«البريقة».. مجمع البتروكيماويات الأول ومقصد هواة صيد الغزلان

شهدت معارك لإثبات السيطرة السياسية والاقتصادية

TT

رغم تضارب الأنباء على الجهة التي تحكم قبضتها على مدينة «البريقة» شرق ليبيا، بين القوات الليبية الموالية للزعيم الليبي العقيد معمر القذافي والثوار، واستمرار المعارك بها منذ أول من أمس بين كر وفر بين الجانبين، إلا أن المشهد داخلها يعد تطورا خطيرا، كونها مجمع البتروكيماويات الرئيسي في ليبيا.

فمرسى البريقة أو البريقة، هو ميناء ومنطقة صناعية نفطية تقع في خليج سرت، في أقصى نقطة جنوب البحر المتوسط، وتبعد عن إجدابيا التي تتبعها بنحو 75 كلم، ونحو 600 كلم شرق العاصمة طرابلس.

اكتسبت المدينة أهمية خاصة مع عام 1960، بعد أن تم اختيارها كمحطة وصول لأنبوب النفط الواصل من حقل زلطن النفطي في شرق ليبيا والذي يبعد عنها 169 كلم نحو الجنوب، وإنشاء مصفاة مرسى بريقة النفطية. وخلال عقدي الستينات والسبعينات كانت هذه المصفاة تدار بشراكة رئيسية مع شركة النفط الإيطالية العملاقة «إيسو»، لكن في أوائل الثمانينات غادرت «إيسو» لتتولى شركة «سرت للنفط والغاز» - التي تعتبر شركة تابعة للمؤسسة الوطنية للنفط المملوكة للدولة الليبية - كامل المسؤولية عن المصفاة، والتي تبلغ طاقتها التكريرية القصوى نحو 200 ألف برميل من النفط يوميا، لكن العقوبات الدولية خفضت إنتاجها الفعلي إلى نحو 18 ألف برميل نفط يوميا.

تاريخ المدينة يدل عليه الآثار البسيطة الموجودة بها التي تشير إلى بعض المستوطنات البشرية التي تواجدت بالمنطقة في فترات زمنية مختلفة، فعلى ساحل البحر يوجد ميناء صغير يحيط به سور به عدة غرف محفورة في الصخر، يرجع تاريخه إلى العصر الروماني ويسمى بقصر بوقرادة أو بورديم حسب التسمية العلمية. كما يوجد بالمنطقة عدة آثار من المباني الصغيرة يبدو أنها كانت عبارة عن مزارع ترتبط بالميناء، كما يوجد في الجنوب منها بنحو 6 كلم بناء حجري مربع الشكل يسمى قصر العطالات، وتم بناؤه في العصر الفاطمي إبان انتقال الخلافة الفاطمية من تونس إلى مصر زمن المعز لدين الله الفاطمي.

بينما تحولت البريقة في العقود التالية إلى سوق صغيرة للمواشي يتجمع فيها سكان الأرياف المجاورة الذين يعملون في رعي الإبل والأغنام، وبعد الاحتلال الإيطالي لليبيا حاولت القوات الإيطالية احتلالها، إلا أنها تعرضت لهزيمة نكراء في معركة «بئر بلال» يوم 10 يونيو (حزيران) 1923 ومعركة البريقة يوم 11 يونيو، ولم تستطع القوات الإيطالية احتلال البريقة إلا عام 1928 حيث حولتها إلى معتقل زجت فيه بسكان منطقة الجبل الأخضر وطبرق والمناطق المجاورة للبريقة، ولا تزال قبور الضحايا شاهدة على تلك الأيام الصعبة التي تعرض لها السكان الأبرياء.

تمتاز البريقة بالبنية التحتية الجيدة من طرق وكهرباء وصرف صحي وخدمات نظافة، كما تضم عددا من المنشآت الأخرى والأماكن الحيوية، حيث تضم عدة مصانع للغاز والأمونيا والميثانول وسماد اليوريا، بالإضافة إلى محطة كبس الغاز المتوجه إلى بنغازي وطرابلس. إلى جانب عدة منشآت أخرى مثل مطار البريقة الذي يسير رحلات يومية إلى طرابلس، والحقول التابعة لشركة «سرت»، والميناء التجاري والميناء النفطي، كما توجد وحدات سكنية خاصة بالعمال في قطاع النفط يزيد عددها عن ألف وحدة سكنية.

كذلك توجد المنطقة السكنية النموذجية في البريقة والمسماة بالبريقة الجديدة، ويبلغ عدد المساكن بها 3 آلاف منزل وتبعد عدة أميال نحو الشمال الشرقي من المصفاة الرئيسية لتكرير النفط.

وتمتلك البريقة ساحلا جميلا على البحر المتوسط يرتاده سكان المنطقة في فصل الصيف، أما في فصل الربيع فإن الأرض تكتسي باللون الأخضر ويكثر معها الرحلات إلى الأودية والتلال المحيطة بالمنطقة، ويمارس أبناء هذه المنطقة هواية صيد الصقور والأرانب والغزلان.

وشهد المنطقة في يناير (كانون الثاني) 2000 تحطم طائرة سويسرية خاصة من طراز «فوكر 23» مؤجرة من قبل شركة «سرت للنفط» كانت تقل 38 شخصا من العاملين في مجال النفط من جنسيات متعددة، بينهم كندية وهندية وكرواتية، قادمة من طرابلس بسبب تعطل كلا المحركين في الجو أثناء طقس شتوي عاصف لتسقط في البحر مباشرة وعلى بعد 4 أميال من مطار البريقة، تسبب الحادث في مقتل 21 شخصا فيما أصيب 17 آخرون. وبعد سنوات من المداولات في محاكم البريقة وإجدابيا، حكم بمسؤولية قائدي الطائرة عن الحادث وحكم عليهما بالحبس 6 أشهر في سبتمبر (أيلول) 2007.