الخلاف حول تدخل عسكري محتمل في ليبيا يخيم على واشنطن

أصوات في الكونغرس وداخل الإدارة الأميركية ترى أن أوباما يتحرك ببطء شديد

معارضون ليبيون يرفعون شارة النصر وأعلام الثورة في راس لانوف لتأكيد سيطرتهم عليها أمس (أ.ب)
TT

بعد نحو ثلاثة أسابيع من اندلاع الأحداث التي قد تتحول إلى حرب أهلية طويلة، أصبحت سياسة التدخل العسكري للتعجيل بخلع العقيد معمر القذافي أكثر تعقيدا اليوم، سواء بالنسبة إلى البيت الأبيض أو الجمهوريين. وحاول الرئيس باراك أوباما، الذي ظهر صباح يوم الاثنين مع رئيس الوزراء الأسترالي، زيادة الضغط على العقيد القذافي من خلال التحدث عن «مجموعة من الاحتمالات تشمل خيارات عسكرية» ضد القائد الليبي المحاصر.

وعلى الرغم من تصريح أوباما، تشير المقابلات التي أجريت مع مسؤولين عسكريين ومسؤولين آخرين في الإدارة الأميركية إلى مخاطر تدخل عسكري أميركي في ليبيا بعضها مرحلي وبعضها سياسي. ومن أكثر مباعث قلق الرئيس نفسه، بحسب أحد مساعديه رفيعي المستوى، اعتقاد أن الولايات المتحدة سوف تتدخل مرة أخرى في الشرق الأوسط، الذي أطاحت بعدد من زعماء دول به كان من ضمنهم صدام حسين. وزعم بعض المنتقدين لنهج الولايات المتحدة في المنطقة وبعض القادة أن هناك مؤامرة غربية لإذكاء نيران الثورات التي تجتاح الشرق الأوسط. وقال مسؤول رفيع المستوى في إشارة إلى الرئيس: «إنه يذكرنا بأن أفضل الثورات هي المتناسقة». وفي الوقت ذاته، هناك أصوات مثابرة لحوحة في الكونغرس وحتى داخل الإدارة، ترى أن أوباما يتحرك ببطء شديد. ويزعم هؤلاء أن هناك قلقا بالغا إزاء المفاهيم، ويشيرون إلى الموقف المتحفظ للبيت الأبيض بسبب العراق. كذلك يقولون إن الجيش، الذي تورط في حربين عسيرتين، بالغ في تقدير مخاطر فرض حظر جوي على ليبيا، وقد تمت مناقشة هذا الإجراء كثيرا. كذلك يتشكك الجيش الأميركي من المواقف الإنسانية التي تعرض حياة القوات إلى الخطر بسبب قضية الساعة، بينما لا تمثل تلك القضية أهمية قومية كبيرة. ويبدو أن لبعض المنتقدين مصالح سياسية، في حين يحذر البعض الآخر مثل جون كيري، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، الذي يعد أقرب حلفاء أوباما، من تكرار الأخطاء التي ارتكبت في كردستان العراق ورواندا والبوسنة والهرسك من خلال عدم التدخل ووضع حد للمذبحة.

وتقول أكثر الجبهات تعبيرا عن الرأي وهي الجبهة التي يقودها السيناتور جون ماكين، المرشح الجمهوري للرئاسة في انتخابات عام 2008، وجوزيف ليبرمان، العضو المستقل عن ولاية كونيتيكت، وصقر آخر من الصقور، إن التبرير الأساسي لفرض منطقة حظر جوي على ليبيا هو سعي الثوار الليبيين أنفسهم إلى إنهاء عقود من الديكتاتورية عن طريق المقاومة المسلحة.

