مقتل مخرج «أولاد آرنا» يثير صدمة وغضبا فلسطينيين

فلسطينية أبيه ويهودية أمه تثيران جدلا حول قوميته.. رغم أنه ترك إسرائيل وعاش في مخيم جنين

تنحدر جوليانو من مدينة الناصرة، وولد عام 1958 لأب فلسطيني، وهو القيادي في الحزب الشيوعي الإسرائيلي صليبا خميس (أ.ب)
TT

ما زال الشارع الفلسطيني مصدوما من خبر مقتل المخرج الفلسطيني الشهير جوليانو ميرخميس الذي يحمل الهوية الإسرائيلية، وقضى في مخيم جنين، أول من أمس، برصاص مسلحين مجهولين.

وأعلن الفنانون والمسرحيون الفلسطينيون أمس يوما تضامنيا مع جوليانو، وطاروا إلى مسرح الحرية، الذي كان يديره في مخيم جنين، واعتصموا في المكان، في وقت فتحت فيه مسارح أخرى في الضفة وفي الداخل الفلسطيني أبوابها لتقبل العزاء بجوليانو.

وقتل مخرج الفيلم المشهور «أولاد آرنا»، الذي يتناول قصص 10 أطفال من جنين كان يدرسهم جوليانو المسرح مع والدته «آرنا»، قبل أن ينتقلوا لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي بالسلاح بعد الانتفاضة الثانية، بعد تلقيه عدة تهديدات سابقة، تطلب منه مغادرة مخيم جنين، بتهمة أنه يقود تطبيعا في المكان.

وينحدر جوليانو من مدينة الناصرة، وولد عام 1958 لأب فلسطيني، وهو القيادي في الحزب الشيوعي الإسرائيلي صليبا خميس وأم يهودية هي «آرنا» التي طالما ناضلت من أجل القضية الفلسطينية.

كان جوليانو يدير «مسرح الحرية» في جنين في السنوات الأخيرة، جنبا إلى جنب مع الناشط السابق في كتائب الأقصى التابعة لفتح، زكريا الزبيدي، ومثل جوليانو عدة أفلام إسرائيلية وأميركية منها فيلم «عازفة الإيقاع الصغيرة».

وأثار جوليانو اهتمام الصحف العالمية عندما قدم رواية «مزرعة الحيوانات» للكاتب الإنجليزي جورج أوريل على مسرح الحرية، وأخرج مؤخرا مسرحية «الكراسي» التي عرضت في رام الله.

غير أن فيلمه «أولاد آرنا»، الذي استغرق إنجازه 10 سنوات، كان الذي أشهره كثيرا، وسلط الفيلم الضوء على حياة الفلسطينيين في مخيم جنين؛ إذ تابع الفيلم حياة 10 من الأطفال الذين تدربوا على المسرح، وتتبع سير حياتهم حتى كبروا وتحولوا من خشبة المسرح إلى خشبة المقاومة.

ورافقت كاميرا جوليانو هؤلاء الشبان، منذ أن كانوا أطفالا، وكيف كانوا يحبون ويتدربون على المسرح، حتى اضطروا شبانا إلى الدفاع عن المخيم في لقطات فريدة وخطرة، وقد قضى بعضهم.

ومعروف عن جوليانو تأييده للمقاومة المشروعة للفلسطينيين، ومرة وصف درعا تلقاها من كتائب الأقصى بأنها أغلى من الأوسكار.

وأربكت عملية قتل جوليانو السلطة الفلسطينية، التي أصبحت قدرتها على ضبط الأمن على المحك. وفورا أدان رئيس الوزراء الفلسطيني المكلف سلام فياض، بشدة، «جريمة» قتل جوليانو ميرخميس. وقال فياض، في تصريح صحافي مكتوب: «إن هذه الجريمة البشعة لا يمكن السكوت عنها إطلاقا، وهي تشكل انتهاكا خطيرا يتجاوز كل المبادئ والقيم الإنسانية، وتتناقض مع عادات شعبنا وأخلاقه في التعايش».

