فيلم «365 يوم سعادة» يعيد المتفرج إلى الزمن الرومانسي الجميل

يبدأ عروضه اللبنانية بعد أن أصابته الثورة المصرية في الصميم

TT

خفيف، ظريف وفكاهي، هو الفيلم الروائي الأول لمخرج الفيديو كليب اللبناني الموهوب سعيد الماروق. «365 يوم سعادة» كما يشي اسمه لا يقدم نفسه كعمل نخبوي، فلسفي، يضخ متفرجه بجرعات تأملية ومشاهد تحتاج إلى التحليل، بل على العكس هو فيلم يستدعي منك الاسترخاء والاستسلام لقفشاته ولذعاته وحواراته الشيقة. وهذا ما يتناسب ربما ومزاج المتفرج العربي المتخم بأخبار الثورات الدموية هذه الأيام، ويحتاج إلى فسحة استراحة في قاعة سينما تخرجه من نكد السياسة إلى قصة اجتماعية، فيها ما يكفي من الرومانسية ليحلم، وما يلزم من السخرية ليضحك.

وقد بدأت العروض اللبنانية للفيلم يوم السابع من شهر أبريل (نيسان) الحالي، بعد احتفالية لليلتين متتاليتين بافتتاح كبير، بحضور فريق عمل الفيلم ونجمه الأول أحمد عز. ومعلوم أن الإطلاق المصري للفيلم في القاهرة كان قد تزامن وثورة 25 يناير مما انعكس سلبا على عدد المتفرجين، ولم يفسح المجال أمام إمكانية قياس نجاحه جماهيريا، بسبب الظروف الاستثنائية جدا التي تمر بها البلاد.

قصة صاحب الشركة، الشاب الثري، زير النساء، المدمن على الزيجات العرفية، هي محور الفيلم والحجة التي ستسمح للمخرج بتسجيل لقطات فارهة، تتمع بجمالية عالية، في أجواء باذخة، متعة للفرجة. هادي (أحمد عز) هو اسم الشاب الوسيم الذي لا ينتهي من زيجة عرفية إلا ليبدأ بأخرى، بالتعاون مع صديقه الدكتور هشام الذي يصارح الزوجات المؤقتات في كل مرة، في عيادته، بأن هادي مصاب بمرض عضال سينتهي به قريبا إلى الموت. وهكذا يودع هادي كل مرة حبيبة حسناء جديدة بالدموع والهدايا، منتزعا منها وعدا بأن تعيش حياتها من بعده وتتمتع بها بشرط أن تسمي ابنها المستقبلي هادي، حفظا للذكرى الجميلة التي تركها في نفسها. إلا أن لقاء هادي بنسمة (دنيا سمير غانم) سيكون شيئا آخر، إذ ستتمكن نسمة من ممارسة لعبة الكذب نفسها على هادي الذي يقع هذه المرة في شباك الحب، ويعلق بالفخ الذي نصبته له ويدخل العش الزوجي، واعدا إياها بـ365 يوم سعادة، وهي المدة المتبقية لها في الحياة، بعد أن يصدق أنها مريضة، وستنتهي إلى موت محتم. وهو ما سيكتشف في نهاية الفيلم أنه مجرد كذبه لفقتها له لتفوز به.

حكاية رومانسية كتبها يوسف معاطي الذي سبق له أن كتب أشهر أفلام عادل إمام مثل «حسن ومرقص» و«السفارة في العمارة»، وهو لم يعدم هذه المرة حس النكتة والاحتفاظ بالإثارة، ولو أن الفيلم كان يحتمل شيئا من الاختزال الذي بدا أطول قليلا مما ينبغي.

التزم سعيد الماروق الإيقاع السريع، مع موسيقى منتقاة بعناية، وتقطيع محترف للمشاهد، وركز بشكل موفق على جماليات اللقطات، مستفيدا من لغة «الفيديو كليب» البصرية التي برع فيها. ورغم أن النقد الذي وجه إلى فيلم الماروق هو تحديدا حول هذه النقطة، فإنها قد تكون واحدة من ميزات الفيلم الممتعة التي أغنت الشريط بصريا. ولا بد أن متفرجين لبنانيين وعربا كثيرين سيكتشفون مصر بأسلوب مختلف هذه المرة، من خلال عيون مخرج لبناني، التقط من القاهرة، ما اعتبره الأجمل والأجدر بالتصوير. وقد تكون المشاهد التي صورها لبطله وهو يراقص حبيبته أمام الأهرامات المضاءة في الليل هي من أجمل ما التقطته السينما العربية لهذا المكان التاريخي، ولو أن هذا المشهد بدا مفتعلا بعض الشيء بالنسبة لسياق القصة.

«365 يوم سعادة» أحد الأفلام التي يمكن أن تعيد عشاق الرومانسية إلى ذلك الزمن الجميل للسينما المصرية حيث كانت المشاهد تدرس تفاصيلها بعناية من ملابسها وديكوراتها وحركة شخوصها، مع إضافة ما منحته التقنيات التصويرية الجديدة للمخرج من إمكانيات استفاد منها ليمنح مشاهده حيوية نابضة.

العمل بمجمله يمشي على حد سكين، فما يكاد المتفرج يشعر بأن التركيز على «اللوكس» الحياتي للبطل والمبالغة في تصوير الفخامة والثراء قد وصلا به حد الإرهاق، حتى تبرز حكاية الحي الفقير الذي تعيش فيه نسمة بأجوائه الشعبية التي تحدث التوازن. وما إن يحس المتابع أن حكايات هذا الشاب العاطفية ورغبته في اصطياد النساء تبلغ حدا لا يجد له المشاهد من مبرر حتى يبوح الشاب بهواجسه الداخلية لنسمة ويعترف بالسبب الكامن وراء تهربه الدائم من الزواج. بقيت الجرعات كلها في حدود المسموح، لكن بعض الحبك والشد للحكاية كان سينقل الفيلم إلى حيز أقوى وأمتن.

الفيلم من إنتاج شركة «أرابيكا» للمنتج محمد ياسين، والفكرة لماجد مجدي، وأدى أحمد عز دوره الذي احتاج إلى خفة ظل بعيدة عن التهريج أو المبالغة، بما يتناسب وجرعات الفكاهة المطلوبة، بتناغم مع شريكته في البطولة دنيا سمير غانم. كما شارك في التمثيل كل من شادي خلف، صلاح عبد الله، مي كساب، يوسف داود، أندريه بو زيد، ولاميتا فرنجيه، حيث لعبت دور إحدى حبيبات هادي اللواتي يرتبطن به لفترة قصيرة.

ويأتي هذا الفيلم مختلفا في روحه عن فيلم مخرجة الفيديو كليب اللبنانية الشهيرة هي الأخرى نادين لبكي «سكر بنات» الذي شاهدناه منذ سنوات، ويشترك مع «365 يوم سعادة» في هذه الحساسية العالية لإمتاع المشاهد باللقطة الأجمل والصورة الأمتع. ولبكي على أبواب عرض فيلمها الثاني في ما يعد الماروق لفيلمين آخرين، ومزيد من مخرجي الفيديو كليب يحضرون لبواكير سينمائية روائية بدورهم، وهو ما يشير إلى عهد جديد للسينما اللبنانية على يد مخرجين بدأوا بالفيديو كليب وشعروا الآن أن الوقت يداهمهم وعليهم أن ينتقلوا إلى مرحلة تحقيق الأحلام بإنجاز أفلام طويلة، حرموا منها في البدايات بسبب شح الإنتاج.