مؤتمر لندن: العمليات العسكرية في ليبيا مستمرة حتى تراجع القذافي.. وقطر تستضيف جولة المحادثات الثانية

كلينتون تلمح إلى إمكانية تسليح الثوار.. وجدل حول تفسير القرار الدولي لجهة إرسال سلاح

الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني وهيلاري كلينتون والشيخ عبد الله بن زايد لدى وصولهم أمس الى لانكستر هاوس في لندن لحضور المؤتمر الدولي حول ليبيا (إ.ب.أ)
TT

اتفق المشاركون في مؤتمر لندن الذي عقد حول ليبيا أمس، على استمرار العمليات العسكرية ضد قوات العقيد الليبي معمر القذافي حتى يستجيب الأخير لمطالب الأمم المتحدة ويخضع للقرار 1973، وتشديد العقوبات على النظام الليبي، إلا أنهم حرصوا على التشديد في المقابل على أنه لن تكون هناك «قوات احتلال بأي شكل من الأشكال». واتفق المشاركون في المؤتمر الذي استضافته بريطانيا، وشاركت فيه 35 دولة من بينها الولايات المتحدة التي مثلتها وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ودول عربية وأوروبية، إضافة إلى منظمات دولية، على عقد مجموعة تواصل حول ليبيا، ستعقد لقاءها المقبل في قطر «بأسرع وقت ممكن» والتالي سيعقد في إيطاليا.

ورغم اتفاق المشاركين على ضرورة تنحي القذافي، من دون تحديد الطريقة، فإنهم اختلفوا حول تسليح المعارضة الليبية. ولم يشارك ممثلون من المعارضة الليبية في المؤتمر، إلا أنهم حلوا ضيوفا على وزارة الخارجية البريطانية. واستقبل وزير الخارجية البريطاني، راعي المؤتمر، محمود جبريل، المبعوث الخاص للمجلس الانتقالي في بنغازي قبيل بدء أعمال المؤتمر. كما عقد عضوان من المجلس الانتقالي مؤتمرا صحافيا في وزارة الخارجية البريطانية، شكرا فيه المجتمع الدولي على الدعم السياسي، ولكنهما قالا إن الثوار الليبيين بحاجة إلى أسلحة للتمكن من مواجهة قوات القذافي. وقال محمود شمام الذي يرأس التواصل الإعلامي: «نرحب بأي مساعدة نتلقاها من أي بلد، ولكن حتى الآن لم نتلق شيئا بعد. نطلب من الجميع أن يساعدونا بعدة طرق، وإحداها أن يزودوا شباننا بالسلاح». وأضاف: «نحن لا نملك إلا أسلحة خفيفة، ولو كنا نملك غيرها لكنا أنهينا القذافي. نحن نطلب دعما سياسيا أولا، ولكن نرحب أيضا بمساعدات عسكرية».

ووزعت وزارة الخارجية البريطانية بيانا صدر عن المجلس الوطني الانتقالي الذي يمثل الثوار الليبيين، جاء فيه تعهد بإجراء «انتخابات حرة ونزيهة» بعد سقوط القذافي. وأكد الثوار في بيانهم على «تطلعاتهم لدولة موحدة وحرة وحديثة» وأن المجلس «يضمن لكل ليبي حق التصويت في انتخابات تشريعية ورئاسية حرة ونزيهة». وأضاف أن «دستورا وطنيا يوافق عليه عبر استفتاء سيضمن تشكيل أحزاب سياسية واحترام حرية التعبير بفضل وسائل إعلام ومظاهرات سلمية». وتابع أن «دولة مدنية دستورية ستحترم حرمة الدين وستندد بعدم التسامح والتطرف والعنف» مؤكدا أن ليبيا جديدة «ستنضم إلى المجموعة الدولية في رفض العنصرية والتمييز والإرهاب والتنديد بها». وبعد أن وعدوا باحترام حقوق الإنسان، أكد الثوار من جانب آخر على «حماية مصالح وحقوق الشركات الأجنبية» في إشارة إلى الموارد النفطية الكبرى في البلاد. والمجلس الانتقالي الذي يضم 31 عضوا يعتبر الهيئة السياسية الأبرز للثوار، ولم تعترف به حتى الآن سوى فرنسا وقطر.

وفي حين نفى وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ أن يكون المؤتمر قد بحث إمكانية تسليح المعارضة الليبية، أشارت كلينتون في مؤتمر صحافي عقدته بمفردها بعد انتهاء المؤتمر، إلى أن قرار مجلس الأمن حول ليبيا يمكن أن يفسر على أنه يسمح بتسليح المعارضة. وقالت إنها ناقشت سبل تقديم مساعدة مالية للمجلس الوطني الانتقالي المعارض في ليبيا لكن إمكانية إمداده بالسلاح لم تناقش. وأضافت أن الولايات المتحدة لم تتخذ أي قرارات بخصوص إمكان تقديم سلاح، لكنها تعتقد أن قرار مجلس الأمن الدولي 1973 يمكن أن يسمح «بنقل مشروع للأسلحة إذا اختار أي بلد القيام بذلك».