وأوضح ليبرمان في مقابلة يوم الاثنين أنه من الصعب فرض الإرادة الأميركية في العالم الإسلامي. وقال: «علينا محاولة مساعدة الذين يقدمون مستقبلا بديلا لليبيا. لا يمكننا السماح للحكومة الليبية بخنقهم أو منعهم بالأساليب الوحشية». وبدا هذا الرأي مشابها لما جاء في تصريح أوباما في البيت الأبيض يوم الاثنين. لكن حتى المنتقدين أقروا بأن أفضل نتيجة هي عدم اتخاذ الولايات المتحدة أي تحرك منفرد، لكن بالاشتراك مع دول أخرى أو منظمات دولية خاصة، حلف شمال الأطلسي أو جامعة الدول العربية أو الاتحاد الأفريقي. ويرى ليبرمان وآخرون أن مخاطر الانتظار ربما تكون أكثر من مخاطر التدخل العسكري المبكر الحاسم. وأقر بأن الولايات المتحدة قد تتسبب في صناعة مستقبل غير محدد الملامح من الصراعات القبلية والفوضى في بلد بلا مؤسسات تستطيع ملأ الفراغ الذي سينتج عن الإطاحة بالقذافي مثلما حدث في العراق. لكنه قال: «إنه من الصعب تخيل أي حكومة جديدة تخرج من رحم حركة معارضة أسوأ من القذافي». وعبر ماكين على شاشة التلفزيون عن آراء مشابهة، واتهم أوباما بالضعف والتردد. لكن في إشارة مثيرة للفضول إلى عدم اليقين بشأن كيفية استغلال سياسة التدخل الأميركي، عبر بعض المرشحين المحتملين للانتخابات الرئاسية العام المقبل عن آراء قوية. لكن تعد وجهة نظر كيري أكثر إزعاجا للإدارة، نظرا لكونه حليفا قويا في ما يتعلق بشؤون السياسة الخارجية. لقد كان كيري من منتقدي الحرب على العراق بشدة، لكنه يرى أن وضع ليبيا مختلف. كذلك حث كيري البيت الأبيض على اتخاذ المزيد من الخطوات مثل «تحديد ارتفاع» المجال الجوي الليبي بحيث لا تستطيع الطائرات الإقلاع. وقال كيري، الذي كان يؤيد موقف مسؤولين يريدون من الرئيس اتخاذ موقف أكثر حزما، إنه كان يحث الإدارة على «الاستعداد لكل الاحتمالات» وحذر من «أن إظهار المقاومة علنا ليس الخيار الأفضل». وأوضح في إشارة إلى العقيد القذافي: «ينبغي أن تكون مستعدا إذا قصف وقتل شعبه». وأضاف أن الشعب الليبي سيكون «بلا حيلة وعاجزن، وعليك أن تكون على أهبة الاستعداد». كذلك أوضح قائلا: «يسيطر علي شبح حرب العراق عام 1991» عندما شجع الرئيس حينها جورج بوش الأب «الشيعة على القيام بانتفاضة، وعندما قاموا بذلك هاجمتهم الدبابات والطائرات ونحن اختفينا عن المشهد تماما. لقد تم ذبح عشرات الآلاف». وقال إن بيل كلينتون «أضاع الفرصة في رواندا، ثم قال بعد ذلك إن هذا أكثر شيء ندم عليه خلال فترة رئاسته. ثم تباطأ للغاية في البوسنة»، حيث قررت الولايات المتحدة في النهاية الاستعانة بالقوات الجوية دفاعا عن السكان المسلمين. ويشير مسؤولو الإدارة الأميركية إلى هذه الحالة للتدليل على أن فرض منطقة حظر جوي أمر مبالغ فيه. وقال إيفو دالدر، المندوب الأميركي لدى قوات حلف شمال الأطلسي، يوم الاثنين: «لا توجد منطقة حظر جوي قادرة على التصدي للمقاتلات، لكن فاعليتها في التصدي للمروحيات أو العمليات العسكرية البرية التي رأيناها في ليبيا محدودة». وأضاف: «لم تكن العمليات الجوية هي العامل الحاسم» في المعارك بين الثوار والموالين للقذافي والمرتزقة المحيطين به. من الممكن أن تجدي المحادثات الخاصة بفرض منطقة حظر جوي نفعا، حيث أكد مسؤولون في البنتاغون وفي الجيش أن الغارات الجوية التي تشنها القوات الموالية للقذافي تراجعت بمقدار النصف خلال الثلاثة أيام الماضية. ولا يوجد أي تفسير لهذا التحول، فقد يرجع ذلك إلى القيام بأعمال صيانة أو قرار بتحليق المروحيات فقط، لأنها أقل استفزازا وعملية تعقبها أصعب. من أكثر الأصوات الحريصة الحذرة هو روبرت غيتس، وزير الدفاع، والجمهوري البارز في إدارة أوباما. لقد وجه غيتس انتقادا شديدا للتدخل الأسبوع الماضي، على الرغم من قول البعض في البيت الأبيض سرا إنهم بالغوا في اعتقادهم أن الخطوات العسكرية التي تبدو سهلة يمكن أن تصبح معقدة.

وحذر غيتس الكونغرس خلال شهادته عن الميزانية من أن أول خطوة باتجاه فرض منطقة حظر جوي هي الهجوم على الدفاع الجوي للقذافي، وهذه الخطوة لا يمكن اتخاذها إلا إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة للقيام بعملية عسكرية ممتدة ربما تشمل أنحاء ليبيا. وكذلك حذر من احتمال استنزاف مثل هذه العملية للموارد التي استهلكت بالفعل في أفغانستان والعراق، نظرا لاتساع مساحة ليبيا. ووصف بعض المسؤولين العسكريين في مقابلات خلال الأسبوع الحالي الصورة التي رسمها غيتس بالمبالغة، فلن يتطلب فرض منطقة حظر جوي على ليبيا تغطية كافة أنحاء البلد، وأكثر المعارك في ليبيا ستتم بطول الساحل، في حين أن أكثر المدن الساحلية الآن في قبضة الثوار.

وستتضمن أول مهمة لفرض منطقة حظر جوي على ليبيا هجمات صاروخية على مواقع الدفاع الجوي لدولة ذات سيادة وهو ما يعده البعض حربا. وبعيدا عن الأمور العسكرية المرحلية، بحسب ما أفاد به بعض مسؤولي البنتاغون، يساور غيتس قلق إزاء الإخفاق السياسي للولايات المتحدة في الهجوم على دولة إسلامية أخرى حتى وإن كان ذلك نيابة عن المسلمين. لكن غيتس يدرك أهم درس من الحرب على العراق وهو أن الولايات المتحدة بمجرد اضطلاعها بدور كبير في إسقاط قائد دولة في منطقة الشرق الأوسط، تتحمل مسؤولية أي دولة تقام محل تلك الدولة.

* خدمة «نيويورك تايمز»