بروكسل «متفائلة» بقدرة إسبانيا والبرتغال على الخروج من هاوية الديون السيادية

رغم ارتفاع عائدات السندات وخفض تصنيف 5 بنوك برتغالية

TT

تواصلت ضغوط الأسواق على الاقتصاد البرتغالي المتعثر أمس الاثنين مع تخفيض مؤسسة «ستاندرد آند بورز» العالمية للتصنيف الائتماني تصنيف خمسة بنوك برتغالية، بينما قفز عائدات سندات البلاد إلى مستويات قياسية جديدة.

وتسبب الوضع السياسي غير المستقر للبرتغال في أن أصبح من الصعب بشكل متزايد على البلاد تجنب طلب مساعدات دولية بعد أن استقال رئيس الوزراء جوزيه سوكراتس من منصبه الأسبوع الماضي.

وخفضت «ستاندرد آند بورز» تصنيف بنوك «بنكو سانتندر توتا» و«كيكسا جنرال دي ديبوسيتوس» و«بنكو إسبيريتو سانتو» و«بنكو بي بي آي» و«ميلينيوماي سي بي». واستشهدت المؤسسة بالوضع السياسي الصعب للبرتغال الذي قد يجعل من الصعب على لشبونة الحصول على تمويل من الأسواق الدولية. وحسب «رويترز» قالت إنها تدرس أيضا خفضا جديدا لتصنيف الديون السيادية للبرتغال بعد أن قللت بالفعل التصنيف على الائتمانات طويلة الأجل إلى «بي بي بي» مقابل «سالب إيه» الأسبوع الماضي. من ناحية أخرى، ارتفع العائد على السندات البرتغالية لأجل خمس سنوات وعشر سنوات إلى 7.8 في المائة و8.5 في المائة على التوالي. ويسود هاجس بأن تكاليف الإقراض غير الدائمة سوف تجبر البرتغال على أن تقتفي أثر اليونان وآيرلندا في المطالبة بحزمة إنقاذ من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي. وكان سوكراتس تقاعد من منصبه بعد أن رفض البرلمان حزمة تقشف تشكل جزءا من جهوده لتقليص عجز الموازنة من أكثر من 7 في المائة إلى 4.6 في المائة هذا العام. ولم يقبل بعد الرئيس أنيبال أفاكو سيلفا استقالة سوكراتس بشكل رسمي. ومن المتوقع حينئذ أن يدعو إلى إجراء انتخابات مبكرة بعد حل البرلمان هذا الأسبوع. ولكن رغم ذلك أبدت المفوضية الأوروبية ببروكسل، وهي الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، تفاؤلا بشأن قدرة إسبانيا والبرتغال على تفادي الانزلاق إلى هوية أزمة الديون السيادية وقالت إنها لا تعتقد أن أيا من الدولتين سيتقدم بطلب للحصول على مساعدات مالية من آلية الإنقاذ المخصصة لدول منطقة اليورو التي تعاني من أزمة العجز في الموازنة. وقال أولي ريهن المفوض الاقتصادي، في تصريحات نشرت ببروكسل السبت، إنه لا يزال يعتقد بأن لا إسبانيا ولا البرتغال ستتقدم بطلب للحصول على مساعدة مالية في إطار صندوق الإنقاذ الأوروبي. وقال ريهن «إن الدين الوطني الإسباني أقل من المتوسط بالنسبة للمعدلات في الاتحاد الأوروبي، كما أن إسبانيا بدأت العام الماضي إجراءات تتعلق بتقليل الإنفاق الحكومي وإعادة هيكلة نظام المعاشات وسوق العمل وأيضا نظام بنوك الادخار في إسبانيا وهي إجراءات مهمة جدا»، وعن البرتغال قال إنه ليس متشائما بشأن البرتغال ولكن لا بد على القيادات السياسية التحرك للعمل من أجل وقف العجز الحكومي وذلك من خلال الإجراءات التي تضمنها اتفاق جرى التوصل إليه قبل أسابيع بين الحكومة البرتغالية والمفوضية الأوروبية. ومن جانبه أعلن رئيس الوزراء الإسباني خوسيه لويس رودريغيز ثاباتيرو أن حكومته ستتخذ مزيدا من الإصلاحات الاقتصادية بهدف تعزيز القدرة التنافسية وخفض العجز العام وتحقيق الاستدامة المالية. ونقل بيان رسمي عن ثاباتيرو قوله في مؤتمر صحافي عقب اجتماع زعماء الاتحاد الأوروبي في بروكسل، إن بلاده ستتخذ تلك الإصلاحات بما يتوافق مع (الميثاق من أجل اليورو) الذي كان قد تم الاتفاق عليه في 11 من الشهر الجاري لتعزيز الاستقرار المالي للمنطقة وتعزيز التنافسية والإنتاج. وأضاف ثاباتيرو أن إسبانيا تعتزم الالتزام بثماني نقاط أساسية لتحقيق تلك الأهداف من أهمها إنشاء لجنة استشارية لتعزيز القدرة التنافسية وتعزيز المفاوضات الجماعية وتنشيط التعليم المهني وتقنين العمالة غير المنظمة ورفع احتياطي رأس مال المؤسسات المالية الإسبانية.

وأوضح ثاباتيرو أن حزمة الإجراءات تتضمن أيضا دعم استقرار الميزانية عبر ربط نفقات الحكومة المركزية والحكومات المستقلة بالناتج المحلي الإجمالي الاسمي وذلك لضبط سقف النفقات والحد من العجز في الميزانية العامة وتحقيق الاستقرار المالي.

