رشيد محمد رشيد: إذا عدت الآن سأودع السجن

خرج من مصر إلى دبي قبل 10 أيام من تنحي مبارك بمساعدة خاصة من عمر سليمان

TT

قبل شهر، كان رشيد محمد رشيد أحد أكثر السياسيين نفوذا في مصر. وكوزير للتجارة والصناعة زار دولا كثيرة في مختلف أنحاء العالم لجذب المستثمرين الأجانب، وكان له خط اتصال مباشر مع حسني مبارك، الرئيس السابق، كما كان يعد أحد أكثر الشخصيات المصرية احتراما في الخارج.

ولكن اليوم، يجلس رجل الأعمال، الذي تحول إلى العمل السياسي، في منفي يكتنفه الغموض داخل شقة فارهة في دبي بعد أن خرج من مصر على متن طائرة خاصة مستأجرة مع بدء انهيار نظام مبارك في مصر. وهو مطلوب داخل وطنه بسبب تهم بالضلوع في فساد، ويقول إنه قلق على مستقبله الشخصي، وكذا يشعر بالقلق على مستقبل مصر.

قال رشيد (55 عاما) خلال مقابلة أجريت معه، ارتدى خلال سترة رياضية وحذاء رياضيا يحمل علامة «نايك»: «إذا عدت الآن، سأودع السجن. هذا الوضع أشبه بالكابوس». وخلال هذه المقابلة رد على مكالمات من زملائه نقلت أيضا مشاعر قلق شديد.

خرج رشيد من مصر في 1 فبراير (شباط)، أي قبل عشرة أيام من تنحية مبارك. وكان قد استقال مع أعضاء آخرين في مجلس الوزراء قبل ذلك بثلاثة أيام بناء على طلب مبارك، حين كان مبارك يسعى إلى تجنب ضغوط المتظاهرين.

وبعد رحيله، تم تجميد أصول رشيد في مصر، ومنع من ترك البلاد، بعد أن تركها بالفعل. وبعض من ألقي القبض عليهم في مصر مؤخرا زملاء سابقون، من ضمنهم وزير الإسكان السابق ورئيس هيئة التنمية الصناعية. وقد ذهب بهؤلاء للمحكمة في ملابس السجن البيضاء وركبوا سيارة تجمهر حولها متظاهرون، في مشهد أظهر شعورا بالسخط على الأثرياء لدى كثيرين داخل مصر.

قال رشيد، الذي توجد زوجته وابنتاه أيضا خارج مصر، إنه غادر في الأساس لأسباب عائلية في وقت انهار فيه الوضع الأمني في القاهرة. وأضاف أنه تلقى مساعدة من رئيس المخابرات العامة المصرية عمر سليمان الذي ضمن خروج طائرة رشيد الخاصة من القاهرة إلى مدينة الإسكندرية الساحلية لاصطحاب ابنته ومن ثم الطيران إلى دبي، قبل وقت قصير من إلقاء القبض على رجال أعمال بارزين ومسؤولين حكوميين بسبب تهم بالضلوع في أعمال فساد.

وأكد رشيد أن عائلته «كانت في هلع»، بمن فيهم زوجته وابنة له داخل الولايات المتحدة الأميركية وابنة أخرى في دبي، وأضاف: «كنا جميعا في هلع بسبب الوضع الأمني».

ويعتبر رحيل رشيد وإلقاء القبض على بعض رجال الأعمال أخيرا انتصارا للمحتجين المصريين الذين سعوا إلى إسقاط مبارك ومعاقبة الذين تربحوا من وراء حكمه. ولكن بعض الخبراء ومسؤولين أميركيين سابقين قالوا إن التخلص من النخب المهنية قد يهدد الإصلاح المالي داخل مصر ويجعل التحول للديمقراطية أكثر صعوبة.

وقبل تعيينه في منصب وزير التجارة والصناعة، كان رشيد مسؤولا عن عمليات منطقة الشرق الأوسط بمؤسسة «يونيليفر» العالمية. ودرس رشيد الإدارة في هارفارد وستانفورد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.

وفي 25 يناير (كانون الثاني) عندما تجمع المتظاهرون لأول مرة في ميدان التحرير، كان رشيد في روما لاجتماع مع مسؤولين إيطاليين في طريقه إلى منتدى دافوس الاقتصادي في سويسرا. قال إنه بناء على نصيحة أصدقاء، ترك منتدى دافوس وعاد إلى القاهرة.

ورفض مسؤولون أميركيون سابقون وحاليون الإدعاءات حول ضلوع رشيد في قضايا فساد، وهو رأي تراه أيضا بعض القيادات المصرية في قطاع الأعمال. ويقول البعض إنه من نوعية القادة الذين ستحتاج إليهم مصر وهي ترسم لنفسها طريقا جديدا.

وقالت هالة البرقوقي، مستشارة استثمارات ومصرفية مصرية: «انطباعي عن رشيد أنه يعتبر على نطاق واسع رجلا نزيها». وأضافت أنها تخشى من أن التغطية الإعلامية المكثفة للاعتقالات والتحقيقات الجارية مع رجال الأعمال قد «تؤثر بالسلب على القطاع الخاص» الذي يمثل أكثر من ثلثي الاقتصاد المصري.

وقال رشيد إن إلقاء القبض على زملائه السابقين أثر عليه كثيرا، وقال إن وزير الإسكان السابق أحمد المغربي أحد «أكثر الأفراد احتراما في الشرق الأوسط». ونوه بأن عمرو محمد عسل، الذي كان رئيسا لهيئة التنمية الصناعية، «لم يكن يوقع على وثيقة من دون أن يراجعها ستة مستشارين على الأقل». وقال إنه لم يحابِ أمثال أحمد عز، القطب البارز الذي يحقق مدعون حاليا في رخصة حديد حصل عليها تحت سمع وبصر رشيد.

وقال رشيد إن المواطن المصري العادي لم يستفد بالقدر الكافي من الإصلاحات الاقتصادية التي عمل على صياغتها، وإن الحكومة التي عمل فيها لم تقم بما يكفي لجعل الساحة السياسية مفتوحة أمام الجميع. ولم تأت النتائج سريعة بما فيه الكفاية بالنسبة لغالبية المصريين، الذين يعيش كثيرون منهم على أقل من دولارين يوميا.

ولكنه تحدث عن نجاحات سياسية إبان فترته في الوزارة؛ من بينها خلق 4 ملايين وظيفة جديدة خلال خمسة أعوام ونصف، وعقد اتفاقيات مع تركيا والبرازيل والأرجنتين، والمئات من المصانع الجديدة، وزيادة حادة في الصادرات.

ويعلق رشيد قائلا: «الواقع في النهاية أن لديك اقتصادا ينمو، ولا أحد يستطيع المراء في ذلك». وأضاف: «الآن عندما تشاهد التلفزيون المصري وتسمع المسؤولين المصريين، فإنهم يقولون إن هذا لم يكن موجودا في يوم من الأيام. ولكن أستطيع أن أقول إنه حتى عندما رحلت الحكومة السابقة، كانت مصادر تمويلنا في وضع جيد».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»