الأسد يقبل استقالة حكومته ويلقي اليوم كلمة في مجلس الشعب.. للمرة الأولى منذ اندلاع الأزمة

وسط ترقب لإعلان رفع حالة الطوارئ المفروضة منذ 48 عاما

جانب من «المظاهرة المليونية» التي عمت المدن السورية كافة أمس (رويترز)
TT

بعد نحو عشرة أيام على المظاهرات الاحتجاجية وما رافقها من اضطرابات في العديد من المدن والمناطق في سورية، قدمت الحكومة السورية برئاسة ناجي عطري استقالتها أمس. وقال بيان رسمي مقتضب إن الرئيس السوري بشار الأسد قبل «استقالة الحكومة السورية وكلفها تسيير الأعمال لحين تشكيل حكومة جديدة» دون أي تفاصيل أخرى. وعقب ذلك، أكد مسؤول سوري لوكالة الصحافة الفرنسية أن الأسد سيتحدث اليوم في مجلس الشعب، وستكون هذه المرة الأولى التي يتحدث فيها الأسد علنا منذ بدء الأزمة قبل أكثر من أسبوع.

وقال مصدر في مجلس الشعب السوري، لوكالة الأنباء الألمانية، إن أعضاء المجلس تلقوا أمس دعوة للاجتماع صباحا وطلب من الجميع الالتزام بهذا الاجتماع. وأضاف: «من المنتظر أن يقدم الأسد خلال كلمته برنامج الإصلاح» الذي وعدت به السلطات السورية الأسبوع الماضي، بدون الإدلاء بالمزيد من التفاصيل.

وتشكلت حكومة محمد ناجي عطري في سبتمبر (أيلول) عام 2003، وذلك بعد قبول الأسد استقالة حكومة محمد مصطفى ميرو. وطرأ عليها سبعة تعديلات آخرها كان في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وبحسب التوقعات فإن تشكيل الحكومة الجديدة سيكون خلال 24 ساعة، في ظل ترقب لخطاب الأسد اليوم.

وسيكون من مهام الحكومة الجديدة البدء بتنفيذ برنامج الإصلاحات التي أعلنت عنها القيادة السورية الخميس لتهدئة الاحتجاجات غير المسبوقة التي شهدتها البلاد في عدة مدن للمطالبة بالحريات ومكافحة الفساد وإسقاط الفساد، وأشدها كان في محافظة درعا التي بدأت منها التظاهرات على خلفية احتجاج على معالجة المحافظ والمسؤولين الأمنيين في المحافظة قضية اعتقال مجموعة من الأطفال على خلفية اتهامهم بالكتابة على جدران المدرسة عبارات تدعو إلى إسقاط النظام.

وامتدت الاحتجاجات لتصل إلى عدد من المدن السورية يوم الجمعة الماضي نصرة لدرعا التي سقط فيها العشرات وأصيب المئات، عدا أعمال تخريب وحرق وقتل في أكثر من محافظة، ونسبت السلطات هذه الأعمال إلى «عصابات مسلحة وقوى خارجية تريد زعزعة استقرار سورية».

ورغم الإعلان عن إصلاحات سياسية واقتصادية، يستمر اعتقال كل من تشتبه به السلطة على أنه معارض للنظام. وقد أعلن «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أن السلطات السورية اعتقلت خمسة محامين، داعيا هذه السلطات إلى الإفراج الفوري عن كافة معتقلي الرأي. وأضاف في بيان أمس: «الخمسة هم المحامي والناشط الحقوقي حسين عيسى الذي اعتقل الأحد 27 مارس (آذار) بعيد خروجه من القصر العدلي في دمشق، والناشط الحقوقي تامر الجهماني من نادي الصحافة في دمشق، والمحاميان سليمان نحيلي ونضال الشيخ حمود اللذان اعتقلا أثناء مشاركتهما في تظاهرة الجمعة 25 مارس (آذار) في مدينة حمص، والمحامي محمد إبراهيم عيسى الذي اعتقل في الخامس من مارس (آذار) في ريف دمشق».

