المهاجرون الأفارقة يعيشون ظروفا مأساوية على مشارف طرابلس

وجود المرتزقة من دول أفريقية جعل الموقف لا يحتمل بالنسبة لهم

متمردون ليبيون يجرون هربا من انفجار الغام في منطقة بن جواد أمس (أ.ف.ب)
TT

في الوقت الذي ترسل فيه الدول الغنية سفنها وطائراتها لإنقاذ مواطنيها من دوامة العنف الدائر في ليبيا، برزت أزمة لاجئين على أطراف طرابلس حيث تجمع آلاف من المهاجرين من دول جنوب الصحراء الكبرى العالقين في ليبيا، وهم يعانون من شح في إمدادات المياه والغذاء والمساعدات الدولية ولا يملكون سوى بصيص من الأمل في النجاة.

وشكل هؤلاء المهاجرون، وغالبيتهم من المهاجرين غير الشرعيين من غانا ونيجيريا، طبقة من المعدمين؛ يعيشون وسط كومات من القمامة وينامون في خيام مؤقتة من البطاطين المربوطة إلى الأسوار والأشجار ويتنفسون الروائح الكريهة الصادرة من نفق الفضلات الآدمية الذي يفصل معسكرهم عن منطقة ركن السيارات في مطار طرابلس.

من أجل إعداد وجبة العشاء يوم الاثنين، قام رجلان بذبح دجاجة هزيلة وغمرها في الماء المغلي على نار القمامة، ثم تقطيعها وشيها على النار مباشرة. أما بعض سكان المعسكر فهم من الأطفال مثل إيسم إيغهالو، البالغ من العمر تسعة أيام الذي وصل إلى المعسكر في اليوم الثاني لمولده، ولم ير طبيبا بعد، في حين يقول العديد منهم إنهم شاهدوا كثيرين من اللاجئين يموتون من الجوع والأمراض كل ليلة.

لاجئو المطار إلى جانب عشرات الآلاف من المهاجرين الأفارقة الآخرين الذين ساعدهم الحظ في العبور إلى الحدود مع تونس، شكلوا أكبر هجرة جماعية دفعت بالفعل ما يقرب من 200 ألف من الأجانب إلى الهرب من البلاد منذ اندلاع الثورة الشعبية ضد نظام العقيد معمر القذافي قبل ثلاثة أسابيع.

ويقول الأفارقة ذوو البشرة السمراء إنهم عالقون في ليبيا؛ فقوات الشرطة والميليشيات الموالية للعقيد القذافي التي تحرس نقاط التفتيش على الطريق حول العاصمة تسرق منهم أموالهم وممتلكاتهم وهواتفهم الجوالة، على حسب قول المهاجرين. أما الليبيون المعارضون للقذافي فيهاجمونهم لأنهم يبدون مثل المرتزقة ذوي البشرة الداكنة، الذين يقول كثيرون هنا إن القذافي جندهم لسحق الانتفاضة.

وقال سامسون أدا، 31 عاما: «أحضر القذافي جنودا أفارقة لقتل بعضهم، لذا فإذا رأوا أشخاصا سودا يعتدون عليهم»، وإن أهالي الزاوية ضربوه ضربا مبرحا، لدرجة أنه لم يعد قادرا على المشي.

يشكل الأفارقة القادمون من دول جنوب الصحراء الكبرى أغلبية واسعة بين المهاجرين غير الشرعيين في ليبيا الذين تقدر أعدادهم بنحو 1.5 مليون مهاجر بين سكان ليبيا البالغ عدهم 6.5 مليون نسمة، بحسب المنظمة الدولية للمهاجرين. ويعيش عدد كبير من هؤلاء المهاجرين ظروفا معيشية بالغة السوء، أسهم في ذلك أن بعضهم دفع ما يقارب ألف دولار للمهربين لجلبهم إلى الحدود الجنوبية لليبيا طمعا في الحصول على فرصة عمل أفضل في هذه الدولة النفطية.

وأخلى هروب هؤلاء المهاجرين الشوارع من آلاف العمالة اليومية التي لعبت دورا محوريا، إن لم يكن غير معلن إلى حد كبير، في اقتصاد ليبيا، وقد نجم عن غيابهم وقف مشروعات الإنشاءات التي تتجاوز خط الأفق.

هؤلاء المهاجرون عالقون في ليبيا لأن غالبيتهم لا يملكون جوازات سفر أو أية وثائق ضرورية للركوب على طائرة أو الوصول إلى الحدود أو حتى الحصول على تذكرة طائرة. ويقولون إنهم يشعرون بالخوف من ترك المطار أو تجربة حظوظهم على الطريق إلى الحدود خشية الاعتداء عليهم من قبل المواطنين الليبيين أو الميليشيات المسيطرة على نقاط التفتيش.

ويشكو هؤلاء المهاجرون مر الشكوى من خيانة حكومات بلادهم لهم، التي فشلت في مساعدتهم في ترحيلهم؛ فحتى العمال المصريون والبنغال والصينيون الذين تجمعوا في المطار قبل أسبوع، وجدوا سبلا لخروجهم من هناك.

ويقول عمال الإغاثة الدوليون الذين سارعوا لإغاثة مئات الآلاف من المقيمين في المخيمات على الحدود، إن المهاجرين المحتجزين في المطار لم يتسن الوصول إليهم، وإن الرقابة المشددة التي تفرضها الحكومة الليبية والمخاطر المحدقة بالتجول في شوارع طرابلس منعت بشكل واضح أي هيئات مساعدات دولية من الوصول إلى المخيمات المؤقتة.

وتقول جان فيليب شاوزي، من المنظمة الدولية للمهاجرين، مشيرة إلى المنطقة الشرقية التي أصبحت الآن مقرا للثورة: «نحن ندير علمياتنا من بنغازي، لكن لسوء الحظ يحول سوء الأوضاع دون تقديم يد العون لهم هناك».

