صناديق ترفع دعوى قضائية ضد «جي بي مورغان» تتهمه بالتسبب في خسارتهم إبان الأزمة المالية

500 مليون دولار خسرها العملاء بعد انهيار شركة في لندن

وصف المتحدث باسم مصرف «جي بي مورغان» بعض الاتهامات الواردة في الدعوى القضائية بـ«السخيفة» (أ.ب)
TT

في صيف 2007 ومع ظهور أول مؤشرات الأزمة المالية في «وول ستريت»، كان المسؤولون التنفيذيون في مصرف «جي بي مورغان تشايس» يعلنون درجة الطوارئ بسبب تعثر شركة استثمارية تسمى «سيغما» ومقرها في لندن. لكن اختار المصرف عدم التصرف في أصول استثمارية لعملاء بقيمة 500 مليون دولار وضعها في «سيغما» قبل ذلك بشهرين. وانهارت شركة «سيغما» بعد ذلك بعام. والآن بعد الكشف عن وثائق جديدة الشهر الماضي في إطار الدعوى القضائية التي رفعها عملاء مصرف «جي بي مورغان» ضده يتضح للمرة الأولى كيف وصلت التحذيرات من «سيغما» إلى مكتب جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي للمصرف. وبحسب الدعوى القضائية، في الوقت الذي خسر فيه العملاء كل أموالهم تقريبا، جنى مصرف «جي بي مورغان» نحو 1,9 مليار دولار من انهيار «سيغما». وسبب هذا هو أنه عندما ازدادت مشكلات «سيغما» سوءا، أقرضها مصرف «جي بي مورغان» مليارات الدولارات وحصل على أصول قيمة في شكل إيداع ضمان.

وبعد انهيار «سيغما» في سبتمبر (أيلول) 2008، آلت ملكية الكثير من الأصول إلى «جي بي مورغان» وفي النهاية تم تقدير قيمة تلك الأصول مما ساعد المصرف على تحقيق أرباح كبيرة على حد المعلومات الواردة في الدعوى القضائية. وتتضمن الدعوى، التي رفعها مجموعة من العملاء والتي تشمل صناديق معاشات من يشار إليهم باسم «المدعين»، اتهامات لمصرف «جي بي مورغان» بعدم الالتزام بمسؤوليته وعدم توظيفه لأموال العملاء في استثمارات آمنة. كذلك تسلط الدعوى الضوء على إحدى أقدم مشكلات «وول ستريت» وهي هل تراعي المصارف أموال عملائها بالقدر الذي يراعون به أموالهم.

ووصف جوزيف إيفانجيليستي، المتحدث باسم مصرف «جي بي مورغان» بعض الاتهامات الواردة في الدعوى القضائية بـ«السخيفة» وقال إن المصرف منح «سيغما» قروضا تزيد على 8 مليارات دولار كمحاولة لمساعدتها في الصمود لا لتحقيق أرباح من إخفاقها. وأضاف أن المصرف قام بكل ما في وسعه لحماية أموال عملائه وأن التعاملات مع «سيغما» كانت في مصلحة العملاء.لكن الدعوى القضائية تؤكد أن العاملين في شركة «جي بي مورغان» رسموا «خطة كبيرة» للاستفادة من «سيغما» في حال انهيارها رغم أن بعض العاملين في وحدات أخرى بالمصرف سمحوا باستثمار أموال العملاء في شركة الاستثمار «سيغما».

وجاء في رسالة داخلية بالبريد الإلكتروني بين المسؤولين التنفيذيين أن الشركة كانت بحاجة إلى حماية مصالحها في تعاملاتها مع شركة «سيغما» دون أن تضع في الاعتبار موقف العملاء. كذلك تشير الدعوى إلى أن قروض المصرف الممنوحة لـ«سيغما» أتاحت لها الحصول على أفضل الأصول التي تملكها الشركة الاستثمارية بسعر منخفض وهو ما مثل صفقة مربحة للمصرف. ونفى المصرف في وثيقة قدمها إلى المحكمة وجود هذه الخطة مشيرا إلى أنه تصرف بالطريقة التي ارتأى أنها مناسبة لإدارة أموال العملاء.

ويوضح المصرف أنه بموجب القانون لم يكن ممكنا لوحدات المصرف المختلفة التي تعاملت مع «سيغما» أن تتشارك المعلومات بسبب ما يسمى بالحواجز المنيعة التي هدفها الحيلولة دون انتشار المعلومات الخاصة داخل الشركة. وطبقا لذلك الطرح، لم تكن الوحدة التي استثمرت أموال العملاء في «سيغما» قادرة على التشاور في الأمر مع الذراع الذي أقرض شركة «سيغما» الأموال.

