عماد الدين أديب: نحن جيل مهزوم.. والخوف جعلنا نقول نصف الحقيقة

قال في حوار مع «الشرق الأوسط»: الجيش وشباب ميدان التحرير أبطال المشهد الحالي في مصر

عماد الدين أديب («الشرق الأوسط»)
TT

يملك الإعلامي عماد الدين أديب في جعبته الكثير من الأسرار، فمصادره المعلوماتية موسعة وله مصداقية شعبية كبيرة. تنبأ بقرب انهيار النظام في مصر، وطالب منذ نحو عامين بخروج آمن للرئيس السابق حسني مبارك، خوفا من الوقوع في مأزق الانتقال بالسلطة. ومهنيا، ساعدته خبرته في إدارة العديد من الكيانات الإعلامية الناجحة، ومع ذلك رفض منصب وزير الإعلام بقوة. اتهم بأنه كان كاتما لأسرار مبارك، في الوقت الذي وصف فيه نفسه وجيله بأنه «جيل مهزوم»، كان يقول نصف الحقيقة لأنه خائف.

أجرى أديب حوارات ساخنة مع العديد من الرؤساء والزعماء في العالم.. من واقع كل هذا تحاوره «الشرق الأوسط» ليصف لنا رؤيته الخاصة عن تحولات وتداعيات المشهد الراهن في مصر والمنطقة العربية.. وهذا نص الحوار:

* في رأيك من هم أبطال المشهد السياسي على الساحة في مصر الآن؟

- أبطال المشهد السياسي على الساحة هم الجيش بشرعية ثورة 1952 وحرب أكتوبر 1973، وشباب ميدان التحرير بشرعيته الثورية، بعد سحب شرعية النظام وإسقاط رموزه وفرض إرادته عبر التظاهر السلمي.

والشباب الذين تظاهروا يوم 25 يناير (كانون الثاني) الماضي في الميدان، انضم إليهم العديد من القوى بعد ذلك، سواء كانوا من الأحزاب السياسية الشرعية أو القوى السياسية التي كانت محظورة ثم ظهرت على الساحة كـ«الإخوان». ثم أضيف إليهم أصحاب الاعتصامات والطبقات التي شعرت بالظلم الاجتماعي ولا يوجد لديها أجندة سياسية، وأغلبية صامته من المصريين تترقب المشهد الحالي.

* في رأيك، كيف تطورت الأمور منذ 25 يناير وحتى الآن؟

- نحن نتكلم عن أطياف مختلفة تتحكم في المشهد السياسي الآن، ولكنها اتفقت كلها على هدف واحد هو إسقاط النظام. وهذه الفكرة لم تحدث فجأة، بل جاءت نتيجة ثلاثة أمور أساسية هي: تنامي قوة الشارع بشكل أذهل حتى القائمين بحركة 25 يناير، لأنهم لم يتخيلوا أن النتيجة ستكون كذلك، بل كان طموحهم هو تسجيل موقفهم ضد الطغيان والظلم وانتهاك حقوقهم بسبب القبضة الأمنية، وكان أقصى أمانيهم تغيير وزير الداخلية وقتها حبيب العادلي.

الأمر الثاني هو سوء إدارة أجهزة الأمن في التعامل معهم. والأمر الثالث هو سوء إدارة أجهزة نظام مبارك ككل للملف السياسي، والتعامل معهم ببطء وإنكار وعدم القدرة على فهم طبيعة المتغير الحادث.. إذ إن قراءة العهد السابق والحلقة الضيقة التي كانت محيطة بالرئيس مبارك كانت مغلوطة ولا تفهم طبيعة ما يحدث في الشارع وكانت تعتقد أنها بالقوة الأمنية فقط تستطيع أن تفرض إرادتها على الجماهير، ولم تدرك أن الحدث أكبر من التوقعات والاعتقادات.

* هل ترى أن انهيار النظام السابق كان نتيجة لصراعات شرسة ما بين الحرس القديم والحرس الجديد داخل المطبخ السياسي؟

- في السنوات الثلاث الأخيرة، كانت كل الأمور الداخلية والخارجية وكل ما يتعلق بالدولة تتمحور حول ملف التوريث، واحتمالية خلافة جمال مبارك لوالده وأهمل النظام 4 نقاط رئيسية أدت إلى نهايته:

1 - حالة عدم الرضا عند المواطنين من الوضع الذي يعيشونه، واستند النظام إلى مؤشرات مغلوطة لكي يقنع نفسه والرأي العام أن هناك حالة من الرضا تعم الشارع المصري، مثل ارتفاع معدلات شراء أجهزة التكييف والسيارات.