وفي سياق متصل أكد ثاباتيرو أن بلاده غير معرضة لعدوى الأزمة التي تعيشها البرتغال اليوم، مشددا على أن الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية التي اتخذتها إسبانيا في الفترة الماضية عملت على تحصين النظام الاقتصادي الإسباني في وجه الأزمات ودفعت بعجلة النمو الاقتصادي محققة انتعاشا ملحوظا في جميع قطاعات البلاد.

ونجحت إسبانيا في تقليص العجز العام في ميزانيتها إلى 9.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد مع نهاية 2010 لتفوق بذلك توقعات الحكومة بخفضه إلى 9.3 في المائة فيما واصلت ديونها الارتفاع لتبلغ 60.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي مع نهاية العام الماضي محققة بذلك مستويات تاريخية وقامت مؤسسة «موديز» بخفض التصنيف الائتماني على الودائع والديون لنحو 30 من البنوك الصغيرة والضعيفة بنسب متفاوتة بجانب أن توقعاتها بالنسبة لتلك النبوك «سلبية» هذا في ظل الضغوط التي تتعرض لها البلاد بسبب أزمة الديون السيادية وما إذا كانت الحكومة لديها النية نحو دعم تلك البنوك.

وكانت المؤسسة قد قامت بخفض التصنيف الائتماني للبلاد في وقت سابق من الشهر الجاري، حيث ترى أن دعم البنوك يحتاج إلى 50 مليار يورو في الوقت الذي قدرت فيه الحكومة أن 15 بنكا تحتاج إلى 15.2 مليار يورو.

وفي نفس الإطار قال مدير الشؤون المالية بصندوق النقد الدولي، خوسيه فينياليس إن الاقتصاد الإسباني قادر على تخطي «أسوأ الظروف المحتملة» بفضل الإجراءات التي اتخذتها حكومة مدريد وتسير في الطريق الصحيح. وقال فينياليس عقب مؤتمر عن الاقتصاد الإسباني في جامعة جورج تاون بواشنطن: «حينما يتم معرفة الطريق الصحيح، فهذا الأمر يشعر بالكثير من الأمان وأعتقد أن هذه أيضا هي وجهة نظر الأسواق». وجاءت هذه التصريحات ردا على سؤال بخصوص ما إذا كان يتوجب على إسبانيا أن تتبع خطوات اليونان وآيرلندا، البلدين اللذين تم اللجوء للاتحاد الأوروبي وصندوق النقد لإنقاذهما ماليا. وأعرب المسؤول عن ثقته في مستقبل الاقتصاد الإسباني، وذلك نظرا لـ«تحسن التوقعات»، ولكنه شدد في الوقت نفسه على ضرورة الاستمرار في إصلاح سوق العمل وإكسابه قدرا أكبر من المرونة لكي لا تؤدي بعض الإجراءات التقشفية إلى توليد المزيد من البطالة. وطالب مدير قسم الشؤون المالية بالمزيد من التدعيم الضريبي، مبرزا الإصلاح الأخير في منظومة التقاعد والمعاشات التي قامت بها حكومة مدريد.

وكان زعماء الاتحاد الأوروبي وافقوا نهاية الأسبوع الماضي على تطبيق حزمة تدابير تهدف إلى استقرار الوضع الاقتصادي في أوروبا والتصدي لأزمة الديون التي تعترضها. وعن البرتغال وحسب العديد من المراقبين، ظلت تحاول بجهد كبير كي تتجنب الوقوع في الإفلاس أو حتى طلب المساعدة من الاتحاد الأوروبي في الوقت الذي قامت فيه بتطبيق أكبر خطة لخفض العجز منذ ثلاثة عقود، وعلى الرغم من ذلك فإن هذه المحاولات لم تقنع المستثمرين في الأسواق. وهو ما اضطر إلى تقديم المزيد من الإجراءات التي من شأنها أن تصل بمستوى عجز الموازنة إلى 4.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام الحالي وإلى أن يصل للمستوى المعياري الخاص بالاتحاد الأوروبي بنسبة 3 في المائة في عام 2012.

لكن ما استجد هو أن البرلمان البرتغالي لم يوافق على مقترحات الحكومة بالإجراءات الإضافية، الأمر الذي زاد من تعقيد الوضع وذلك قبيل ساعات قليلة من القمة الاقتصادية التي عقدها الاتحاد الأوروبي، وكذا دفع هذا الرفض إلى قيام رئيس وزراء البرتغال بتقديم استقالته. وقامت مؤسسة «ستاندرد آند بورز» بخفض التصنيف الائتماني للبرتغال بمقدار نقطتين وقد تقوم بخفض آخر يبلغ نقطة واحدة في الأسبوع المقبل.

وقامت أيضا مؤسسة «فيتش» بخفض التصنيف الائتماني بمقدار نقطتين. كما قامت مؤسسة موديز في 15 مارس (آذار) الجاري بخفض التصنيف الائتماني للبلاد.

جدير بالذكر أن الحكومة البرتغالية قد أعلنت في وقت سابق عن خفض توقعاتها بالنسبة للاقتصاد للعام الحالي ليسجل انكماشا بنسبة (- 0.9 في المائة) وذلك قبل أن يحقق نموا بنسبة 0.3 في المائة في العام القادم ويتبعه نمو بنسبة 0.7 في المائة في العام الذي يليه وبنسبة نمو 1.3 في المائة في عام 2014. وأشارت الحكومة إلى أن الانكماش الذي قد تشهده البلاد في العام الحالي يرجع إلى تراجع الاستثمارات وخفض الإنفاق العام لتقليص العجز.