ودفع اندلاع العنف بطرابلس في 20 فبراير (شباط) الماضي المهاجرين من كل الأطياف إلى الهرب إلى المطار. وحتى وقت قريب كانت الجموع اليائسة من جميع الجنسيات تنام مكدسة حول مباني المطار أو في أماكن وقوف الطائرات أو أماكن ركن السيارات خارج المطار، في حين يقوم الحراس المسلحون بالعصي والهراوات بضربهم لإخلاء المدخل.

وعلى الرغم من خطابات القذافي المؤيدة لأفريقيا، يتجلى الرهاب من الأجانب هنا بوضوح، فالعديد من الليبيين من العرقية العربية يحتقرون الصينيين والبنغال والأفارقة ذوي البشرة الداكنة. والعديد من اللاجئين الأفارقة هنا وفي المخيمات على الحدود التونسية يقولون إن الليبيين غالبا ما ينادونهم بـ«العبيد».

ويقول بول إيكي، 34 عاما، النيجيري الذي يقيم في المخيم على الحدود التونسية، والذي عرض ذراعه المشوهة كدليل على التجربة: «حتى وإن طعنك شخص بسكين وذهبت إلى مركز الشرطة للإبلاغ عن ذلك، فلن يفعلوا أي شيء. وفي المستشفيات لا أحد هناك سيهتم بك، لأنهم ببساطة لا يحبون السود».

لكن العديد منهم قالوا إن وجود المرتزقة من الدول الأفريقية الأخرى هو من جعل الموقف لا يحتمل بالنسبة لهم. فيقول مهاجر نيجيري آخر يبلغ من العمر 30 عاما: «جلب القذافي المرتزقة الأفارقة ذوي البشرة الداكنة، وهو ما يدفع الناس إلى مطاردتنا».

وتشير الإحصاءات إلى أن ما يقرب من 100 ألف مهاجر من دول جنوب الصحراء تمكنوا من الوصول إلى المعسكرات في تونس حيث تقوم منظمات مثل الهلال الأحمر بالعناية بالمرضى. كما أقرضت الولايات المتحدة مصر طائرات لنقل العمال من تونس.

لكن الحشود التي لا تزال في المطار، هم في الأغلب أفارقة ولا يلقون مثل هذا الدعم. والبعض ظل هناك لما يقرب من أسبوعين أو أكثر.

وقال العديد منهم إن شخصا - ربما يعمل في منظمة إنسانية محلية وربما مع الحكومة الليبية - أعطى كلا منهم علبة من البسكويت. وفي صباح يوم الاثنين اصطف اللاجئون الذين يحملون زجاجات المياه خلف السيارة التي تحمل خزان مياه توزعه عليهم.

لكن الاقتصاد الاستغلالي برز هنا أيضا، حيث وقف مجموعة من الرجال ضخام البنية والمهندمين بجوار سيارة رياضية في المنطقة المخصصة لركن السيارات يحملون كميات ضخمة من الدولارات واليورو والدينار الليبي يعرضون تغيير الأموال بأسعار بخسة.

كان كثير من العمال قد تلقى راتبه بالعملة الأجنبية لكنه في حاجة إلى الحصول على العملة المحلية لشراء المشروبات والطعام وربما الدجاج الهزيل من الباعة الذين يدخلون إلى هنا لتحقيق الأرباح من وراء المقيمين في المعسكر، حيث تباع الأطعمة والمشروبات بأربعة أضعاف سعرها قبل الأزمة.

والاستحمام في المعسكر مشكلة أخرى، وقالت امرأة غينية بغضب: «لم أستحم منذ تسعة أيام!»، وقال رجل نيجيري: «يحاول كثير من السيدات الاستحمام مختبئات بين الشجيرات».

وأكد كثيرون أن الإهانة الأكبر هي سرقة ما تبقى من ممتلكاتهم القليلة على أيدي الجنود الذين يحملون أسلحة نارية أو على أيدي بعض المدنيين الذين يحملون السكاكين، وقال أحد النيجيريين: «أكثر شيء إيلاما هو أن كثيرا من الناس قاموا بجمع العديد من الأشياء لأكثر من عامين ويجمعون المال ويحاولون الحفاظ على أشيائهم حتى يعودوا بها إلى نيجيريا مثل الهواتف الجوالة وشاشات البلازما والملابس والأحذية والحقائب. ولكن كل هذه الأشياء التي جمعناها في سنوات لم يتبق منها شيء الآن»، وقال رجل آخر: «تخيل فقط، نحن أناس فقراء ولكنهم يسرقوننا ويأخذون ديناراتنا وما نمتلك من يوروات أو جنيهات ويأخذون أجهزتنا الجوالة وشريحة التليفون».

وقال العديد من الأفراد عن مصادرة هواتفهم الجولة: «تقوم الحكومة الليبية بمصادرتها لأنها تخشى أن نقوم بتصوير ما يحدث وإرساله إلى وسائل الإعلام، ولكن هذا الأمر جعلنا لا نستطيع التواصل مع عائلاتنا في الوطن أو مجرد إبلاغهم أننا على قيد الحياة». ويقول عبد الرزاق، 35 سنة، وهو نيجيري لديه ابنتان إحداهما تبلغ سنتين من العمر والأخرى تبلغ خمس سنوات: «نحن أشخاص من مكان ما، وحتى عندما وصلنا إلى المطار فإنهم لا يزالون يضربوننا ويدفعوننا. نحن نموت. أخبر الأمم المتحدة أنها يجب أن تخرجنا من هنا إلى أي مكان آخر فقط لإنقاذ حياتنا».

*خدمة «نيويورك تايمز»