2 - رواج ما يسمى بالاقتصاد السري في مصر، وهو كل اقتصاد يأتي دخله من مصادر غير مشروعة مثل «تجارة السلاح، السمسرة، المخدرات، غسل الأموال، الرشاوى، الدعارة، التهرب من الضرائب».. وكل هذه المصادر كانت متوافرة لدرجة أن مصر تعتبر الدولة الثانية على مستوى العالم في الاقتصاد السري بعد هايتي، بمعنى أن كل 100 جنية في مصر كان ثلثها يأتي من مصادر غير مشروعة، وهو ما يعني أن الأرقام الاقتصادية المعلنة لم تكن من عوائد الدولة! 3 - شعور الإدارة السياسة، ممثلة في الحزب الوطني، بنوع من غطرسة القوة.. وأنه يمكنها فعل أي شيء، مثل الحصول على نسبة 97 في المائة من مقاعد البرلمان من خلال انتخابات مزورة، وفرض هذا الأمر على الناس بواسطة الذراع الأمنية، التي كانت تعمل على فرض واقع جديد نتيجة إخفاق المؤسسات السياسية وفشلها في أداء دورها.

4 - ضياع مشروع الدولة المدنية واستبدالها بالدولة الأمنية، مما أدى إلى ضياع كل أركان الدولة ما عدا المؤسسة العسكرية، وهو الرمز الصلب الذي التجأ إليه الناس بعد ثورتهم.

* ما الموقف الحالي بين القوى الرئيسية على الساحة؟

- المجلس الأعلى للقوات المسلحة هو البديل عن رئيس الجمهورية، ووضعه الآن صعب للغاية.. فنظرا لتشكيله العسكري فهو قوة دفاع عن حدود البلاد ضد أعداء خارجيين، وليس قوة أمن داخلي. ولقد استطاع المجلس بحكمة بالغة وضبط للنفس أن يتعامل مع هذا الموقف، حتى لا تجره الأحداث لأن يوضع في خندق واحد مع من هم ضد الثورة، بل إنه انحاز للشعب.. ويقوم الآن بتنفيذ تعهداته التي أعلن عنها في بياناته الخمسة، حتى يعود إلى مهمته الرئيسية في حماية حدود الدولة.

لكن فكر الشباب قائم على تنفيذ كل ما يريدونه وإسقاط كل رموز النظام، وهم مقتنعون بأنه لو لم يتم ذلك كله في وقت محدد، فهذا يعتبر وأدا لثورتهم. وجماعة الإخوان، من منظورها وجدت أن الفرصة سانحة لها للعودة على الساحة من جهتين: هيئة دعوية مثلما كانت ما قبل 1952، وتأسيس حزب سياسي.. إلى جانب الأحزاب السياسية التي تحاول إعادة هيكلة نفسها للحصول على صوت الشارع.

وفي تقديري أنه وسط تلك الغايات والأهداف المختلفة لكل طرف، لا يوجد شخص واحد، مهما أوتي من قدرات تحليلية ومعلومات، يمكنه أن يضع نقطة واحدة يلتقي عندها كل هؤلاء بشكل توافقي ترضى عنه كل الأطراف.. وهذه أخطر حلقة تعيشها مصر الآن.

* وأين النخبة السياسية والإعلامية والثقافية في ظل هذا المشهد المرتبك؟

- لي أن أقول إن بعضا من النخبة السياسية والإعلامية والثقافية ظهر في هذه الأحداث بمنطق فيه انتهازية كبيرة جدا، فإما أنه حاول الالتفاف على الثورة أو حاول الادعاء بأنه من الثورة، أو حاول تسخير معطيات الثورة لمصالحه الشخصية! لكن يظل الجسد الطاهر البريء النقي هم شباب 25 يناير.

