سباق مع الزمن لنقل الفارين وتأمين قوافل الإغاثة إلى ليبيا

صحافي يروي رحلته مع قافلة مساعدات مصرية إلى ليبيا

ليبيون معارضون على متن دبابة على بعد 5 كيلومترات من مدينة أجدابيا أمس (إ.ب.أ)
TT

أمام مسجد رابعة العدوية بضاحية مدينة نصر بالقاهرة، كان المشهد حماسيا للغاية، فمئات الشباب من الجنسين تجمعوا لتعبئة آلاف الكراتين المحملة بالأدوية المختلفة والمستلزمات الطبية جرى شراؤها عبر التبرعات النقدية الكبيرة المجمعة منذ انطلاق حملة «مصريون وندعم ليبيا».. اصطف العشرات من الشباب لتحميل العربات الثقيلة وتجهيزها للسفر إلى السلوم ومنها إلى الأراضي الليبية، وبجانب تلك المساعدات جهز القائمون على القافلة الإنسانية قوافل أخرى بشرية من الشباب، خاصة الأطباء والصيادلة للمساعدة في المستشفيات الليبية.

رافقت هذه القافلة التي انطلقت في رحلتها مساء الخميس 24 فبراير (شباط) الماضي، والتي تعد الأولى في رحلتها إلى مدينة السلوم المصرية (650 كم غرب القاهرة)، على الحدود الليبية، والتي توافد عليها مئات الناشطين والمتطوعين المصريين، لنقل المساعدات الإنسانية التي بدأ المصريون في جمعها منذ بداية الأسبوع الماضي.

وكانت دعوات كثيرة قد خرجت من القاهرة وانتشرت على «فيس بوك» لتسيير قوافل تحمل مساعدات إنسانية من أغذية ومستلزمات طبية مختلفة للشعب الليبي الذي يتعرض لكارثة إنسانية منذ اندلاع المظاهرات والاحتجاجات الشعبية ضد حكم العقيد معمر القذافي وما تلاها من استخدام القوة ضد تلك المظاهرات.

تكونت القافلة من ميكروباص مؤجر يحمل 15 شابا من الأطباء وغيرهم، بجانب سيارتين ملاكي تحملان ثمانية شباب، وقد قطعنا المسافة بين القاهرة والسلوم في نحو تسع ساعات ونصف الساعة، تخللتها لحظات من الرعب عندما انفجر أحد إطارات سيارات القافلة في الرابعة فجرا قبالة مدينة الضبعة على طريق الإسكندرية - مرسى مطروح، وسط ظلام حالك وفي غياب تام لأي خدمات على الطريق، إلا أن البدو تطوعوا بإصلاحها دون أي مقابل. استيقظ الشيخ محمد، قائد اللجنة الشعبية بالضبعة وصاحب أحد محلات الكاوتش، وأصر على موقفه قائلا: «إذا كنتم قطعتم كل تلك المسافة من أجل إخوانكم في ليبيا فنحن لسنا أقل وطنية منكم».

امتلأ الطريق القادم من السلوم بمئات الحافلات المحملة بأمتعة الركاب الفارين من ليبيا، وفي اتجاه السلوم كانت عشرات الحافلات الأخرى تسارع الوقت لتلحق بالمصريين وتعيدهم إلى ذويهم.

وصلنا مدينة السلوم في التاسعة صباحا. المدينة الصغيرة التي تعد آخر نقطة في التراب المصري كانت على غير عادتها مليئة بالكثير من الزوار الذين جاءوا من القاهرة والإسكندرية، حاملين مساعدات إنسانية، أو كصحافيين لتغطية الأحداث. وكان لافتا أن أهل السلوم أظهروا الكرم الحقيقي للبدو في استقبال زائريهم ووفروا لنا كل ما نريد. وغصت المدينة بمئات الأجانب من الدبلوماسيين والعاملين بالسفارات الأجنبية بالقاهرة جاءوا لتخليص رعاياهم المحتجزين بالمعبر، إلى جانب العشرات من الصحافيين الأجانب.

أهل السلوم الذين تحدثت إليهم أبدوا تضامنهم الكبير مع أهلهم في ليبيا، على حد قولهم، فأكد عبد الرحمن، صاحب مقهى، على قوة العلاقات الإنسانية مع أهل مساعد أقرب المدن الليبية للسلوم. واستوقفنا رجل عجوز ليدعو لنا بالخير، إلا أن بعضهم لم يظهر تعاطفا مع الأحداث في ليبيا، مثل صفي، صاحب محل هواتف جوالة، الذي ساعدنا في شحن بطاريات هواتفنا، فقد أكد أن الليبيين بمدينة مساعد (40 كيلومترا غرب السلوم) استغلوا وضعهم السيئ أثناء الثورة المصرية، وقاموا برفع أسعار كل السلع التي اشتراها منهم أهل السلوم إبان النقص الحاد في السلع.

تحركنا في تمام الحادية عشرة صباحا صوب هضبة السلوم، حيث معبر السلوم والحدود مع ليبيا.. الطريق إلى المعبر جبلي شديد الخطورة، ومع نهايته يقيم الهلال الأحمر المصري معسكراته لإيواء المصابين وتقديم الأغذية والأدوية للمحتاجين، بينما أكد أحد المساعدين الطبيين بالمعسكر أن هناك جثثا لمصريين عادوا مقتولين من ليبيا وإحداها كانت مشنوقة.

