روسيا تحتفل بمرور 50 عاما على صعود غاغارين للفضاء

متحف الفضاء الروسي يوثق إنجازات تلك الفترة.. ومن بينها أول قمر صناعي

رائد الفضاء الروسي يوري غاغارين (أ.ب)
TT

كانت العناوين الرئيسية للصحف الشيوعية في 12 أبريل (نيسان) عام 1961 عن نجاح رحلة أول إنسان للفضاء، وكان هذا الإنسان هو يوري غاغارين. وقد حرك هذا الإعلان الهادئ عن هذا الحدث العالم أجمع.

اليوم، وبعد مرور نصف قرن على هذا الحدث التاريخي، تحرص روسيا على الاحتفال بنجاح أول رحلة للإنسان إلى الفضاء، التي جرت في خضم الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة. وهاهي روسيا تنتقل بالبث المباشر من محطة الفضاء الدولية «آي إس إس» التي تمثل فرعا للإنسانية في ساحة الفضاء، وذلك بعد أن نفذت روسيا رحلة فضائية باسم أول رائد فضاء روسي، وذلك في إطار الاحتفالات الروسية باليوبيل الخمسيني لغزو الفضاء. غير أن هذه الذكرى تسلط أيضا الأضواء على التشوق الذي كان يسيطر على الإنسان لخوض مغامرات جديدة في الفضاء.

ومع ذلك، فإن روسيا، الفخورة بهذا التاريخ الحافل بغزو الفضاء، لا تبدو عليها علامات الابتهاج والاحتفال بذكرى صعود رائدها يوري غاغارين للفضاء بعد أن اضطر رئيس وكالة روسكوسموس الروسية للفضاء، أناتولي بيرمينوف، للاستقالة من منصبه بعد تأخر رحلة «سويوز» الاستكشافية المأهولة للفضاء التي حملت اسم غاغارين لأسباب فنية.

ولم يكن هذا هو العطل الوحيد الذي تسببت فيه وكالة الفضاء الروسية؛ حيث لم ينته الخبراء الروس بعدُ من إتمام نظام الملاحة الروسي «غلوناس»، وذلك بسبب سقوط 3 أقمار صناعية روسية.

وتكاد الحسرة تغلب على الصحافة الروسية عند تذكر الأيام الطيبة لروسيا في الفضاء. وقد وثَّق متحف الفضاء الروسي في موسكو إنجازات هذه الأيام، ومن بينها أول قمر صناعي يتم وضعه على مدار الأرض ليصبح أول تابع للأرض من صنع البشر الذي أطلقه الاتحاد السوفياتي في الفضاء عام 1957. لكن العالم شهد ذروة الإنجازات الفضائية للاتحاد السوفياتي في 12 أبريل عام 1961 عندما انطلق على متن صاروخ سوفياتي من طراز «فوستوك» في تمام الساعة التاسعة و7 دقائق من اليوم المذكور، الذي كان بعد أيام قليلة من الذكرى الـ27 لمولد غاغارين. وهبت عندئذ رياح الربيع اللطيفة على محطة الفضاء السوفياتية في براري كازاخستان. عندها صاح غاغارين قائلا: «هيا!»، وهو يدرك تماما أن هذه الرحلة يمكن أن تنتهي به إلى الموت، وهو ما أثبته خطاب الوداع الذي كتبه لزوجته وبناته قبل الرحلة، الذي ينشر لأول مرة.

ثم عاد غاغارين للأرض كبطل قومي وهبط سالما في مدينة سميلوفكا بمنطقة ساراتوف وكان ذلك في تمام الساعة العاشرة و55 دقيقة من اليوم نفسه.

غير أن الصحافي الروسي أنتون بيفوشين يشير في كتابه الجديد «108 دقائق غيرت العالم» إلى أن غاغارين استخدم من قبل رجال السلطة الشيوعيين في معركة إعلامية ضد الغرب، في حين أن السلطات الروسية تكتمت على هوية سيرجي كوروليوف، رئيس فريق مصممي الصاروخ الذي حمل غاغارين للقمر، كأحد الأسرار القومية، وذلك على الرغم من أنه يعتبر العقل الروسي العملاق في السباق الروسي الأميركي نحو النجوم.

