أجواء ترقب وقلق على الحدود التونسية ـ الليبية في انتظار نهاية الأزمة

الفرق الإنسانية المختلفة تستعد للأسوأ

TT

تسود المناطق الحدودية التونسية القريبة من ليبيا والمجتمع الصغير الذي نشأ على الحدود بسبب الأزمة الخطيرة القائمة في ليبيا، أجواء قلق وترقب وتوتر أحيانا؛ فالكل ينتظر بفارغ الصبر نهاية الأزمة في حين تستعد الفرق الإنسانية المختلفة للأسوأ، حسب ما ذكر مراسل وكالة الصحافة الفرنسية.

وشهدت مدينة بنقردان (560 كم جنوب شرقي العاصمة التونسية)، في الأيام الأخيرة، مناوشات محدودة بين أنصار الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي ومعارضيه تمكن الجيش التونسي في كل مرة من فضها وسط مطالبة السكان جيرانهم بإبعاد تونس عن مشكلاتهم الداخلية.

ففي ساحة المغرب العربي بالمدينة سحب، الأحد، عدد قليل من الليبيين المعارضين والموالين سيوفا وهراوات وكاد يحصل ما لا تحمد عقباه لولا مسارعة جنود تونسيين إلى تفريق الجميع ومطاردتهم لنزع السيوف.

وعلق أحد أبناء المدينة الجالسين في مقهى مقابل الساحة: «أهلا بكل الإخوان الليبيين، لكننا لا نريد مشكلات أو أن يرفع علم غير العلم التونسي في تونس».

وعند نقطة العبور براس جدير بدا في الأيام الأخيرة تدفق عدد كبير من الأسر الليبية التي ملأت سياراتها بأثاث منزلي، مما يدل على أنها تنوي تأجير منازل والإقامة لمدة قد تطول.

ويتكتم هؤلاء كثيرا، ولدى سؤالهم عن الأحوال على الجانب الثاني من الحدود يكتفون بترديد: «الأمور مية مية (جيدة جدا)، شكرا لإخواننا التوانسة». لكن أحد سائقي عشرات الشاحنات الكبيرة التي تنتظر دورها للمرور عبر آلات التفتيش الإلكتروني قبل عبور الحدود، أشار إلى ارتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية في ليبيا.

وقال السائق الكهل، القادم من صبراتة، الذي رفض الكشف عن اسمه: «إن سعر لتر زيت الصويا الذي كان يباع بـ2.5 دينار ليبي أصبح 4.5 دينار، وارتفعت أسعار باقي المواد الغذائية بما يزيد على 30%». وأضاف: «لا نطلب من الله إلا أن ينتهي هذا الوضع بأقرب وقت، ويعود السلام». وقال إنه ذاهب إلى دار علوش (شمال) لجلب شحنة من الطماطم.

في هذه الأثناء لا يكاد يتوقف عبور شاحنات خفيفة ليبية محملة خصوصا بالمعكرونة إلى الأراضي الليبية.

ويتواصل قدوم اللاجئين الفارين من الأوضاع في ليبيا من مختلف الجنسيات.

ولوحظ، الأحد، ارتفاع في أعداد الليبيين والمصريين والسودانيين والمغاربة. وفي حين يقصد الليبيون معارف لهم في تونس أو فنادق أو منازل يستأجرونها، وتحيط السلطات المغربية بجاليتها لتأمين رحيلها إلى البلاد، يقصد المصريون والسودانيون المخيمات الكثيرة المنصوبة عند منطقة الشوشة القريبة من معبر راس جدير.

وفي مخيمات الشوشة تسود أجواء ترقب المجتمع الصغير الذي نشأ في المكان، في حين يستعد العاملون الإنسانيون للأسوأ المتمثل في تدفق كبير للاجئين.

وتضاربت روايات مجموعة من السودانيين بشأن الأجواء في ليبيا غير أنهم جميعا يريدون العودة إلى بلادهم بأسرع وقت.

وفي حين يقول عامل البناء آدم (37 عاما) الذي جاء من منطقة دارفور إلى الشوشة قبل 5 أيام: «لم تعترضنا أي مشكلات وكل شيء تمام»، يشير مواطنه جواد (35 عاما) إلى «وجود حواجز على الطريق باتجاه تونس وهم يأخذون كل الهواتف النقالة بشريحاتها وأيضا الكاميرات مهما كان نوعها».

وقال السودانيان: «تمكنَّا هنا من الاتصال بأهالينا وهم قلقون ويريدوننا أن نرجع سريعا» غير أنه سيكون عليهما انتظار دورهما في الترحيل.

وفي انتظار ذلك يمضون أوقاتهم في لعب كرة القدم والورق أو التجول في السوق التي نشأت على أطراف المخيمات؛ حيث يمكن التزود بكل شيء من شفرة الحلاقة إلى الهاتف الجوال.

ووجد صغار باعة السوق المغاربية ببنقردان أو ما يعرف بـ«سوق ليبيا» الذين كسدت تجارتهم، وأقفل الكثير منهم بسطاتهم الصغيرة، عملا لهم وسط اللاجئين. ونصبوا بسطات أغلبها للسندويتشات الخفيفة والشاي الذي يعدونه خفيفا كما قال خليفة (70 عاما) «لأن السودانيين والمصريين الذين يقبلون كثيرا على الشاي يفضلونه خفيفا ولا يتحملون شاينا الثقيل في بنقردان». وأكد أنه «يقدم الشاي لكل من يطلب، من معه مال ومن ليس معه». وعند سؤاله عن الأوضاع في ليبيا وأثرها على تونس في التاريخ، قال خليفة: «منذ أيام الطليان (في ليبيا) والفرنسيين (في تونس)، كنا مع الليبيين أسرة واحدة ونتقاسم الرغيف عند الشدائد». وسرد قصة حدثت مع أحد أعمامه قبل عشرات السنين؛ حيث كان قد استضاف أسرة ليبية ليست له سابق معرفة بها فرت من بطش الاستعمار الإيطالي، وغادرت الأسرة فجأة، وتركت ابنها البالغ من العمر 4 سنوات في المنزل. وأضاف أن عمه «سجل الولد باسمه وكبر وترعرع هنا بيننا كتونسي»، مشيرا بذلك إلى عمق الروابط بين الأسر على جانبي الحدود.

وختم خليفة بدعاء أن «تنتهي الأمور على خير سريعا». لكن ذلك لم يمنع الفرق الطبية الكثيرة في الشوشة من الاستعداد للأسوأ؛ حيث تتم إقامة خيام كثيرة جديدة غرب المخيمات القائمة حاليا.

ويقول خالد سائر، أحد المسؤولين عن المستشفى الميداني المغربي المنظم جدا في الشوشة: «جلبنا الكثير من الأطباء من المغرب (21 طبيبا) والتجهيزات اللازمة. نعالج 400 شخص يوميا أغلبها حالات تعب وحساسية لتغير المناخ أو النظام الغذائي وأيضا توتر وقلق بسبب الوضع».

وأضاف زميله كمال العمراني: «نستعد لكل طارئ، وإذا طُلب منا مثلا أن نتوجه إلى الجانب الآخر من الحدود فإننا مستعدون، لكن هذا أمر يعود البت فيه للسلطات المعنية في البلدان الثلاثة».