لكن بسبب وصول المعلومات إلى المسؤولين التنفيذيين الذين يشرفون على المصرف وكانوا في وضع يسمح لهم بالتدخل يقول المحللون إن هناك خدعة أكبر في هذه المسألة. ويقول ويليام فيتزباتريك، المحلل المصرفي في شركة «مانوليف أسيت مانيجمينت» الكندية للتأمين والتي لا تمثل طرفا في هذه الدعوى: «من جانب ليس كافيا قول إننا لا نستطيع تناقل المعلومات لأننا مؤسسة كبيرة، فمن زوايا كثيرة يعد هذا تهربا من المسؤولية. هل يتمتع ديمون بحق النقض بحيث يمكنه إلغاء الأمر. يبدو هذا ضبابيا».

لكنه أضاف: «يمكنني أن أخمن متى يمكن أن يقول مصرف إن هناك سببا للحواجز المنيعة ولا يمكننا وضع عقبات من صنعنا». في حالات كثيرة تبنى اللوائح والممارسات التي تتبعها المصارف على المعلومات الخاصة التي يحصلون عليها. ليس من الواضح العلاقة بين التزامات المصرف وبين معرفة المعلومات العامة مثل تلك الخاصة بـ«سيغما».وتتم مراقبة الدعوى القضائية عن كثب داخل مجال الخدمات المالية، فإذا ربح عملاء «جي بي مورغان» الدعوى سيعني هذا أن المصارف ستتوخى المزيد من الحرص بشأن تقاسم المعلومات التي تؤثر على استثمارات العملاء. وأصدرت هيئة الأوراق المالية وأسواق المال وهي منظمة تجارية، بيانا موجزا تدعم فيه «جي بي مورغان» الشهر الماضي. وجاء فيه أن صناديق المعاشات التي تقدمت بالدعوى كان لديها «نظرية جديدة غير مسبوقة تتناقض مع عقود من إرشادات اللوائح والكونغرس». وقالت المنظمة إن فوز المدعين بالقضية سيزيد تكاليف المصارف. وأيا كان الطرف الرابح في هذه القضية، فقد أوضحت الوثيقة الجديدة كيف تمكن واحد من أقوى الأطراف الفاعلة في «وول ستريت» من تحقيق أرباح من صفقاته مع الطرف الأضعف.

وبدأت وقائع الدعوى القضائية التي تم رفعها أمام المحكمة الفيدرالية للمنطقة الجنوبية في نيويورك في صيف 2007. وفي يونيو (حزيران) أودعت وحدة بمصرف «جي بي مورغان» نحو 500 مليون دولار من صناديق المعاشات وأموال عملاء آخرين في أوراق مالية تصدرها شركة «سيغما» على أن يستعيد هؤلاء العملاء أموالهم على أساس أداء الرهانات المالية لـ«سيغما».

وتولت وحدة إقراض الأموال المالية بالمصرف أمر هذه الاستثمارات. وانتظرت الوحدة تقاسم الأرباح في حال نجاح الرهانات في الوقت الذي لن تتقاسم فيه الخسارة حال حدوثها. بحسب الوثائق الجديدة، بحلول شهر أغسطس (آب) بدأ المسؤولون التنفيذيون في الوحدات الأخرى بالمصرف يشعرون بالقلق بشأن «سيغما» والكيانات المشابهة التي يطلق عليها «شركات استثمارية ذات أغراض محددة». وورد اسم ديمون في العديد من الوثائق الخاصة بهذه الشركات.

وجاء في إحدى رسائل البريد الإلكتروني بتاريخ أغسطس 2007 أن ديمون كان مهتما بمعرفة «المخاطرة المنهجية لكل الشركات الاستثمارية ذات الأغراض المحددة». وفي رسالة أخرى بالبريد الإلكتروني طُلب من أحد العاملين في المصرف «رسم تصور واقعي للأصول التي سوف يتم تصحيح وضعها مع تركيزه على سيغما». وفي نهاية شهر أغسطس، تلقى ديمون مذكرة عن سوق الشركات الاستثمارية ذات الأغراض المحددة وملحق بها رسالة عن سيغما.

وفي ذلك الشهر كتب جون كادوايس، أحد المسؤولين التنفيذيين الذي يتقاضى أجر ثابت، في رسالة بالبريد الإلكتروني مفادها أنه يعتقد أن القطاع بأكمله سوف يعاني من مشكلات. وأوضح أنه في حال حدوث ذلك سيتعين على الشركات الاستثمارية ذات الأغراض المحددة بيع أصول بقيمة 400 مليار دولار بأسعار متدنية. واقترح أن يشكل المصرف فريق عمل ليستفيد من هذا البيع وهو ما تم بحسب الدعوى القضائية. وفي الرسالة نفسها، أشار كادوايس إلى أن مجموعة الاستثمارات التي قام بها المصرف نيابة عن عملائه في هذه الشركة كانت من بين أكبر 12 استثمارا في الشركات الاستثمارية ذات الأغراض المحددة.