كما أبدى وزير الخارجية الفرنسي ألان جوبيه استعداد بلاده لمناقشة مسألة تسليح المعارضة الليبية مع شركائها في الائتلاف. وقال جوبيه في تصريحات أدلى بها عقب الاجتماع: «أذكركم بأن تسليح المعارضة ليس ضمن قرار الأمم المتحدة الذي تلتزم به فرنسا أيضا، إلا أننا على استعداد لمناقشة التسليح مع شركائنا».

إلا أن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي أندريه فوغ راسموسن بدا أكثر حزما ووضوحا، وقال في تصريح تلفزيوني إن الحلف «موجود هناك لحماية الشعب وليس لتسليحه». وردا على سؤال لـ«سكاي نيوز» حول إمكانية تقديم السلاح للمعارضين الليبيين الذين يقاتلون القوات الموالية للعقيد معمر القذافي، قال راسموسن إن «قرار مجلس الأمن (الذي يسمح بالتدخل في ليبيا) شديد الوضوح: فهو يطالب بفرض حظر على الأسلحة. لذلك نحن هناك لحماية الشعب وليس لتسليح الشعب».

ولم يتطرق المؤتمر إلى مصير القذافي، إلا أن كلينتون لمحت إلى أن من بين الخيارات التي تدرس، السماح له بمغادرة البلاد من دون أن يتعرض للملاحقة. وكانت المحكمة الجنائية الدولية قد أصدرت مذكرات توقيف بحق القذافي وأولاده التسعة. وتحاول إيطاليا التوسط مع دول أفريقية يمكن للقذافي أن ينفى إليها، مقابل عدم ملاحقته في المحكمة الجنائية وتنحيه عن السلطة. ورغم أن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا يفضلون تنحي قذافي واعتقاله ومحاكمته، فإن بريطانيا لمحت إلى أنها قد تقبل بحل يقضي بتركه البلاد وعدم ملاحقته إذا كان ذلك يضمن إعادة الاستقرار إلى ليبيا.

ولكن المتحدث باسم الثوار الليبيين، شمس الدين عبد الملا، قال لوكالة الصحافة الفرنسية إن مؤتمر لندن «يجب أن يقرر محاكمة القذافي بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية لا أن يعرض عليه المنفى»، مشيرا إلى أن هذا الأمر «غير قابل للتفاوض».

وجاء في البيان الختامي الذي صدر عن المشاركين والذي تلاه هيغ في مؤتمره الصحافي المشترك مع رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، أن المشاركين في مؤتمر لندن يدعون القذافي إلى الالتزام بالقرار الدولي «الذي يستمر في خرقه»، وأنهم اتفقوا على تشديد العقوبات على أشخاص ومؤسسات مرتبطة بالنظام. وأضاف البيان: «المجتمعون هنا اليوم يريدون إرسال رسالة واضحة للقذافي بأنه لا يمكنه الاعتداء على المدنيين والإفلات من العقاب».

من جهته، قال وزير الخارجية القطري إن المشاركة العربية في العمليات في ليبيا «ينبغي أن تكون أكبر». وأضاف ردا على سؤال حول ضعف المشاركة العربية في المؤتمر: «أوافق على أن المشاركة العربية ليست كبيرة أو ملموسة فعلا.. ينبغي أن تكون مشاركة العرب أكبر». وتعد قطر والإمارات العربية المتحدة الدولتين العربيتين الوحيدتين المشاركتين في العمليات بليبيا، علما بأن الجامعة العربية أيدت قرار الأمم المتحدة الذي يجيز تدخلا عسكريا في البلاد. ولكن الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى لم يحضر الاجتماع، بل أرسل ممثلا عنه.

وأضاف رئيس الوزراء القطري: «آمل أن تزداد» المشاركة العربية، مشيرا إلى أن النزاع في ليبيا «يعني العرب» كذلك. وأرسلت سبع دول عربية من أصل 24 عضوا في الجامعة العربية تمثيلا إلى مؤتمر لندن.

ومن بين ما تضمن البيان الختامي الذي صدر عن المؤتمر أيضا، أن المجتمعين اتفقوا على أن نظام القذافي «فقد شرعيته بشكل كلي وسيتم محاسبته بناء على أفعاله.. الشعب الليبي يجب أن يتمتع بحرية اختيار مستقبله»، ولكنه أضاف أن الشعبي الليبي فقط هو من يختار حكومة ليبيا، في تأكيد على عدم وجود إرادة لدى المجتمع الدولي بفرض حكومة على الشعب الليبي بعد سقوط القذافي. وعبر المجتمعون أيضا عن قلقهم من تشريد نحو 80 ألف ليبي من منازلهم، واتفقوا على اتخاذ خطوات إنسانية للمساعدة. وضم اجتماع لندن 36 دولة بينها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا التي كانت وراء إطلاق العمليات العسكرية في ليبيا، وكذلك الكويت والأردن ولبنان والمغرب وقطر وتونس والإمارات، إضافة إلى تركيا التي مثلها وزير خارجيتها أحمد داود أوغلو. وشارك أيضا حلف شمال الأطلسي والأمين العام للام المتحدة بان كي مون، في حين أوفدت الجامعة العربية السفير هشام يوسف.