هل بات المشجع السعودي مهددا بالحرمان من مشاهدة منافسات الكرة في بلاده؟

وزارة المالية بعيدة عن حاجة المواطنين.. وهيئة المحترفين مشغولة بالجانب الربحي

TT

عبر كل طلة نختلسها من كرة القدم العالمية نجد أن هذه الفاتنة قد تنقلت عبر تاريخها من البدائية من ثم إلى الإبداع والتألق، وبما جعلها تأسر قلوب العالم، بل تواصل تربعها كلعبة شعبية أولى في العالم.

هي الآن تعيش وفق نظام احترافي في كل شيء، تعدت في مفاهيمها كل التصورات، وبما جعلها تأخذ أبعادا مختلفة تجاوزت مفهوم وأهداف هذه اللعبة الخلابة، من خلال أن هناك من المتحكمين بها من أضافوا لها أطرافا وتوابع ومتعلقات، هي أبعد مما أراده لها العالم أجمع أن تكون، لتصبح كرة القدم الاحترافية التنافسية متاحة لكل شيء إلا ذلك الإمتاع الذي عرفته.. الإمتاع المتاح لكل جنس وبشر، بعدما سرقته الأوضاع الجديدة من موقعه في حق المشاهدة ولتسرق معها احتفالية الفقراء أثناء مشاهدة المنافسات، وفق مبدأ جديد عنوانه: «ادفع ثمنا كبيرا لكي تشاهد منافساتك المفضلة». هذا هو وضع غير القادرين على الدفع الآن مع تسليتهم الأهم، فمن كان خلف ذلك؟ ومن هو المتسبب؟ وعليه وجب التأكيد أن مسؤولي «الفيفا» ورؤساء الاتحادات القارية والمحلية ما فتئوا إزاء هذه الإشكالية الضخمة المتمثلة في مشاهدة منافسات كأس العالم يظهرون بثوب البريء، فحينما يتحدث أحدهم عن نقل مباريات، فبلا شك أنه سيبادر إلى التأكيد على أن الجهة التي ينتمي إليها حريصة كل الحرص على إيجاد مخرج يتيح للمشاهدين مشاهدة منافساتهم، وسط إشارة منه إلى أن هناك دراسات لأجل إيجاد حلول لذلك.

كرة القدم السعودية هي الآن محل التساؤل.. لماذا باتت محل بيع وشراء؟ لماذا لا تكون متاحة للجميع؟ أليست من الحقوق الخاصة بالمواطنين؟ أليس الاستمتاع والإمتاع جزءا من العمل الذي تنحى إليه مؤسسات الدولة، بل وتعمل لأجله؟

في الإمارات اتفقت الحلول على إعطاء القناتين الرئيسيتين، «أبوظبي» و«دبي»، المشاركة في النقل وفق مبلغ مالي كبير تدفعه كل منهما مناصفة لمصلحة اتحاد الكرة.. وفي مصر الأمر كذلك من خلال القنوات الرسمية التي هيأت لكل المصريين مشاهدة كل ما يتعلق بكرتهم عبر القنوات الأرضية. والأمر كله ينطلق من واقع أن المشاهدة دون تشفير حق من حقوق المواطنين.

من جهة القنوات التلفزيونية الرسمية السعودية، وفي مقدمتها القناة «الرياضية»، فهي مستعدة تماما لنيل شرف النقل كاملا وإتاحته لكل المشاهدين.. لكن هذه القناة المجتهدة ظلت واقعة تحت مطرقتين، أولاهما اللامبالاة التي تبديها الجهات المالية المعنية بالدفع مثل وزارة المالية، ووزارة الثقافة والإعلام.. وكأن كرة القدم تسلية عابثين؛ لا تستحق تلك الأرقام، على الرغم من أن الإدارة الصحيحة للنقل قد تغني تلك الجهتين. أما الثانية فهي ممثلة في هيئة دوري المحترفين التي وضعت سعرا عاليا ومنافسين كثيرين لنيل الحقوق؛ وعليه كانت القناة، ومعها والدتها وزارة الإعلام، تستغيثان بوزارة المالية من منطلق الواجب الوطني وحق كل فرد بمشاهدة منافسات بلاده، لكن هيهات ووزارة المالية تقف عائقا أمام كل شيء يتعلق بالدفع، على الرغم من أن هذا يدخل في إطار الواجب تجاه الوطن والمواطنين. إذن فالعملية تقف عند الدفع الحكومي والاستئثار من قبل الهيئة، حتى وإن اجتهدت الأخيرة لانتزاع عدد من المباريات تكون متاحة للجميع عبر القناة «الرياضية» السعودية، لكن ظل الأمر ذا أهداف ربحية، ولا بأس إن نام كثير من السعوديين مبكرا دون مشاهدة منافسات كرتهم المثيرة، والسبب أن ليس بمقدورهم دفع تكاليف المشاهدة! المشاهد.. أهم!

