ناقلات النفط تغرق مياه الخليج بالمخلفات النفطية في غياب الجهات المعنية

خبراء يحذرون من تدمير البيئة البحرية.. ومطالبة بتنفيذ الأمر الوزاري رقم 4511

لقطة لحوض سفن في ميناء الملك عبد العزيز بالدمام
TT

أبدى خبراء في مجال البيئة مخاوفهم من مضاعفات تلوث المياه في الخليج العربي في الآونة الأخيرة، بسبب ما يعتبرونه تراخيا من الجهات المعنية بحماية البيئة في اتخاذ إجراءات سريعة لتفادي زيادة حجم التلوث، خاصة في ما يتعلق بالتلوث الناتج عن مقذوفات السفن التي تبحر في الخليج لشحن ونقل النفط من موانئ السعودية على الساحل الشرقي، التي تعد أكبر دولة في العالم مصدرة للنفط.

ويرى خبراء في مجال البيئة أن الحاجة ملحة لوضع حاضنات لاستقبال المقذوفات ومياه الاتزان المختلطة بالزيت التي تقوم السفن بتفريغها، عندما تأخذ حمولتها من النفط، حيث يعتبر التلوث بالنفط أهم أنواع التلوث في البحر.

وتتعرض البيئة البحرية في الخليج العربي لأشكال متنوعة من التلوث المباشر وغير المباشر، حيث تشحن الناقلات كميات كبيرة من النفط المستخرج في الخليج، التي يؤدي التسرب منها أو جنوحها إلى المساهمة بنسبة كبيرة في تلوث المياه، فضلا عن المياه الموازنة التي يتم التخلص منها في مياهه قبل الشحن.

ودلت دراسات على أن التلوث بالنفط في الخليج يبلغ أكثر من 47 مرة من التلوث على المستوى العالمي بالنسبة إلى وحدة المساحة. ويأتي 77 في المائة من التلوث من عمليات الإنتاج البحري والناقلات.

وأشار الدكتور علي عشقي الأستاذ في كلية علوم البحار بجامعة الملك عبد العزيز، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن السفن التجارية وناقلات النفط القادمة من المحيط الهندي، عندما تقف في ميناء رأس تنورة وميناء الملك عبد العزيز بالدمام أو الجبيل تظل واقفة لفترة من الزمن، وفي هذه الأثناء تقوم بملء حاوياتها من الماء لتثبت السفينة، وحين تأخذ حمولتها من النفط تقوم بتفريغ هذه المياه التي اختلطت بكمية كبيرة من الزيت، وهذا يؤثر على الكائنات الحية في الخليج، خاصة على عرائس البحر، لأن هذا التلوث أوجد تركيزات من الهيدروكربونات والمركبات العضوية الأخرى في مياه الخليج.

ونظرا لاعتماد دول الخليج على مياهه كمصدر للماء العذب بعد أن تتم تحليتها، فإن زيادة تركيزات الهيدروكربونات والعناصر الثقيلة في مياه البحر، تؤثر بدرجة كبيرة على نوعية المياه المنتجة في وحدات التحلية، خاصة أن البترول يتضمن أكثر من مليون مركب من الهيدروكربونات.

وكان قد صدر أمر ملكي رقم 4511 وتاريخ 31/5/1430. يقضي بتطبيق الإجراءات والضوابط الخاصة لمشروع إقامة تجهيزات استقبال ومعالجة مخلفات السفن والناقلات في الموانئ السعودية وفقا لمتطلبات الاتفاقية الدولية لمكافحة التلوث بالزيت «ماريول» 1973 – 1978، الصادرة من المنظمة الدولية البحرية. ويرى خبراء أن تنفيذ هذه التوجيهات لم يكن ملموسا حتى الآن للحد من مخاطر التلوث الذي يكاد يعصف بالبيئة في المنطقة الشرقية، على وجه الخصوص.

