سلمان الأصالة في جامعة الرسالة

عادل بن علي الشدي

TT

حين يذكر اسم سلمان بن عبد العزيز فإن السعوديين يتذكرون معاني الأصالة والثبات على المبادئ التي قامت عليها المملكة العربية السعودية وكونت أساسا لمشروعيتها وعنوانا لمشروعها الذي قدمته للعالم باقتدار ومثل الخصوصية السعودية، وهو مصطلح كان الأمير سلمان من أبرز الذين أطلقوه وأصلوه ودافعوا عنه.

ولئن كان بعض الكتاب والمثقفين السعوديين خصوصا، والعرب عموما، لم يقتنعوا فيما سبق بالخصوصية السعودية وسعوا إلى إنكارها، بل والزعم أنها قضية لا حقيقة لها، إلا أن الأحداث العاصفة الأخيرة التي شهدتها المنطقة العربية قد أكدت صحة هذه النظرية، فبينما تعاني كثير من الدول العربية من موجات عاتية من الاحتجاجات والاضطرابات المصحوبة بقدر كبير من الأحقاد والعداوات والثارات بين شرائح واسعة من مواطنيها وبين أنظمة الحكم فيها، فإن المملكة العربية السعودية تعيش استقرارا تاما وتناغما فريدا وتبادلا نادرا للود والاحترام والتعاون بين الشعب وقيادته، على الرغم من الدعوات المحمومة التي أطلقها البعض عابرة للحدود للفوضى والاحتجاج في جمعة أريد لها أن تكون بداية للثورة فتحولت إلى استفتاء مباشر على مشروعية البناء المتين الذي قامت عليه الدولة السعودية والرباط الوثيق الذي يجمع قادتها وشعبها.

لست أشك في أهمية هذه الخصوصية السعودية التي بدأت قبل مائتين وخمسة وسبعين عاما بالاتفاق التاريخي الشهير بين الإمامين محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب وتضمن إقامة دولة على أساس كتاب الله وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم، وفق فهم السلف الصالح والدعوة إلى نشر هذا المبدأ والدفاع عنه، مرورا بخدمة الحرمين وحمايتهما وتيسير سبل الوصول إليهما وهي خصوصية سعودية لا يمكن إنكارها والقفز عليها، بدليل استمرارها عبر الأطوار الثلاثة التي مرت بها الدولة السعودية وظهرت واضحة في الدولة السعودية الحديثة التي أسسها الملك الصالح عبد العزيز بن عبد الرحمن، رحمه الله، وخلفه أبناؤه من بعده في رعاية هذه الأسس الفكرية والمنطلقات الدينية التي قامت عليها دولتهم العصرية المحافظة على الإسلام مرجعية فكرية وأساسا للمشروعية ونظاما للحكم، وهو أمر تتفرد به الدولة السعودية الحديثة وينص عليه نظامها الأساسي للحكم، ويشكل لب الخصوصية السعودية التي لم تعن يوما الانغلاق على الذات ورفض النافع المفيد من المعطيات الحضارية والعلاقات الإنسانية مع المسلمين وغير المسلمين.

تداعت هذه المعاني إلى ذهني وأنا أستمع إلى الأمير سلمان بن عبد العزيز في ليلة متألقة في مدينة الرسول الكريم، أبدع فيها كعادته في عرض هذه الأفكار وغيرها في محاضرته التاريخية التي استضافتها الجامعة الإسلامية التي تحمل اليوم جزءا كبيرا من رسالة المملكة العربية السعودية بقيادة مديرها الموفق الدكتور محمد بن علي العقلا، والتي تحمل جزءا كبيرا من رسالة المملكة العربية السعودية.

لقد شعرت بالاعتزاز الكبير وأنا أقرأ عنوان المحاضرة: «الأسس التاريخية والفكرية للدولة السعودية» ثم ازدادت سعادتي لما تضمنته هذه المحاضرة من وضوح في الرؤية وأصالة في المنهج وتأكيد على الثوابت. واكتملت سعادتي وأنا أرى الجامعة الإسلامية تبدع في تنظيم هذا الحدث وتسهم برقي وإتقان في تقديم الوجه الجديد للعمل الإسلامي النابع من المملكة العربية السعودية لتصل حاضرها المتألق بماضيها المشرف بوصفها الجامعة التي لا تغيب عنها الشمس لأن طلابها وخريجيها انتشروا في أنحاء العالم أجمع وأصبحوا سفراء رسالة الإسلام الوسطية السمحة التي حملت لواءها في العصر الحديث المملكة العربية السعودية.