* من المنتظر أن تقدم القنوات الفضائية الراغبة في الحصول على حقوق النقل لمسابقات الكرة السعودية مظاريفها في حدود الشهرين المقبلين؛ إذا ما تسنى أن ينفك قيد الملف الخاص بذلك، وهو الموجود لدى لجنة الخبراء. وكان الدكتور حافظ المدلج، عضو الاتحاد السعودي لكرة القدم رئيس الشؤون المالية والإدارية، قد قال بأن ملف النقل التلفزيوني لمنافسات الكرة السعودية تم رفعه للمسؤولين، وهو الآن موجود لدى شعبة الخبراء في مجلس الوزراء لمناقشة الأمر، على اعتبار أن هناك اختلافات واضحة في وجهات النظر بين الجهات المعنية بالأمر. واستطرد: «كنا نتمنى، ما دام الموضوع رياضيا وخاصا بكرة القدم، أن يكون من مسؤوليات هيئة دوري المحترفين واتحاد كرة القدم وعندما يوكل الأمر إليهما ستعد كراسة بالشروط لطرحها للمتنافسين من القنوات».

في قراءتنا لن نركز على العاطفة ولن نستجدي المعلومة لأنها حاضرة، ففي البدء ظهر لنا أن باب المنافسة مفتوح، وهنا لسنا بصدد الاحتجاج، لكن ما كنا نطلبه أن يكون وفق المعايير التي نتمناها لدوري المحترفين بحلته الجديدة من حيث كيفية النقل والرقي فيه، ومن حيث التحليل وتقديم هذا الدوري بما يليق به، والأهم من كل ذلك هو ما يذهب إلى قيمة النقل وتحكم الناقل في الجانب المادي، فما تطالب به القنوات المشفرة كقيمة للمشاهدة مبالغ فيه، حتى بات الدوري السعودي يحمل شعار أنه «للقادرين فقط»! وهي تحتاج إلى الوصول للاحترافية المهنية بمعايير أفضل مما هي عليه الآن، كمثل تلك التي كنا ننشدها ونتمناها للدوري السعودي وموجودة لدى دوريات خليجية قريبة منه، وهو ما جعلنا متطلعين إلى أن يكون العقد الجديد للقناة الناقلة الجديدة منضويا تحت شروط مالية أكبر تفيد الأندية، وشروط مهنية أنجع تفيد المتلقي.

نقول إن في منافسات كرة القدم السعودية مورد مالي لا ينضب.. أما كيف؟! فمن خلال حسن استغلاله، ونحسب أن هيئة دوري المحترفين قد أدركت ذلك، ونحن لا نلومها أن تبحث عن الثمن المناسب لكرتها التي يتطلع إليها الجميع خليجيا وتجاريا؛ ناهيك عنه محليا. الهيئة تريد تعميم الفائدة ربحا واتساع مشاهدة، لكن دون أن تقع في المحظور الأخلاقي تجاه المتعة التي تقدمها كرة القدم لكل السعوديين.

هنا؛ وجب الاعتراف أن مسيّري كرة السعودية قد وقعوا على كنز ضخم يستطيعون من خلاله مساعدة أنديتهم والقيام بأعبائهم من خلال النقل التلفزيوني، ومن يدري، في ظل العرض المالي الضخم لنقل هذا المثير الكروي. إذن التجارة والربحية هي الأساس حتى لو لم تنتمِ إلى المبادئ الأساسية لكرة القدم بصلة، فاتحاد الكرة ممثلا في هيئته فتح الباب على مصراعيه لتحضر أكبر القنوات الناقلة للتنافس، ولا بأس إن احتكرت كل شيء يخص هذا العشق الجمعي، ولا بأس عليها بذلك ما دام أنها قد دفعت مقابل ذلك مئات الملايين من الريالات، لتعج خزائن الهيئة بالربحية، وبما جعله غير معني بمن سيشاهد كرة القدم أو من سيحرم من مشاهدتها.

بيع الحقوق التلفزيونية الحصرية وبمبالغ أكثر من خيالية جعل من كرة القدم سلعة تباع وتشترى، غير أنها غالية الثمن، لتستغل كل محب لها حتى يتمكن من إشباع نهمه بهذه المجنونة.