وفيما تنتظر سورية ظهور الأسد اليوم، يسود ترقب لما يمكن أن يعلنه الرئيس السوري، خصوصا لجهة إنهاء حالة الطوارئ المفروضة في البلاد منذ 48 عاما، وهو ما كان لمحت إليه مستشارته بثينة شعبان في مؤتمر صحافي الأسبوع الماضي أعلنت فيه إصلاحات سياسية واقتصادية.

ولكنّ مراقبين يقولون إن خطوة إعلان رفع حالة الطوارئ، لن يكون لها سوى معنى رمزي إذا لم ترافقها إصلاحات مهمة أخرى، بحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية. وقال فيصل عيتاني نائب رئيس دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة «تحليل حصري» (إكسكلوسيف أناليسيس) التي يقع مقرها في لندن أن «رفع حالة الطوارئ هو بادرة رمزية في أفضل الأحوال». وأضاف عيتاني للوكالة الفرنسية: «حتى وإن تم تطبيق ذلك، فإنه لن يعالج المسألة الأساسية وهي المستوى العالي من السلطة الاقتصادية والسياسية الموجودة في أيدي نخبة سياسية محصورة». وتابع يقول: «الشيء الوحيد الذي يمكن أن يعالج المشكلة في الوضع الراهن سيكون إصلاحات كبرى حول كيفية توزيع السلطة».

وقال نديم حوري، الباحث البارز في منظمة «هيومان رايتس ووتش»، أنه «لكي يترك رفع حالة الطوارئ أثرا فعليا، سيكون على الرئيس الأسد أن يلغي العمل بمحكمة أمن الدولة ومؤسسات أخرى أنشئت في السنوات الثلاثين الماضية من أجل إحكام قبضة النظام». وأضاف «فيما سيعتبر ذلك خطوة إيجابية إلى الأمام، فإنه يجب اعتماد الكثير من الإصلاحات الأخرى لتأمين الحرية للسوريين التي يستحقونها». وتابع أن إحدى الخطوات المهمة قد تكون إنشاء هيئة مستقلة للإشراف على وكالات الأمن السورية الكثيرة وسن قوانين تتوافق مع معايير حقوق الإنسان العالمية، كما قال حوري.

وكانت شعبان كشفت في حديث لوكالة الصحافة الفرنسية الأحد الماضي في دمشق أن قرار إلغاء قانون الطوارئ قد اتخذ. وكان قانون الطوارئ وضع في ديسمبر (كانون الأول) 1962 وبدأ العمل به بعيد وصول حزب البعث إلى السلطة في مارس (آذار) 1963. ويفرض هذا القانون قيودا على حرية الاجتماع ويتيح اعتقال الأشخاص المشتبه بهم أو الذين يهددون الأمن، كما يتيح قانون الطوارئ مراقبة الاتصالات وفرض رقابة مسبقة على وسائل الإعلام. وفي خطوة تهدئة أعلنت الأسبوع الماضي قالت السلطات إن هناك محادثات جارية لاعتماد قوانين جديدة حول الإعلام والترخيص لأحزاب سياسية، لكن محللين يرون أنه من المبكر جدا القول بما سيعنيه هذا الأمر بالنسبة لحرية الصحافة في هذه الدولة الشرق أوسطية المهمة. وقال عيتاني إن «حالة الطوارئ تؤمن فقط غطاء شرعيا لشيء يجري تنفيذه بالقوة». وقال حوري إن «الخطوات الواجب اتخاذها من أجل إصلاح فعلي تشمل، على سبيل المثال، إقامة لجنة انتخابية مستقلة لتسجيل أحزاب سياسية جديدة». وأكد المحللون ضرورة معالجة صلب الموضوع لتهدئة الأوضاع. وقال عيتاني إن «نحو ثمانين في المائة من الشعب يشعر بأنه محروم وهم الشريحة الأكثر تأثرا بالمشاكل الاجتماعية - الاقتصادية». وأضاف أنه «سيكون على حزب البعث أن ينفتح على تقاسم السلطة ومن غير الواضح ما إذا كان راغبا بذلك».