* وكيف يتمكن هؤلاء الشباب من حماية ثورتهم من الانتهازية؟

- على شباب 25 يناير الانضمام إلى قنوات شرعية واضحة المعالم، أي أحزاب سياسية محددة سواء الموجودة بالفعل أو التي أنشئت حديثا. على أن ينتقي هو قيادات هذه الأحزاب بنفسه ويعلن عن برامجه من خلالها، وبالتالي يستطيع التفاوض مع كافة الفعاليات السياسية، ومنها المجلس الأعلى للقوات المسلحة بشكل نظامي وليس عشوائيا.. لأنه لا يمكن أن يكون كل فرد هو حزب قائم بذاته وله مطلب، وهذا أهم ضمان لاستمرار الثورة.

* هل يشير اختيار رئيس الوزراء الجديد المهندس عصام شرف إلى أن الأمور تسير في اتجاه التطهير التام من كل رموز النظام السابق؟

- لا يختلف اثنان على عصام شرف.. سيرته الذاتية وسمعته كرجل لا يحوم حولهما أي شبهات.. الأمر الذي يعطيه قبولا وشرعية. لكن يجب أن نعترف بأنه يواجه مهمة صعبة.

* هل يمكن اعتبار استفتاء 19 مارس (آذار) الجاري على التعديلات الدستورية اختبارا جديا لقدرتنا على ممارسة الديمقراطية؟

- طبعا، ونحن قادرون عليه تماما.. لأن كل ما يهم رجل الشارع المصري، على اختلاف ثقافته وتعليمه، أن تكون هذه التعديلات في صالحه. وأن تكون قادرة على إيصال صوته لصناع القرار، وأن توفر له حياة معيشية كريمة. والتعديلات الدستورية أعطت مؤشرا يتوافق مع مطالب الناس، من حيث أنها ستعطي صيغة أفضل للحكم وستساعد على التواصل مع النظام الجديد ورفع المظالم وعدم وجود أي قهر من السلطة أو أجهزة الأمن.

* لماذا رفضت الإفصاح عما دار بينك وبين رئيس الوزراء السابق أحمد شفيق عقب ترشيحك لحقيبة وزارة الإعلام؟

- لم يكن من اللائق أن يأتيني ترشيح من رئيس الوزراء، ثم أخرج للحديث بعد رفضه. والفريق شفيق أخبرني أنه تم ترشيحي للمنصب نظرا لاعتقادي بأنه يجب ألا يكون هناك أصلا وزارة للإعلام. فمنصب وزير الإعلام هو منصب للسيطرة على حرية المعرفة عند الناس، والدول المحترمة تخلصت من هذه الوزارات منذ الحرب العالمية الثانية. ولقد طالبت من قبل بأن يتحول اتحاد الإذاعة والتلفزيون إلى مؤسسة مستقلة تدار بمجلس أمناء وقيادة محترفة ولا تخضع لأي رقابة من الدولة، ويتحول الإعلام المصري من إعلام النظام إلى إعلام الشعب.. لهذا اعتذرت لأنقذ قناعتي. فالمنصب ليس حلمي الشخصي! اعتقد أن من يطلب سلطة أو منصبا وزاريا لديه قناعة أنه صالح له، وأنا لا أصلح لذلك من الأساس.. بالإضافة إلى أن إعلان موافقتي على منصب وزير الإعلام، وهو منصب أرفضه وأنادي بإلغائه، كان سيأخذ على أن جاذبية الكرسي في الوزارة أنستني مبادئي، والمبادئ لا تتجزأ عندي مهما كانت المغريات!

* هل تعتبر نفسك من الجيل المهزوم الذي لم يستطع أن يقول كل الحقيقة؟

- أنا وجيلي والذين أكبر مني في العمر لا نصلح للثورة!! يمكنني القول إننا جيل اضطر نتيجة الخوف أو المحافظة على «المصالح» أن نقول ربع أو نصف الحقيقة! وأقصى ما يمكننا أن نفعله الآن هو أن نعطي النصيحة للأجيال الجديدة التي عليها أن تتولى المسؤولية في المناصب الجديدة، فطبيعة المرحلة تحتاج إلى فكر جديد لم يتلوث باللعبة السياسية السابقة التي عشناها في ثلاث فترات ما بين عبد الناصر والسادات ومبارك.. ونحن نريد الآن فكرا جديدا ليس لأحلامه سقف، وهذا في يد شباب الثورة.

