«الشهيد المبتسم» يكشف عن مفقودات لمصريين خلال ثورة «25 يناير»

سيارات ودراجات نارية وسلاسل فضية وأعلام مصبوغة بالدم

TT

بعد أن انتهت ثورة «25 يناير» في مصر، وبعد أن تنفس ملايين المصريين الصعداء بتخلي الرئيس المصري السابق حسني مبارك عن سلطاته يوم 11 فبراير (شباط) الماضي، ظلت هناك ذكريات عن أشخاص وأشياء شاركت في الثورة أو مرت على أحداثها، واستمرت مع ذلك مجهولة الهوية. كان أشهرها من أصبح يعرف في البلاد باسم «الشهيد المبتسم»، وهو شاب مصري سقط شهيدا في أحداث الثورة، ولم يتعرف عليه أحد.. لا على اسمه ولا على عائلته ولا على المحافظة التي ينتمي إليها.

مفردات أخرى كثيرة سقطت في الثورة ولم يعرف أحد هويتها ولمن تنتمي وماذا كانت تفعل بالضبط. وأثار موضوع «الشهيد المبتسم» الذي تم تشييع جنازته شعبيا يوم السبت الماضي، الكثير من الحكايات والروايات، منها قصة سيارة ظلت مركونة أعلى كوبري السادس من أكتوبر بوسط القاهرة على مدى أيام بعد تخلي مبارك عن سلطاته وعودة ملايين المتظاهرين إلى بيوتهم. لكن هذه السيارة لفتت انتباه المارة يوما بعد يوم. وبدا أن صاحبها إما أنه كان من المشاركين في الثورة وإما أنه ترك السيارة وفر من حدة المواجهات التي شهدتها الأيام الأولى للثورة.

يقول ميمي رمزي، وهو صاحب مقهى شهير بمنطقة «معروف» بوسط القاهرة، القريبة من كوبري السادس من أكتوبر، وهي منطقة تغص بورش إصلاح السيارات: «في البداية لاحظنا وجود السيارة من دون صاحب لها. كانت من نوع (فيات 127)، وفكرنا أين يمكن أن يكون صاحبها. لم نعثر فيها على أي أوراق، ولم يسأل عنها أحد لعدة أيام، وأتينا بها إلى هنا بعد أن أخطرنا نقطة شرطة قصر النيل القريبة».

ويضيف رمزي أن أصحاب الورش في منطقة معروف ظلوا يعتقدون أن سائق السيارة أيا من كان، رجلا كان أو امرأة، لقي حتفه في خضم أحداث ثورة «25 يناير» التي جرى خلالها إطلاق نار من الشرطة على المتظاهرين، وهي المواجهات التي أدت إلى مقتل نحو 400 مصري.

ويضيف رمزي أن الشرطة تمكنت من تحديد هوية مالك السيارة بعد أن بدأ رجال الأمن في العودة إلى مزاولة أعمالهم، مشيرا إلى أن صاحب السيارة كان معه عدد من أفراد أسرته وهو يمر أعلى كوبري السادس من أكتوبر، وتصادفت زيادة حدة المواجهات بين المتظاهرين ورجال الأمن مع الازدحام الكبير أعلى الكوبري، فما كان من الرجل إلا أن ترك سيارته وابتعد بأسرته عن مسرح الأحداث.

ويبدو أن النيران التي اشتعلت في عدد من السيارات في ذلك اليوم جعلت الرجل يعتقد أن سياراته قد التهمتها النيران، ولم يسأل عنها إلى أن أبلغه رجال الشرطة بوجودها في منطقة معروف.

وفي خضم التفاصيل الصغيرة التي يمكن أن تعثر عليها في جلسات مقاهي وسط العاصمة المصرية، أصبحت قصة «الشهيد المبتسم» هي محور الحديث الرئيسي، تليها في الأهمية روايات عجيبة عن أشياء أخرى. هناك دراجات نارية وأخرى هوائية اختفى ملاكها من مسرح الحدث، وظلت هي باقية كشهود على أن أشخاصا كانوا هنا ولم يعودوا، ولا أحد يعرف إن كانوا قد أصبحوا من بين القتلى أم من بين المصابين، الذين لم تعد تهمهم استعادة ما تركوه خلفهم.

يقول محمد علي من منطقة قصر النيل إنه وأصدقاءه في المنطقة أبلغوا نقطة شرطة قصر النيل، وهي أقرب نقطة شرطة من مسرح مظاهرات القاهرة، بكل تلك الآليات والمقتنيات التي لم يأتِ أصحابها لاستعادتها.

وعلى قارعة الطريق في شارع شامبليون ظلت عدة أسطوانات غاز ملقاة على جانب الطريق من دون أن يعرف أحد لمن هي. وهذا أمر لا يحدث في العادة. لكنه وقع بالفعل في الفوضى العارمة التي أحاطت بميدان التحرير على مدى أيام. وكان شارع شامبليون مسرح مواجهات على مدى يومين بين المتظاهرين المعارضين لمبارك ومن باتوا يعرفون باسم البلطجية، واستخدم هؤلاء كرات النار في محاولة لإزاحة ألوف المتظاهرين عن الميدان في الأيام الأولى للثورة.

وعلى مقهى البورصة في العاصمة المصرية عرض ناشط سياسي مصري، يدعى علي، آخر ما جمعه من «آثار الثورة» ومنها قماش يمثل علم مصر بألوانه الثلاثة: الأحمر والأبيض والأسود، وعلى جانبه الأبيض بقع دماء. ثم أخرج سلسة فضية وكوفية. وجمع علي هذه الأشياء وأشياء أخرى من ميدان التحرير من تحت أقدام ملايين المتظاهرين الذين اعتصموا في الميدان من يوم بدء شرارة الثورة يوم 25 يناير (كانون الثاني) حتى رحيل مبارك.

وقال علي: «لدي مقتنيات كثيرة مثل هذه.. سأخصص في بيتي غرفة أسميها غرفة الثورة. رائحة الثوار لا بد أن تظل باقية بيننا. حتى (الشهيد المبتسم) الذي لم نعرف اسمه أو أسرته، أصبحنا نحن وكل المصريين أسرته. شيعناه ملفوفا بعلم مصر من مسجد السيدة زينب إلى مثواه الأخير. ومن يشاهد موكب الجنازة وتأثر الحاضرين وزغاريد النساء يظن أنهم أقارب المتوفى أو أهله».