ولم تمضِ إلا أسابيع قليلة حتى انطلق آلان شيبارد للفضاء كأول أميركي يقوم بهذه الرحلة. لكن الولايات المتحدة لم تنجح في تحقيق نجاح نوعي في سباق الأنظمة إلا عندما هبط نيل أرمسترونغ على سطح القمر ثم أطلقت أميركا أول مركبة فضائية في 12 أبريل عام 1981.

وبتولي ميخائيل غورباتشوف، في منتصف السبعينات، منصب رئيس الاتحاد السوفياتي، بدأت مرحلة من التدهور السياسي والعجز المالي للاتحاد السوفياتي، مما أدى إلى استنزاف أبحاث الفضاء الروسية. وبفضل عائدات النفط والغاز عادت روسيا للتركيز على صناعة الفضاء وتعالت أصوات منادية بأن تتحول روسيا ثانية إلى تحقيق إنجازات فضائية، مصحوبة بذكرى مرور 50 عاما على نجاح رحلة غاغارين.

ورأى سيرجي كريكاليوف، رئيس المركز الروسي للتدريب الفضائي، أنه من الضروري أن تعتمد روسيا برنامجا طموحا لاستكشاف القمر، وذلك من أجل عدم ترك هذا المجال للصين وأميركا، وأن روسيا تحتاج أخيرا لـ«بديل لائق» لها عن كبسولات «سيوز» الفضائية التي بدأت الخدمة منذ عام 1967، وذلك أسوة بالولايات المتحدة التي بدأت تحدث أسطولها الفضائي وتكهن الأسطول القديم.

كما رأى كريكاليوف أن الوقت قد حان لتحديث البنية التحتية في الفضاء نفسه، وذلك من أجل ترشيد النفقات والجهد، وذلك من خلال تطوير محطة الفضاء الروسية «كوزمودروم».

وتنطلق صواريخ الفضاء الروسية حتى الآن من محطة فضاء «بياكونور» في جمهورية كازاخستان الروسية السابقة التي تدفع لها روسيا الكثير من رسوم حق الانتفاع. وهناك الآن محطة فضاء روسية جديدة تحت الإنشاء في أقصى شرق روسيا، بمنطقة فوستوتشني، بالإضافة إلى محطة الفضاء التي تستخدمها روسيا لأغراض عسكرية في منطقة بليستسك، شمال روسيا.

ورأى كريكاليوف أن الذين ينتقدون قلة مشاريع صناعة الفضاء الروسية محقون في انتقاداتهم وأن «أسباب ذلك كثيرة، من بينها أزمة التسعينات من القرن الماضي وغياب الكثير من خبراء هذه الصناعة». كما أشار المسؤول الروسي إلى أن الكثير من مشاريع الفضاء الروسية ظلت قيد الخطط وأن روسيا لا تزال تفتقد تحديد أولويات أبحاث الفضاء وأن مهندسي الفضاء لا يتقاضون أجورا كافية. كما طالب خبير الفضاء الروسي فيكتور شارتوف بالمزيد من الاستثمارات في تطوير الآلات الذاتية. ورأى شارتوف، المدير العام لمركز لافوتشكين الروسي لأبحاث وتطوير الفضاء، أنه «من السابق لأوانه التحدث عن تنظيم رحلة لكوكب المريخ»، واصفا الحديث عن تنظيم مثل هذه الرحلة بــ«السخف التام». لذلك فإن روسيا، ستظل تركز على القمر، مع احتفالاتها برحلة غاغارين.

وتوقع كريكاليوف في حديث مع صحيفة «أيزفيستيا» الروسية أن تنجح روسيا خلال 5 إلى 10 سنوات في تنظيم رحلة مأهولة للقمر.