وأكد فياض أنه أعطى تعليماته للأجهزة الأمنية للعمل الحثيث على مدار الساعة من أجل إلقاء القبض على الجاني ومحاكمته، مشددا على أنه «لا يمكن التهاون في التعامل مع هذه الجريمة أو غيرها، كما لا يمكن السماح، تحت أي ظرف من الظروف، بالفلتان والعبث بالأمن».

واعتقلت الأجهزة الأمنية في جنين مشتبهين بقتل جوليانو. وأشار القائد السابق للجناح العسكري لحركة فتح في جنين، زكريا الزبيدي، إلى اعتقاده أن ميرخميس وقع ضحية صراع القوى على الساحة الفلسطينية، وأن قاتله هو فلسطيني تلقى الدعم من منظمة فلسطينية قوية، أو من دولة.

واستنكرت رابطة المسرحيين الفلسطينيين جريمة اغتيال المخرج ميرخميس، وقالت، في بيان: «لن يوقف هذا الاعتداء الحركة المسرحية عن المضي قدما في صنع مستقبل لأطفالنا ولأجيال فلسطين المقبلة يكون منارة لهم في التصدي لكل حركات التجهيل والعنف واستخدام القوة لخلق وقائع على الأرض لا تخدم أي أجندة وطنية أو إنسانية».

وبعد مقتل جوليانو، أثير جدل حول قوميته، وعرفه البعض بالفلسطيني، والبعض بالإسرائيلي، والبعض بالفلسطيني - الإسرائيلي، كونه يحمل الجنسية الإسرائيلية، وأبيه فلسطينيا وأمه يهودية.

وقال الشاعر الفلسطيني غسان زقطان، على موقعه على «فيس بوك»: «علينا أن ننتصر لفلسطينية جوليانو ميرخميس؛ ففي هذا نضال ومقاومة للاحتلال ولذوبان هوية المبدع الفلسطيني في ظل سرقته من فلسطينيته تماما كما تمت سرقة مكاننا وتاريخنا وأطباقنا وهوائنا ومائنا وما يسرون وما يعلنون؛ لذا علينا مقاطعة أي صحيفة تنشر خبر وفاة مخرج إسرائيلي هو جوليانو؛ لأن هذا اعتراف فاضح وعاهر بإسرائيل، لا يليق بمن اختار أن يعيش في المخيم ليس كمكان إبداعي فقط إنما كتكريس لشرط الوجود في ظل انعدامه، ولو عنوة.. جوليانو الفلسطيني مرحبا بك في أرض الحياة!».

وقتل جوليانو، الذي يعيش في جنين منذ سنوات، في الذكرى التاسعة لمعركة جنين، التي خلد هو بعض فصولها في بعض أفلامه.

وأثار التوقيت استفسارات كثيرة، حول الجهة المستفيدة من تغييبه.

وقالت مصادر لـ«الشرق الأوسط»: إن جوليانو تعرض لتهديدات سابقة، بعضها جاء في بيانات وُزعت في المخيم وتتهمه بقيادة «التطبيع» هناك.

كان مسرح الحرية نفسه، الذي يديره جوليانو مع الزبيدي، قد أُحرق في وقت سابق لهذا السبب.

وسيشيع جوليانو إلى مثواه الأخير اليوم الأربعاء؛ إذ سيسجى جثمانه في مسرح «الميدان» في حيفا. قبل أن تنطلق مسيرة الجنازة في شوارع المدينة العربية، إلى حاجز الجلمة عند مدخل جنين، لإلقاء نظرة الوداع على المدينة والمخيم اللذين عاش فيهما، ثم إلى مقبرة كيبوتس «راموت منشيه».

وقال التجمع الوطني الديمقراطي في الداخل: «إن التجمع يندد بجريمة اغتيال الفنان والمناضل الفلسطيني جوليانو ميرخميس، ويرى في هذه الجريمة البشعة اغتيالا سياسيا لشخصية عُرفت بدفاعها عن مبادئ الحرية وعن حرية الشعب الفلسطيني ومناهضتها للاحتلال وللصهيونية».