ومع ثقتي التامة بأن الله عز وجل قد دفع عن هذه البلاد وأهلها شرورا كثيرة وحماها من مكائد ومخططات متوالية تريد بها وبهم الشر والتفرق والاضطراب، إلا أن ثمة ثلاثة تساؤلات مشروعة تتعلق بالمستقبل، أضعها بين يدي الأمير سلمان بن عبد العزيز، متطلعا إلى جواب شاف عنها في محاضرة قادمة:

التساؤل الأول يدور حول المشروع الذي تحمله المملكة العربية السعودية للعالم وهو ما اصطلح البعض على تسميته بالدعوة السلفية وحقيقته الدعوة إلى اتباع الرسول، صلى الله عليه وسلم، حيث لاحظ الجميع الانحسار الكبير في زخم هذا المشروع بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) مما أدى إلى تقدم مذاهب فكرية وجماعات حزبية لملء هذا الفراغ والتأثير على قطاع كبير من المسلمين وغيرهم ومحاولة تغيير نظرتهم لرسالة المملكة العربية السعودية ودورها، بل وامتد الأمر حين طال الغياب السعودي بوصولهم إلى تخوم خليجنا بالتدخل الفكري والمذهبي وأحيانا بما هو أكثر من ذلك، طمعا في نقل المواجهة إلى ساحتنا الداخلية بعد أن تراجع الدور السعودي في الخارج.

وفي رأيي أنه قد آن الأوان بعد مرور ما يقارب السنوات العشر للعودة القوية إلى مشروعنا الحضاري لنشر رسالة الاتباع للرسول، صلى الله عليه وسلم، في أرجاء العالم وقد قيل قديما خير وسيلة للدفاع هي الهجوم، وهو مبدأ نجح الملك فيصل في تطبيقه بإحياء فكرة التضامن الإسلامي في وجه المد القومي الناصري الكاسح في الستينات، ونجح الملك فهد في تطبيقه بالتوسع في إنشاء المراكز الإسلامية وعقد الملتقيات الدينية في عواصم العالم المختلفة في أعقاب الانقسام العربي والإسلامي الذي حصل بعد احتلال صدام حسين للكويت.

أما التساؤل الثاني: فخلاصته أن الشعب السعودي على ثقة بوعي قيادته خادم الحرمين الشريفين وولي العهد والنائب الثاني والأمير سلمان، بأهمية المحافظة على الأسس الفكرية التي قامت عليها المملكة العربية السعودية، وأن ذلك هو أساس بقاء الدولة وصمام الأمان وقد استمعوا إلى ذلك مرارا منهم، ولكنهم يريدون الاطمئنان إلى وعي الجيل الجديد من أبناء الأسرة ومن العلماء والدعاة بأهمية هذه الأسس، ولا سيما مع كثرة المتغيرات وشدة التقلبات التي يشهدها العالم من حولنا، ولعل الأمير سلمان بن عبد العزيز الذي عرف ببعد نظره وشدة حرصه على مستقبل المملكة العربية السعودية، أن يتبنى هذه القضية وأن يعيدها إلى واجهة الحضور الإعلامي والاجتماعي.

وثالث هذه التساؤلات نابع من المعطيات الكبيرة التي حملتها كلمة خادم الحرمين الشريفين الأخيرة للشعب السعودي، حيث أكدت أن توجه الدولة السعودية لم يتغير وأن أسسها الفكرية لم تتبدل، فما زال لجهات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله وتحفيظ القرآن الكريم قدرها، وما زال للعلماء وطلبة العلم مكانتهم لا لأشخاصهم، بل لما يحملونه من ميراث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو العلم الشرعي بكتاب الله والسنة النبوية على وفق فهم السلف الصالح وما يبذلونه من جهد في حمل رسالة المملكة العربية السعودية والدفاع عن قيمها وثوابتها، وهو أمر ربما أخطأ في فهمه خلال السنوات القليلة الماضية بعض الكتاب والإعلاميين، فجاء التوجيه الصريح بعدم التعرض للعلماء أو النيل من مكانتهم.

ولعل الأمير سلمان وقد عرف في المجتمع بأنه معين العلماء وصديق الإعلاميين، أن يبادر بجمع نخبة من الكبار البارزين من الطرفين لإعادة المياه إلى مجاريها ووصل حبال الود التي لم تنقطع ولكن ربما شابها شيء من الارتخاء خلال الفترة السابقة، لأن مستقبل الوطن والدولة لا يحتمل هذا التباعد والاختلاف.

وأخيرا، فإننا نغبط في هذه المملكة على ما حبانا الله به من تعاون وتآلف ورغبة في الخير والنجاح بين القيادة والشعب، ولعل ذلك يكون من عاجل بشرى المؤمنين، سائلا الله تعالى أن يجعل لقادتنا حظا ونصيبا وافرا من قول الرسول، صلى الله عليه وسلم، «خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم».

* الأمين العام للهيئة العالمية للتعريف بالرسول ونصرته