* كيف ترى مستقبل الحزب الوطني في المرحلة القادمة؟ وهل تتوقع أن يختفي من على الساحة تماما؟

- الحزب الوطني الآن أصبح حزبا سيئ السمعة، ومحاولة تسويقه ستكون فاشلة تماما. فضلا عن أنه كان يعتمد على أشخاص بعينهم لا على الأفكار والبرامج، مما يعني سقوطه بسقوط هؤلاء. وأعتقد أن الحياة السياسية ستتحول في المرحلة القادمة من فكرة نائب الخدمات، والذي كان الناس يخضعون لسيطرته من أجل تلبية مطالبهم لدى الحكومة، إلى نائب الشعب الذي يمارس دوره البرلماني الفعلي.

* بعد أن عاشت جماعة الإخوان ككيان محظور لمدة عقود، تؤسس الآن حزبا سياسيا.. كيف ترى هذا التحول الجذري؟

- أنا ضد فكرة الأحزاب الدينية، لكن وفقا للمعلومات التي عرفتها من «الإخوان» فهم يريدون إنشاء حزب أقرب للحياة المدنية، وأقرب إلى شكل «العدالة والتنمية» التركي. وأنا كرجل ليبرالي، حتى وإن كنت أختلف مع أي تيار، فإن من حق أي جماعة لها شرعية في الشارع أن تنشئ حزبا تعبر من خلاله عن نفسها.

وجماعة الإخوان هي حقيقة واقعة وإنكارها كان غباء سياسيا، ومحاولة قهرها الآن يعد انتحارا سياسيا!! لهذا يجب الحوار معها كفصيل سياسي بهدف مساعدتها في أن تكون برنامجا يقوم على فكرة الدولة المدنية الحديثة، وأن المكان الرئيسي للتشريع هو البرلمان وأن السلطة هي سلطة الشعب.. مع الإيمان الكامل بفكرة تداول السلطة. واعتقد أن شباب «الإخوان» هم الآن في حالة حوار لتطوير فكر جماعة الإخوان من الداخل، لأننا نتحدث عن جيلين مختلفين، جيل عاصر المرشد حسن البنا وجيل الـ«فيس بوك» وما بينهما، لهذا فحالة التطوير تفرض نفسها على كل القوى السياسية حتى تستطيع أن تتفق مع المرحلة الجديدة.

* هل الإفراج مؤخرا عن بعض قيادات وكوادر «الإخوان» مثل خيرت الشاطر، كان تصرفا إيجابيا؟

- نعم، لأنه لا يمكن أن تبدأ حوارا جديدا مع فصيل أو تيار سياسي بينما تعتقل قياداته. وما حدث لخيرت الشاطر وزملائه كانت ضربات أمنية متلاحقة فيها ظلم، وكان على النظام أن يتعامل معهم أمنيا فقط بمقتضى القانون إذا خالفوه. لكنه لم يكن من المنطقي قط أن يكون النظام السابق جهة الاتهام والإدانة والحكم والتنفيذ، وبسبب الانتهازية السياسية، كنا نصمت لما يحدث للغير على اعتبار أنه لن يطال آخرين، وحينما طال الآخرين بدأنا نصرخ.

* قلت من قبل في أحد الحوارات التلفزيونية عام 2010 إنك خائف على الرئيس السابق مبارك وإن مصر ستدفع ثمن الأخطاء المتكررة، هل كان استقراء للواقع أم كنت تملك معلومات من مصادر خاصة؟

- نعم قلت ذلك، وكان جزء منها معلومات شخصية وجزء آخر استقراء لمعطيات كثيرة تشهدها مصر منذ فترة طويلة، وتحديدا من خلال ممارسات الحلقة الضيقة التي كانت تحيط به، والتي اختطفت منه صناعة القرار من أجل مصالح ضيقة أدت إلى ذهاب هذا النظام إلى الهاوية.

وكنت أرى أن الصورة في مصر خطيرة للغاية، وقلت لاحقا إن الموقف سينفجر في وجه الرئيس ووجه النظام. وكررت ذلك لاحقا مع نهاية العام أيضا، فلقد كانت حالة الاحتقان والاستفزاز والاستنفار لدى الناس تزداد يوما وراء يوم، وعلى رأسهم الأقباط. وبالفعل حدث لاحقا حادث الكنيسة مع رأس السنة.

* كيف غابت هذه المعطيات عن النظام رغم وضوحها؟

- نتيجة أسلوب الإبلاغ أو العرض، ومن الذي يقترب من أذن الرئيس ويقول له المعلومات.. وعلينا أن ندرك أنه من كان يوصل المعلومة للرئيس هو من كان يدير كفة اتخاذ القرار.