يقتلون متعة كرة القدم

* لسنا بصدد مغازلة هيئة دوري المحترفين كي تتخلى عن مبادئها.. لا سيما أننا ندرك أنها معنية بإيجاد القيمة المناسبة لدوريها وفق مبدأ «ادفع لكي تشاهد» من فرط الحاجة إلى التمويل الذي تحتاجه للصرف على فرقها ومنافساتها، ناهيك عن أن الأمر متاح للمشاهدة مباشرة من خلال الملاعب.

لكن وإزاء أن المنافسات الكروية السعودية منتج وطني في أساسه مسخر لإمتاع المشاهد السعودي.. فما الذي يدفع لجعل المشاهدة مقتصرة على القادرين ومنعها عن غيرهم؟! وعليه؛ كان جديرا بنا أن نحول دفة السؤال إلى الجهات الحكومية السعودية، وعلى رأسها وزارتا المالية والثقافة والإعلام، بأي وجه تتطلع إلى المتعة البريئة الأهم، وهي تمنع عن المشاهد السعودي! بل كيف سيجد السبيل لكي يصل إلى عامة الذين يخاطبهم ويضع البرامج لأجلهم، وهم حتى لم يستطيعوا مشاهدة الشأن السعودي الهام، بل لم يتمكنوا من مشاهدة مفضليهم المهرة الذين زادوا من حبهم لكرة القدم؟! القناة «الرياضية» السعودية هي الضحية

* الجشع قد ضرب بأطنابه والقنوات الحكومية هي الضحية، لا حول لها ولا قوة وسط الميزانيات الضعيفة التي تعيش في كنفها، فالفضائيات الحكومية العربية تعاني من مشكلات مالية كثيرة فمداخيلها لا تغطي المصاريف، وهي تحاول الركض خلف التجاريات التي لم تكتفِ بسرقة مشاهديها بل دمرت مواردها الإعلانية، وزادت إلى إفراغها من الكوادر الماهرة، هذه الأمور تحضر حين تلتقي مع استغلال المشفر فلا بد أنها ستوجد ضحية، لن يكف عن الشكوى والتبرم، وهو المشاهد غير القادر على الدفع. وهذا ما أفضى إلى أن يلجأ المهتمون بمتابعة معشوقتهم المجنونة إلى المقاهي والساحات أو الأندية والمطاعم، في حين أن أصحاب الأخيرة قد وجدوا ضالتهم وفق نوع من الاستغلال الجديد، الذي منحه لهم التشفير أيضا.

وعليه؛ فإن في نيل القناة «الرياضية» السعودية الحقوق؛ ومن ثم بيعها دون تشفير لمن تريد، فيه الكثير من الإيجابيات للوطن ولأبنائه، وغير عودة القدرات، فالأهم أن جميع المباريات ستكون متاحة للجميع، دون تشفير أو وصاية، وعليه سيتطور العمل في هذه القناة، بل إنه سيرتقي إلى فضائل أكبر، وأحسب أن المسؤولين في القناة سيتوقفون عن الشكوى من أن محاولة إفراغهم من أفضلياتهم مستمرة.

ما نثق في حدوثه أن العمل الخلاق والكبير الذي تشهده القناة «الرياضية» السعودية سبيل لكي تملك حقوق الدوري السعودي، هي الآن قادرة - وبكل كفاءة - على تجسيد ذلك، لكن يظل هناك من عليه أن يدعم الأمر.

هيئة المحترفين ليست المشكلة

* لن نركن إلى العاطفة لتبرير مساوئ التشفير.. لأن الأمر يدخل في الإطار القانوني المسموح، لكن هذا لا يعني أن محتكري النقل أو «المشفرين» قد خسروا أو حتى ربحوا؛ هم ربحوا بما يتدفق عليهم من أموال، كأجور نقل، وإعلانات بأسعار ضخمة، لكن مصدر خسارتهم هو تجاوزهم لدورهم كمصدر ترفيهي تربوي متاح للجميع، إلى جانب أنهم قد ربحوا جمهورا فئويا خاصا، وخسروا القاعدة العريضة من المشاهدين، ولا ريب هنا أن نعاود التأكيد أن الإعلام، مثله مثل التعليم والصحة، يجب أن يكون متاحا للجميع وبأسهل وأرخص الأثمان، كما أكد ذلك كبار المفكرين والمنظرين عربيا ودوليا. وعلى الرغم من الهدف الربحي الملح، فإن الأمر يشير إلى أن لا متعة دون مقابل، بعيدا عن أنه من حق كل مواطن أو حتى محب لرياضته أن يهنأ بالمشاهدة، وإن كنا هنا بعيدين عن إثارة إشكالية المعنى بين الحق والقدرة، لكن حسب ذلك أنه يثير فوارق بين أبناء المجتمع الواحد، بل إنه يزيد من الفجوة المعلوماتية بين أبناء الوطن الواحد تجاه لعبة شعبية عرف عنها أنها حق متاح للجميع، ناهيك عن إشكالية التناقض وما ينتج عن ذلك من فجوة اجتماعية.