وقال عشقي إن بعض الأسماك تتحمل لفترات طويلة، مما يجعل هذه المواد تتراكم في أنسجتها، وعندما يتغذى عليها الإنسان من الطبيعي أن تنتقل إلى جسمه، ولو استمر في تناول الأغذية البحرية الملوثة لعدة أشهر يتراكم التلوث في جسمه ويصبح عرضة لأمراض السرطان أو غيرها.

وبين عشقي أن الاتفاقيات والقوانين التي تتعلق بالحفاظ على البيئة غير مطبقة بحذافيرها لدينا، كما أنه لا توجد رقابة على البحار، ومنها البحر الأحمر الذي ترمى فيه حتى النفايات الصناعية، ولا حسيب ولا رقيب، لا من السودان ولا من السعودية، خاصة أن عمقه يصل إلى 3 آلاف متر، في حين أن عمق الخليج 15 مترا. وقال إن قضية التلوث تخضع أيضا إلى جوانب أخلاقية، وربما قبطان ليس عنده ضمير، قد يحصل على مليون دولار مقابل حمل أكثر من 30 ألف طن من المخلفات الصناعية ويقوم برميها أثناء سيره في البحر.

من جانبه أكد الدكتور محمد بن علي قربان مدير الدراسات البحرية بمعهد البحوث بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، أن مياه الخليج من أكثر المياه المعرضة لتأثيرات التلوث على البيئة البحرية، سواء من تأثيرات شاطئية أو أرضية أو حتى مقذوفات السفن، لأنها أكثر منطقة تستقبل السفن لأنها غنية بالبترول.

وأشار إلى أهمية مشاركة القطاع الخاص في أي توجه لوضع حلول جذرية لتفادي كوارث التلوث على المدى البعيد. مشيرا إلى أن فكرة تبني القطاع الخاص إيجاد محطات استقبال يعد مشروعا مهما متى ما بني على الدراسة ومعرفة الطريقة المثلى لبناء هذه المحطات، كي يكون الاستثمار في مكانه، بما يحقق الفائدة والنتائج المرجوة للحد من ظاهرة التلوث.

من جانبها، قالت الدكتورة فاطمة الملحم رئيس قسم الأشعة في كلية الطب بجامعة الدمام، إنه مع الأسف لا توجد دراسات جادة بتحديد حجم التلوث، وإلا كانت النتائج مذهلة. مؤكدة أن التلوث قضية حساسة جدا وخطيرة على المجتمع والبيئة بشكل عام. ودعت الجامعات إلى إجراء بحوث ودراسات، عن تأثير التلوث على البيئة في المنطقة الشرقية، التي شهدت أحداثا كانت مؤثرة على البيئة، خاصة البيئة البحرية.

وكشفت الدكتورة الملحم أن من البديهي أن تكون للتلوث انعكاسات سلبية على الحياة والصحة العامة. مشيرة إلى أن القراءات تفيد بزيادة ملحوظة في نسب حالات الإجهاض بين السعوديات في السن المبكرة، إضافة إلى التأثيرات التي تتعلق بالعقم بين النساء والرجال.

وكشفت الدكتورة الملحم إلى ارتفاع نسبة الإصابة بالسرطان بشكل عام، وتأتي الإصابة بسرطان الثدي في المنطقة الشرقية بنسبة 24 في المائة من جملة الإصابات في السعودية، ويأتي التلوث في مقدمة الأسباب. وأشارت إلى أهمية الدراسات في هذا الجانب، سواء في ما يتعلق بآثار الغذاء في سرطان الثدي أو تلوث البيئة البحرية التي تعد مصدرا أساسيا للأسماك. وفي هذا الصدد، أكد أحد العاملين في سوق السمك أن التلوث تكون لها تأثيرات في الغالب على الأسماك. مشيرا إلى أن الصيادين لديهم القدرة على تمييز السمك المصاب بالتلوث، وذلك من خلال وجود أورام في جسد السمكة المصابة التي يتم إتلافها.