* هل يعفي ذلك الرئيس السابق من المسؤولية؟

- أي رئيس جمهورية، أو أي شخص في موقع مسؤولية، هو المسؤول النهائي عن اتخاذ القرارات، وعن اختيار بطانته أيضا. وإذا ما جاءت اختياراته خاطئة فعليه تحمل نتيجة هذا.. وأعتقد أن هذا التحليل تجاوزه الزمن، وكل ما نريده الآن ألا تكون السلطة في يد شخص واحد، وأن يكون هناك تداول للسلطة، فالسلطة المطلقة مفسدة مطلقة، والحرية المطلقة فوضى مطلقة.

* طرحت منذ فترة فكرة الخروج الآمن للرئيس مبارك، مما عرضك لهجوم شرس.. كيف ترى ذلك حاليا؟

- لم أهاجم فقط من الناس المحسوبة على النظام، بل من المعارضة أيضا.. والمحسوبون على النظام قالوا لي كيف تقول ذلك، إنه ليس رئيس جمهورية «الموز»، أما المعارضة فقالوا لي إنها لعبة، تشارك فيها مع النظام لتبرير هروب مبارك ونظامه.

لكن الفكرة التي كانت موجودة عندي وقتها هي فكرة تأمين الوطن وليس تأمين الرئيس، فقد كنت لا أريد أن نعيش انتقالا للسلطة في ظل مخاوف كالتي نعيشها الآن! ولي أن أتخيل مثلا إذا ما كان الجيش المصري العظيم لم ينحَز للشعب، كنا سنعيش أسوأ مما تعيشه ليبيا الآن.

* أجريت حوارا مع الرئيس مبارك 2005، كان الأشهر وقتها.. فهل كانت له خطوط حمراء معينة ممنوع التطرق إليها؟ وهل اطلع على الأسئلة قبيل التسجيل؟

- لا، لم يطلب مني الاطلاع على الأسئلة ولم يحذرني من أي خطوط حمراء، بل كان حوارا مفتوحا.. ولم يعترض على أي أسئلة وجهت له.

* تم الترويج للحوار قبل بثه بأنه سيحوي العديد من المفاجآت، ولكن بعد إذاعته أصاب الكثيرين بالإحباط.. فهل تم عمل «مونتاج» لأي من أجزائه؟

- لا، لم يحدث، ولكن المفاجأة التي لم يصدقها الناس وقتها أن مبارك كان لم يحدد موقفه بالفعل من قراره النهائي بإعادة الترشح لفترة رئاسية جديدة، ولقد قال لي فعليا: «إنني أفكر جديا في عدم الترشح مرة أخرى».. ولقد كانت هذه حقيقة، ولكنه تعرض بعد ذلك لضغوط شديدة من الأسرة جعلته يتراجع.

* وهل أعاد التفكير في هذا الأمر بعد وفاة حفيده محمد كما أشيع؟

- نعم، صحيح، ولقد أصيب أيضا بحالة اكتئاب شديدة استدعت تدخل الطب النفسي لمعالجته، لدرجة أنه كان دائما يرتدي كرافتة سوداء.. وفي الفترة الأخيرة، كان الكل يحاولون إبعاده عن أي أخبار سيئة قدر المستطاع.

* البعض وصفك بأنك كنت كاتم أسرار مبارك! - «بأمارة إيه»؟؟ إذا كنت أنا كاتم أسراره، إذن ماذا يفعل زكريا عزمي وجمال عبد العزيز وأبناؤه!! لا ليس صحيحا بالمرة.. وآخر مرة رأيت فيها مبارك كانت في القمة العربية في الرياض، وعلى الهاتف كان يوم 5 يناير 2010.

* ومن في رأيك الرئيس القادم لمصر؟

- هناك فرق ما بين من سيأتي ومن يجب أن يأتي، الذي سيأتي هو الذي سيفرضه الأمر الواقع.. وأهم ما سيرجح كفته هو تحقيق الأمن والاستقرار في مصر، أما الذي يجب أن يأتي فهو من يكون ملبيا لمطالب الشباب والشارع، وليس دائما الأصلح هو الأفضل.

* هل هناك أسماء تتوقعها؟

- لا أستطيع توقع أحد بعينه لأن الرأي العام في صعود وهبوط. وأعتقد أن منصب الرئيس القادم سيكون محدود الصلاحيات، وفقا للتعديلات الدستورية الجديدة.