وفي ذلك يقول مسؤولو هيئة دوري المحترفين إن هدفهم من بيع حقوق النقل هو من أجل القدرة على الصرف على فرقهم وبرامجهم التي باتت ذات أسعار عالية جدا، لا تكفيها الميزانيات الحكومية، وما يتبع ذلك من تكاليف نشر اللعبة ومبادئها في كل البلاد، يحدث هذا والمبلغ الذي يتوقع أن تناله الهيئة يصب في خانة الـ300 مليون في العام الواحد، مما يعني أن لدى الهيئة أموالا فائضة عن الحاجة، فهل أسهمت المبالغ الضخمة السابقة في منح الأندية حقها الكامل، أم أن الاتحاد والهيئة كانا شحيحين تجاهها، ناهيك عن أن الهيئة - وعبر الدوري - تستطيع أن تؤمن الأموال التي بمقدورها أن تدعم كل البرامج.. إذا هل كان السماح بالاحتكار ترفا لم يكن له مبرر، لأن المنهج الذي بنيت عليه يحتمل شعارا يتوارى خلف بنود العقد فحواه: «ليس لكل فرد الحق في مشاهدة المنافسات الكروية السعودية»، وهو شعار - بلا لبس أو كيد - يعبر عن التوجهات المستقبلية للهيئة.

هنا لا ننكر عليهم أن كرة القدم لا بد أن تقوم على التسويق والربحية وكل ما فيه استثمار، والسبب أن كرة القدم لعبة مربحة جدا، وحسب ما نقرأه ونفهمه في عقودهم، أنها يجب أن تتخلى عن دورها كتسلية للرعاع والفقراء.

وبعد؛ فما زلنا نؤكد أن كرة القدم لعبة مثيرة ارتضاها الجميع لتكون ملتقى للجميع من غني وفقير، صغير وكبير، ومن كل بقاع السعودية، كيف لا وهذه اللعبة المثيرة مليئة بالإبهار الذي لم يعرف عنه أن حدد جنسه بفئة واحدة بل شمل العالم أجمع، لكن كان حريا أن تواصل هذه اللعبة تنفيذ أهدافها السامية، بعيدا عن الانجراف نحو الرفض، والعفن الاقتصادي الضار بهذه المنافسة الشريفة، فكان جديرا أن نقف أمام الحقائق التي أرادت أن تنخر هذا الجسد الجميل. ولنعاود التأكيد أنه أكثر الطرق أمانا لإعادة كرة القدم الجميلة إلى مسارها الذي ارتضاه لها مؤسسوها الحقيقيون إلا بجعلها متاحة المشاهدة للجميع في السعودية، وتلك مسؤولية الوزارتين العتيدتين، وإذا لم يتحقق ذلك فنحن على موعد مع فصول مخلة تكاد تكون مخيفة من شدة وطأة الربح فيها، هذا الربح الذي قفز ليكون كالسيف على رقاب محبي كرة القدم، هذه هي الكرة التي لم تعد كونها لعبة بل هي حقيقة شفائية ومتنفس عالي القيمة.

الخلاصة

* ليس هناك حل إلا بأن تكون هناك حملة وطنية تقنع وزارة المالية بالقيمة التي يستحقها الدوري السعودي والمسابقات الأخرى التابعة له ووفق المبلغ الذي يبلغه التقدير الحقيقي للقيمة.. كأن تكون مثلا 300 مليون ريال في للموسم الواحد.. فما الذي يمنع من نيل الحقوق كاملة وعرضها عبر التلفزيون السعودي؟ ولا بأس من بيعها أيضا على القنوات الحكومية والتجارية الأخرى. وأحسب أن قنوات كثيرة سترغب في ذلك، بل ستدفع مجتمعة أموالا لن تبتعد عن الأرقام التي دفعتها وزارة المالية؛ والهدف.. هو إسعاد المواطنين من خلال منتجهم المحلي. وعلينا أن نتعلم من الاتحاد الأوروبي الذي اعتبر منافسات كرة القدم المحلية من الأحداث البالغة الأهمية للمواطنين.. ويعمل الآن على فك تشفيرها.