وأكدت للكونغرس: «إنني أفهم الحذر والقيادة العسكرية تفعل أيضا».

ومن جهته، قال السيناتور بوب مانينديز إن على الولايات المتحدة بحث إمكانية محاكمة القذافي بتهمة إعطاء أمر تفجير طائرة «بان إم»، مضيفا أن «أي حكومة ليبية مقبلة، عندما نتواصل معها نطالب بالمتهم (عبد الباسط) المقرحي»، المتهم بتفجير الطائرة، الذي أطلقت سراحه السلطات الاسكوتلندية. وأجابت كلينتون: «لقد نقلنا القضية إلى مكتب المباحث الاتحادي (إف بي آي) وجهات أخرى، ولا يقتصر الأمر على القذافي بل على أعضاء آخرين في الحكومة الليبية.. نحن نبحث الخيارات المتاحة».

وكانت كلينتون أمام مجلس الشيوخ الأميركي للدفاع عن طلب وزارة الخارجية نحو 53 مليار دولار من الدعم للقيام بعملياتها خارج الولايات المتحدة. وشددت كلينتون على أهمية «عدم التراجع عن القيادة» والإنفاق على «المصادر لبناء الحلفاء الديمقراطيين»، التي تأتي على «حساب مصالحنا». وحذرت كلينتون أن «حيثما لا نوجد، يكون هناك آخرون في محلنا»، مشيرة بشكل خاص إلى إيران والصين. وقالت: «إيران نشطة جدا في أفريقيا والصين نشطة جدا أيضا في أفريقيا»، حيث يمكن التأثير على التطورات، وبخاصة في شمال أفريقيا. وأضافت: «نحن في منافسة شديدة مع الصين. لنكن واقعيين.. نحن نواجه منافسة حقيقية مع الصين.. إذا كان هناك أحد يتوقع أن تجاهلنا للقضايا بينما نحن نتنافس مع الصين وإيران لن يشكل تراجعا لنا، فهو مخطئ»، مشددة على أن «الحسابات الاستراتيجية» تستدعي وجودا أميركيا كبيرا حول العالم.

وطالب كيري بزيادة المساعدات للدول العربية في الفترة حالية، وبخاصة تونس ومصر. وقال: «يمكننا أن ندفع الآن أو سندفع ثمنا أغلى بكثير مستقبلا».

ولفتت كلينتون إلى أهمية دعم مصر، ولكن مع عدم التدخل في شؤونها الخاصة. وقالت: «الحكومة المصرية التي يقودها المجلس العسكري حذرة جدا في أخذ مساعدات خارجية، وهذه الرسالة التي وصلتنا وللأوروبيين». وأوضحت أن «هناك حذرا مصريا من عدم الظهور بأنهم يتلقون التعليمات من قوى خارجية».

وفي إشارة إلى طلب إدارة أوباما تخصيص 150 مليون دولار لدعم الاقتصاد المصري، قالت كلينتون: «نريد استخدام بعض الأموال لمساعدة تعافي الاقتصاد المصري، ولدينا برنامج للتواصل مع الشباب المصري وضمن برامج التواصل معهم ومع غيرهم من الشباب في دول إسلامية من أجل مساعدتهم في ريادة الأعمال». وتابعت: «نحن نحاول في مساعدة المصريين، لأن هذا التغيير كان بأيد مصرية وقيادة مصرية، التغييرات الدستورية والتشريعية والاستعداد للانتخابات أمور تستغرق وقتا للاستعداد إلى انتخابات تكون لها فرصة للخروج بنتيجة ديمقراطية». وأضافت: «نحن أوضحنا أن انتخابات لمرة واحدة ليست كافية، هناك الكثير من الأضواء المحذرة التي يرفعها المصريون والولايات المتحدة مستعدة للمساعدة». ومن جهة أخرى، شددت كلينتون على أهمية دعم العراق، قائلة: «ما نأمل أن يحدث في مصر وتونس وليبيا يقع في العراق الآن، وعلينا دعمه». وأضافت: «السؤال الذي في نفس الأهمية، إذا كانت مصر وتونس ستصبحان ديمقراطيتين، هو: هل سيبقى العراق بلدا ديمقراطيا؟ هل سيحمي الديمقراطية فيه؟ وما تأثير إيران على العراق؟»، لافتة إلى المصلحة الاستراتيجية في العراق. وتحدثت كلينتون مطولا عن أهمية عدم التنازل عن ما تم تحقيقه في العراق، مؤكدة أن حكومة بغداد لم تطلب بعد تمديد وجود القوات الأميركية في العراق بعد انتهاء صلاحية الاتفاقية الأمنية نهاية العام الحالي.