وكان هناك مسؤولون رفيعو المستوى في المصرف على علم بهذا النزاع. ففي سبتمبر (أيلول) من ذلك العام ومع تفكير كبار العاملين بالمصرف في إقراض «سيغما» أموال، كتب أندرو كوكس، مدير الائتمان في المصرف: «لقد سمعت أن مصرف جي بي إم أسيت مانجمينت من كبار المشترين لأوراق سيغما التجارية. هل نحن بحاجة إلى النظر في الوضع العام للشركة». وكتب جون هوغان، مدير المخاطر في المصرف ردا على ذلك قائلا إن «جي بي مورغان» بحاجة إلى حماية وضعه وعدم القلق بشأن الجهات التي يتم استثمار أموال العملاء بها.

وبحلول شهر فبراير (شباط) 2008، وفي ظل استمرار فرض المزيد من القيود على منح القروض، كانت «سيغما» في حاجة ماسة إلى سيولة نقدية من أجل تمويل عملياتها. وكتب مارك كراولي، مسؤول تنفيذي في فرع «جي بي مورغان» بلندن، أنه من غير المرجح أن تصمد شركة «سيغما». كذلك أشار إلى الخطر الذي يهدد سمعة المصرف في حال منحها قرضا. لكنه استمر في إجراءات القرض. وبمرور الوقت في عام 2008، عقد المسؤولون التنفيذيون في المصرف المزيد من الصفقات مع شركة «سيغما». وأرسل كراولي رسالة بالبريد الإلكتروني إلى كوكس يخبره فيها بأن المصرف يتعامل مع القروض التي يمنحها لـ«سيغما» كـ«صفقة» لا دعم وأن «هناك فرصا كبيرة لجني أموال مع تدهور حال السوق» نظرا لأن «سيغما» تمتلك ما سماه أصولا عالية الجودة. ووصف كوكس في رسالة إلى بيل وينترز، الذي كان رئيسا مشاركا للمصرف الاستثماري آنذاك وكراولي، وضع «سيغما» بأنه «سباق مع الزمن».

وفي شهر سبتمبر عام 2008 عندما تخلفت «سيغما» عن سداد القرض، منحها المصرف قرضا أخر بـ8,4 مليار دولار وحصل على أصول بقيمة 9,3 مليار دولار كإيداع ضمان بحسب ما ورد في ملفات الدعوى القضائية. وكانت قيمة الضمان مثيرة للشكوك في ذلك الوقت نتيجة الذعر الذي صاحب الأزمة المالية العالمية ولم يكن من الواضح ما إذا كانت قيمة الأصول ستنخفض أم لا.

لكن بعد عام، ارتفعت قيمة الكثير من الاستثمارات على حد ما جاء في ملفات القضية. وحقق مصرف «جي بي مورغان» أرباحا تزيد على 470 مليون دولار في غضون عام من تاريخ التخلف عن السداد من خلال بيع بعض الأصول المقدمة كضمان وسجل أرباح بقيمة 1,2 مليار دولار على الأصول التي لا تزال بحوزته. كذلك حقق المصرف أرباحا قدرها 228 مليون دولار من الرسوم التي حصل عليها من «سيغما» مقابل القروض. ووصل إجمالي الربح إلى ما يقرب من 1,9 مليار دولار. وتمت خسارة كل أموال صناديق المعاشات التي أودعها مصرف «جي بي مورغان» في شركة «سيغما» تقريبا. وبحسب ملفات الدعوى القضائية، أصبحت أرباح 500 مليون دولار 6 سنتات لكل دولار. وقال إيفانجيليستي إن المصرف شكك في صحة الأرباح، لكنه لم يذكر الأرباح التي اعتقد المصرف أنه حققها من خلال تعاملاته مع شركة «سيغما». كذلك قال إن الوحدة التي أودعت أموال العملاء في شركة «سيغما» «راقبت عن كثب» الاستثمار وبذلت ما في وسعها لتحديد ما إذا كان عليها بيعه مبكرا أم لا. وأضاف أن «سيغما» سددت استثمارات عملاء آخرين للمصرف بالكامل قبل بضعة أسابيع من انهيار الشركة. وصرح المصرف في وثيقة قدمها إلى المحكمة بأنه كان سيكون من عدم الحكمة أن يحاول المسؤولون التنفيذيون بالمصرف ورجال الأعمال الحصول على أصول من «سيغما» من خلال إقراض أموال إلى شركة استثمارية. فقد كان من الأفضل للمصرف أن يشتري بعضا من هذه الأصول وإن كان ذلك بأسعار أكبر.

إضافة إلى ذلك، قال إيفانجيليستي إن شركة «سيغما» هي التي سعت إلى الحصول على قروض من «جي بي مورغان» وقال المسؤولون التنفيذيون في شركة «سيغما» لـ«جي بي مورغان» إن القروض ستساعد عملاءه الذين كانت لهم استثمارات سابقة في الشركة. وأضاف أنه في خريف 2008 عندما حان وقت عرض المصرف بعضا من الأصول التي حصل عليها من الشركات الاستثمارية المتعثرة «لم يكن هناك مشتر في كثير من الحالات».

*خدمة «نيويورك تايمز»