أقام الجيش المصري نقطتين للتفتيش قبل المعبر، للتأكد من هوية العابرين. مع وصولنا للمعبر لاحظنا الفوضى الكبيرة في المكان، ولكن الجيش المصري بدا وكأنه يفرض سيطرته على المكان ولكن الحقيقة أن الهلع والخوف كان المسيطر الأول على كل المعبر. قبل دخولنا للمعبر كان هناك ما يقرب من 40 أتوبيسا خاصا بسفارة كوريا الجنوبية امتلأت عن آخرها برعايا كوريين خرجوا من الجحيم، كما قال لي أحدهم وهو يشير بعلامة النصر.

بعد اجتيازنا المعبر إلى المنطقة الفاصلة بين المعبرين، شاهدنا الآلاف من الأجانب العالقين في المعبر بانتظار سفاراتهم للمساعدة في توفير وسائل النقل لهم.

افترش الأرض 4 نحو آلاف تايلاندي في أحد جوانب المنطقة الفاصلة بانتظار مندوب سفاراتهم، أحدهم قال لي إنهم هنا منذ 4 أيام، وقد جاءوا من بني غازي في 3 أيام دون أن يتناولوا أي طعام، وفي أحد الجوانب الأخرى كان هناك مئات الغانيين، منتظرين الفرج كذلك، كما قال لي محمد إبراهيم، وهو سائق غاني هرب من القصف الشديد، على حد قوله. وقد أكد أنه تعرض لمحاولة قتل من الثوار بعد أن ظنوه من المرتزقة.

وبينما يرقد مئات العاملين الأجانب من تايلاند وغانا ودول أخرى في انتظار مندوبي سفاراتهم، فإن دبلوماسيين من سفارتي المملكة المتحدة وهولندا وصلوا للمعبر قبل أن يصل رعاياهم من أجل سرعة الانتهاء من إجراءات خروجهم من المعبر. كذلك كان هناك وجود مكثف للسفارة العراقية، على الرغم من تأكيد أحد مندوبيها أنه لا معلومات لديهم عن وجود عراقيين بليبيا، ولكنه جاء من أجل مساعدة أي عراقي يظهر.

يوجد في المعبر كذلك نحو مائة شاب مصري يحاولون إنهاء إجراءات دخولهم الأراضي الليبية، ولكن السلطات المصرية قررت أن الدخول لن يكون إلا للأطباء وبشرط وجود جواز السفر، وهو ما أحبط الكثيرين الذين قرروا معاودة المحاولة في اليوم التالي.

بدأ الكثيرون منهم في تغيير العملات مع الشباب الغاني، وقد اتفق الجميع على أن الدينار الليبي يساوي جنيهين ونصف الجنيه، البعض أيضا بدأ في شراء خطوط تليفون ليبية لاستخدامها لاحقا. عملية تغيير العملة لم تقتصر على الفارين من ليبيا والمتطلعين للدخول لمساعدة الشعب الليبي، فشارك فيها أيضا رجل حرص على جمع أكبر كمية ممكنة من الدينارات الليبية لعل وعسى ترتفع قيمتها مجددا.

محمد أحمد، طالب بالسنة الثانية في كلية الطب، بدا متأثرا وهو يقول: «لقد قطعنا كل تلك المسافة لنساعد الشعب الليبي، لا لنجلس في المعبر بانتظار الأوامر، سأحاول غدا وسأصل لبني غازي»، بينما وصلت إلينا معلومات تفيد بأن مستشفيات بني غازي مليئة بالمصابين وخالية من الأطباء.

الدكتور خالد قنديل، أحد منظمي دخول الأطباء، أكد أن إجراءات الدخول أصبحت أصعب، لأننا فقدنا الاتصال بعشرات ممن اجتازوا الحدود بالأمس (الخميس 24 فبراير)، ونخشى على الشباب من المخاطرة بأنفسهم.

حاولت التحدث مع المصريين العائدين، ولكن وضعهم كان صعبا للغاية، والوحيد الذي تحدث أكد لي أنه خرج من طرابلس منذ 4 أيام وأنه فقد ابن عمه في الطريق، ولا يدري إن كان حيا أم لا.

أحد أفراد القوات المسلحة برتبة عميد أكد أنه لم ير في حياته وضعا إنسانيا أصعب من ذلك حتى في حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973.

وقبل الغروب بساعة تقريبا كنا قد بدأنا رحلة العودة للسلوم، وهي الرحلة التي حملت كل المحبطين من عدم الدخول لليبيا.

الوضع في السلوم أصبح أكثر هدوءا مع رحيل العشرات من الزائرين. ولكن أزمة أخرى كانت قد بدأت، فالمدينة المسالمة التي تنام قبل السابعة مساء لم يكن بها سوى فندقين وصل سعر السرير بأحدهما إلى 100 جنيه مصري، ولكننا قضينا ليلتنا في فندق أرخص كثيرا.. أما رحلة العودة إلى القاهرة فكانت أسهل بعض الشيء وإن استغرقت 8 ساعات فقط.