دبلوماسي إسرائيلي كبير يستقيل لأول مرة لعجزه عن تبرير سياسة نتنياهو وليبرمان

حمل الحكومة مسؤولية جمود عملية السلام والتنكر لمبادرة السلام العربية

TT

في الوقت الذي يواصل فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، التستر على وزير خارجيته، أفيغدور ليبرمان، في سياسة العربدة والبحث عن وسيلة للتملص من العزلة الدولية، صدم أمس بنبأ استقالة أحد أقدم السفراء الإسرائيليين في الخارج، احتجاجا على السياسة الخارجية، مؤكدا أنه لم يعد قادرا على تفسير هذه السياسة في العالم، ويشعر بأنه بات يكذب على نفسه. ودعا إلى التعاطي الإيجابي مع مبادرة السلام العربية.

والسفير المستقيل هو إيلان باروخ، الذي يخدم في السلك الدبلوماسي الإسرائيلي منذ 36 سنة، ويعتبر سفيرا فوق العادة وواحدا من كبار الموظفين. وهو الذي أسس دائرة الاستخبارات والبحوث في وزارة الخارجية. وكان له دور في مفاوضات أوسلو السرية. وهو مشهور في الكثير من دول العالم، بأنه بعين واحدة، حيث إنه كان قد فقد إحدى عينيه خلال حرب الاستنزاف مع مصر في مطلع السبعينات وهو يغطي عينه المصابة بعصبة سوداء مثل وزير الدفاع الأسبق موشيه ديان. وقد استقال باروخ وكتب رسالة تفصيلية يشرح فيها السبب، فقال إنه لم يعد ممكنا للدبلوماسيين الإسرائيليين أن يشرحوا للعالم سياسة حكومتهم. وأعلن أنه سيكرس نفسه من الآن لتعريف المجتمع اليهودي على حقيقة مواقف العرب، التي يعتبرها إيجابية.

ويكتب السفير المستقيل أن نتنياهو يدير سياسة متعمدة في تناقضها مع التوصل إلى سلام مع الفلسطينيين. وهذه السياسة تسببت في جمود المفاوضات. ويدعو نتنياهو إلى التعلم من تجربة نظام الأبرتهايد (الحكم العنصري) في جنوب أفريقيا. وأن يدرس تاريخ مناحيم بيغن، الذي غير مواقفه الأساسية ووافق على الانسحاب من سيناء كاملة حتى يحقق للشعب الإسرائيلي سلاما مع مصر.

ويضيف باروخ: «خلال السنين الطويلة، وجدت دائما الطريق المناسب في شرح سياسة إسرائيل، حتى لو لم أكن راضيا شخصيا عن بعض جوانبها. ولكن في السنتين الأخيرتين، لم أعد أستطع ذلك. فهذه السياسة تثيرني واستقامتي الشخصية تمنعني من الاستمرار في شرحها للدبلوماسيين الذين يعملون معي أو للأجانب. فحكومة نتنياهو الحالية، مثل حكومته الأولى (من سنة 1996 وحتى 1999)، تتسم بالجمود وتخرب في مبدأ الدولتين للشعبين وفي الجهود المبذولة لإنهاء الصراع. ويعدد باروخ الاتفاقيات الإسرائيلية - الفلسطينية التي تنكرت لها حكومة نتنياهو، مثل اتفاق أنابوليس والانسحاب من أراض أخرى في الضفة الغربية وتجاهل خريطة الطريق وتتنكر لمبادرة السلام العربية. وأكد أن هذه السياسة أدت إلى وضع مرضي يهدد مصالح إسرائيل.

ورفض باروخ الفرية الإسرائيلية بأنه لا يوجد في الطرف الفلسطيني شريك لإسرائيل في عملية السلام، وقال إنه شخصيا يعرف الموضوع عن قرب ويعرف أن القيادة الفلسطينية معنية بشكل حقيقي بالسلام، إذا كان على أساس إقامة دولة فلسطينية طبيعية على أساس حدود 1967، وهم مستعدون لتقديم تنازلات لا تتناقض مع هذا المبدأ. وقال إن هذه الحكومة لا تدرك ما هي الفوائد التي تجنيها إسرائيل من السلام مع الفلسطينيين؟ وكيف ستؤثر على مجمل الأوضاع في الشرق الأوسط؟ وحتى على التقدم في السلام مع سورية. وقال إنه لا يتجاهل وجود إرهاب فلسطيني أثر بشكل سلبي، ولكنه رفض اعتبار هذا سببا أساسيا، وقال إنه كمواطن إسرائيلي صهيوني ووطني يهمه أن تكون حكومته سائرة في الطريق الصحيح.

من جهة ثانية، يواصل نتنياهو جهوده للتملص من الضغوط الدولية الشديدة على سياسته. وحسب صحيفة «هآرتس»، فإنه ينوي تغيير سياسته بشكل استراتيجي، وذلك بطرح مشروع لتسوية مرحلية مع الفلسطينيين ينسحب بموجبها من نحو نصف الضفة الغربية ويبدأ مفاوضات حول القضايا الجوهرية في الصراع.

وقالت الصحيفة إن نتنياهو قال للمقربين منه إن الفلسطينيين غير مؤهلين اليوم لعملية سلام شاملة بسبب الأوضاع الجديدة في العالم العربي، ولكنه يريد تجربة إمكانية إحداث اختراق في عملية السلام. والاقتراح الذي يطرحه هو تسوية مرحلية تتضمن إقامة دولة فلسطينية في حدود مؤقتة، وفي نفس الوقت التفاوض حول برنامج تفصيلي للتقدم في مفاوضات التسوية الدائمة.

يذكر أن نتنياهو كان قد قرر مقاطعة اجتماع اللجنة الرباعية الدولية، التي ستبدأ اليوم في بروكسل، للبحث في تسوية القضايا الجوهرية للصراع. فلم يرسل رئيس وفد المفاوضات. ولذلك، فإن مراقبين في تل أبيب قالوا إن مشروعه محاولة بائسة للالتفاف على الجهود الدولية.