* حاورت الرئيس الراحل السادات، والملك الأردني الراحل حسين، ورئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري، والرئيس القذافي، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنامين نتنياهو.. ما هي كواليس هذه الحوارات؟

- السادات كان «داهية سياسية» كبيرا ومنفتحا جدا، ويشترك مع الملك حسين في قدرته الهائلة على المناورة في الحوار.

أما الملك حسين فكنت أستمتع معه بالحوار على الرغم من حالة الإجهاد الشديدة، وكأنني كنت أجري عشرات الأميال! لقد كان ثعلب سياسة، شديد الذكاء، شديد اللباقة السياسية وكانت حواراتي معه كلها مطاردات للحصول على معلومة بعينها. أما رفيق الحريري فكان شخصا أخاذا، ومعظم الذين حاوروه وقعوا في خطيئة الافتتان بالمصدر، وهو كان من المصادر الراقية في التعامل مع الناس، وجموع الصحافيين تقريبا شعروا بفقدان عزيز عند استشهاده. أما بنيامين نتنياهو فهو أكبر كذاب على كوكب ظهر الأرض، والقذافي هو شخص «بندولي» يتأرجح ما بين عدة شخصيات في وقت واحد!! فمرة ضاحك ومرة مكتئب ومرة قليل الكلام ومرة منفتح.. لكني أحذر أي شخص من التعامل معه على اعتبار أنه ساذج.

* كيف ترى الموقف في ليبيا الآن؟ وهل سيصمد القذافي بشخصيته المتأرجحة هذه أمام الثوار كثيرا؟

- هو شخص نافذ الذكاء.. والدليل على ذلك قدرته على حكم ليبيا لمدة 42 عاما متواصلة بكل ما بها من تعددات قبلية. والحكم طوال هذه السنوات لا يمكن أن يصمد بالحديد والنار فقط، بل يحتاج إلى شخصية معينة، فهو يمتلك قدرة هائلة على ما يعرف بفن البقاء، وأعتقد أن تخليه عن السلطة لن يكون بسهولة أو بتكلفة رخيصة، حتى وإن كانت من دماء شعبه.. وسيكون خروجه بخسائر بشرية ومادية كبيرة، أكبر من المتوقع حتى لو أدى ذلك إلى تقسيم ليبيا.

* هل تعني انقساما داخليا أم تدخلا خارجيا؟

- انقسام داخلي وحرب أهلية.. أما مسألة إرسال قوات من الخارج ففيها 3 صعوبات هي: المساحة الجغرافية، من حيث الامتداد الأكبر على شرق البحر المتوسط، والتضاريس المعقدة، والاحتياطي الاستراتيجي لقوات الناتو أو القوات الأميركية، الذي هو أصلا مستنزف في جبهتي العراق وأفغانستان، وإلا لكانوا حاربوا إيران.

وأكثر ما يمكن أن يفعلوه هو ضربات جوية احترازية، ولكن ليس تدخلا عسكريا كاملا على المستويين البري أو البحري.

* كيف ترى إيران من منظور الزخم الثوري الذي يعيشه عدد من الدول العربية؟

- إيران قيل إنها موجودة في شمال سيناء في عملية لتهريب السلاح، وموجودة في عمليات تمويل حماس، وموجودة في لبنان، وتشجع الانتفاضات الشيعية في البحرين، لكن الذي يهم الآن كيف تدير إيران هذه الأوراق، وهل تريد من وراء ذلك أن تدعم موقفها في مواجهة أميركا والغرب، عن طريق امتلاكها لقدرة على الضغط والتفاوض عبر تلك الأوراق؟

* كيف ترى العلاقة بين مصر وإسرائيل في المرحلة القادمة؟

- أعتقد أن تصدير الغاز لإسرائيل أصبح أمرا لا مستقبل له، وإذا تم فلن يتم بالشروط السابقة. أما مسألة اتفاقية كامب ديفيد، فهي سلام تعاقدي، وأي إخلال به سيلزم مصر كلها باتخاذ مواقف قد تصل إلى حالة إعلان حرب. لكن لا بد من ملاحظة أن شباب الثورة في المظاهرات لم يطالبوا بإلغاء كامب ديفيد، وأيضا لم يتكلم أحد منهم عن ملفات مصر الخارجية، فثورة الشباب كلها تعلقت بالشأن الداخلي.