ومن جهته، عدد السيناتور ديك لوغر التحديات أمام الولايات المتحدة، منها الحرب في أفغانستان وفرض الاستقرار في العراق، بالإضافة إلى «إننا نسعى إلى منع إيران من الحصول على سلاح نووي من برنامجها النووي»، وأوضح أن ذلك يأتي في وقت تشهد الولايات المتحدة «إعادة تشكيل الشرق الأوسط بنتائج غير معلومة.. التوقعات البعيدة الأمد ستكون أفضل في المنطقة». وأضاف: «الوضع في ليبيا والشرق الأوسط يظهر أن وزارة الخارجية يجب أن تعمل أبعد من التعامل فقط مع الحالات الطارئة». وحدد 3 أولويات، أولاها تأمين مصادر الطاقة، حيث قال إن «العرقلة في النفط من ليبيا أثر على أسعار النفط في العالم، الأسعار المتقلبة تهديد لتعافي الاقتصاد الأميركي»، مضيفا: «نحن نعيش في وضع ضعف شديد من التعثر في الحصول على الموارد النفطية». وأضاف أن الأولوية الثانية «منع انتشار الأسلحة النووية، فوزارة الخارجية تلعب دورا أساسيا لمعالجة خطر السلاح النووي، زعزعة الاستقرار في النظام أينما حدث قد يؤدي إلى أطراف تحاول الاستفادة من نقل تقنيات الأسلحة النووية». أما التحدي الثالث الذي قال إنه يتفاقم فهو «معالجة نقص الأغذية، والاضطرابات في تصاعد أسعار الغذاء».

وكان سؤال كيري الأول لكلينتون حول مقتل وزير الأقليات الباكستاني شباز باتي، وقالت: «هذا هجوم ليس فقط على شخص واحد بل على مبادئ التسامح كلها». وأضافت: «عدم التسامح الذي نراه للأقليات في المنطقة.. الهجوم على المسيحيين في العراق والأقباط في مصر مصدر قلق كبير، يسير ضد مبادئنا، وسنعمل كل ما في مقدورنا للدفاع عن مبادئ حرية العبادة».

وفي ما يخص لبنان، قالت كلينتون إن الإدارة الأميركية تنتظر تشكيل الحكومة لمعرفة كيفية التعامل معها. وقالت: «الحكومة لم تشكل بعد. بعد أن تشكل سنقيم تصرفاتها وعملها وتأثير حزب الله عليها. علينا أن نواصل التخطيط كي نكون جاهزين إذا كانت هناك فرصة للعمل معها». ولكنها أكدت أنه يجب «مواصلة الجيش اللبناني.. إنه مؤسسة غير طائفية وتدعم قرار مجلس الأمن 1701 وتتعاون مع مهمة الأمم المتحدة في الجنوب». وأضافت: «نقلق من أنه إذا لم تواصل الولايات المتحدة دعم القوات اللبنانية فستتراجع قدراتها، وقد تتراجع الأوضاع الأمنية في جنوب البلاد». ولفتت إلى أن «علاقاتنا القوية مع الجيش المصري خدمتنا جيدا، وأظن أن الأمر نفسه في لبنان أيضا».