موفاز لـ «الشرق الأوسط»: ما كانت تفعله سورية في لبنان باتت ضحيته الآن

قال: لا يد لإسرائيل في موت عرفات.. وعندما همست في أذن شارون بأن يتخلص منه قصدت طرده من البلاد

شاؤول موفاز
TT

أعلن رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، النائب المعارض شاؤول موفاز، أن حكومة بنيامين نتنياهو لن تتم دورتها حتى نهايتها، وأن إسرائيل ستشهد انتخابات مبكرة في السنة القادمة سيتم فيها إسقاط هذه الحكومة. وأعرب عن ثقته بأنه سيكون رئيسا لهذه الحكومة، بعد أن يتغلب على رئيسة حزبه تسيبي ليفني. ونفى موفاز في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط» أن يكون لإسرائيل يد في موت عرفات، وقال إنه عندما همس في أذن رئيس الوزراء أرييل شارون بأنه يجب التخلص من عرفات، إنما قصد أن يطرد من البلاد وليس القتل. وتطرق موفاز إلى التغييرات في العالم العربي، فقال إن أحدا لا يستطيع تقدير اتجاه هذه التغييرات في السنوات الخمس وربما العشر القادمة، لكنه يرى فيها فرصة سانحة للتوصل إلى سلام مع الفلسطينيين. وقال إن هناك أيادي إيرانية تعبث بالشؤون الداخلية في سورية، ودعا القيادة السورية إلى تعلم الدرس، فأنتم كنتم تتدخلون في شؤون لبنان وغيره، والآن جاء الدور عليكم لتتعرضوا لتدخل شبيه.

وقد جرى الحوار مع موفاز في القدس، على النحو التالي:

* يهيأ لي وللكثيرين في العالم العربي أن إسرائيل لا تستوعب حقيقة التغيير الجاري في العالم العربي. العالم الغربي يقول إن هناك ضرورة ملحة أن تساهم إسرائيل في هذا التغيير بواسطة الجنوح إلى السلام. ولكن، لا حياة لمن تنادي.

- أعتقد أن أحداث سنة 2011 الجارية في المنطقة العربية، هي الأحداث الأكثر درامية وذات المغزى الأكبر في عصرنا. إسرائيل لم تستطع أن تتنبأ بهذه الأحداث، مثلما لم تستطع ذلك جميع دول المنطقة، بما فيها تلك التي وقعت فيها هذه الأحداث. ولكن في السنتين الأخيرتين، كان على إسرائيل أن تحرك مسار التفاوض مع الفلسطينيين. وأنا واثق من أن حكومتنا أضاعت سنتين غاليتين جدا، ذات أثر استراتيجي. لو كانت هناك مسيرة مفاوضات سلام دينامية، لكنا أقمنا مرساة للاستقرار في المنطقة. فالمنطقة اليوم غير مستقرة. غير مستقرة أبدا. وفي هذه الحالة، يوجد خطر تدهور كبير جدا. وأرى أنه لو كانت الحكومة مسؤولة في إسرائيل، لتوجب عليها أن تحرك المسيرة.

* كيف تتصور؟

- أعتقد أن الوقت لم يفت بعد لفعل ذلك، ولكننا أصبحنا الآن في الدقيقة التسعين.

* وما الذي تتصور أن حكومة نتنياهو تستطيع فعله اليوم لإنقاذ الوضع؟

- أن تطرح خطة عملية على الطاولة، تكون مقبولة على الغرب وعلى الولايات المتحدة وأوروبا، يفهم الفلسطينيون منها أنها تحمل احتمالات التوصل إلى تسوية بين إسرائيل والدولة الفلسطينية. وهذا هو المشروع الذي أطرحه منذ شهور طويلة، ويطبق بخطوتين: دولة فلسطينية في الضفة الغربية ثم التوصل إلى ربط قطاع غزة بها، شرط أن يكون هناك قانون واحد وسلاح واحد وسلطة واحدة.

* سنتطرق إلى مشروعك لاحقا، ولكن دعنا نتوقف عند قولك إن ضياع السنتين الماضيتين سيدهور الوضع في المنطقة إلى صدام وتقصد الحرب طبعا. هذا تصريح خطير من رئيس لجنة الخارجية والأمن. فماذا يمكن العمل مع انتقاد حاد كهذا؟ ففي إسرائيل تقام لجنة تحقيق رسمية على أي خلل في الحرب، بدعوى أن الأخطاء تودي بحياة الناس أو الجنود. ولكن هنا، توجد إضاعة فرصة السلام، ما يعني أن الحكومة لا تمنع الحرب بل تتسبب فيها. وهذا ليس بالأمر الجديد. فقد حصل أن نشبت حرب 1973 لأن الحكومة إسرائيلية في حينه رفضت المقترحات الدولية (مشروع يارينغ ومشروع روجرز) للسلام. لماذا لا تدعو إذن للجنة تحقيق رسمية حول تقاعس الحكومة عن استغلال الفرصة لمفاوضات سلام والتسبب بحرب مع ويلاتها؟

- انظر. لا يقيمون لجان تحقيق حول خلافات سياسية وحزبية.

* لا نتحدث عن خلافات سياسية، بل عن إضاعة فرصة سلام أنت نفسك تحذر من خطر أن تتسبب في حرب يموت فيها أناس كثيرون.

- من الصعب عليك أن تثبت أن هذا الأمر مربوط بشكل وثيق بذاك. فهنا توجد حكومة ائتلافية والائتلاف قد لا يكون قويا بما فيه الكفاية وقد تكون المسألة عجز عن قراءة الواقع أو مسألة عدم إيمان بأن الفرصة سانحة فعلا. فنحن نتحدث عن أحزاب، يتم انتخابها بشكل ديمقراطي وفق إرادة الناخبين. وهذه الحكومة برئاسة حزب الليكود. وقسم كبير من أعضاء الحكومة من الليكود، ولا أريد القول إن غالبيتهم لا يؤمنون بأنه بالإمكان التوصل إلى تسوية في الظروف الحالية. فكيف يمكن للجنة تحقيق أن تعالج مثل هذا الأمر؟ أنا شخصيا، وكمن تربى وترعرع على تجربة عسكرية غنية، وكقائد في حزب كديما المعارض، أقول وبصوت عال وفي كل يوم إن سياسة الحكومة تنطوي على خطأ استراتيجي. والمغزى الحقيقي لهذه السياسة هو أنها ليس فقط لا تؤدي إلى تحقيق التسوية، بل تقرب الحرب. فلو كنت تقول لي إن السلام يبتعد عنا سنتين، كنت أجيب أننا انتظرنا 20 سنة، فلننتظر سنتين أخريين، لا بأس. أو انتظرنا 50 سنة. لكن، عندما تبعد السلام وتقرب المواجهة، فإن المسألة تأخذك إلى واقع استراتيجي خطر. ولذلك، فإنني أقول إن هذه الحكومة لا تبعد السلام فحسب، بل تقرب الحرب.

* في اليمين الإسرائيلي أسمع من يقول إنه بسبب الأوضاع الحالية في العالم العربي، يجب على إسرائيل أن لا تسعى للسلام ولا تقدم التنازلات أو تنفذ الانسحابات من الأراضي المحتلة.

- أنا أعتقد أنه في هذا الوقت بالذات، وبسبب زعزعة الاستقرار في المنطقة، نحتاج السلام مع الفلسطينيين من أجل ضمان الاستقرار. فإذا اتسع نطاق هذه الهبات العربية ووصل إلى الدول المجاورة لإسرائيل، فإن احتمالات التوصل إلى سلام مع الفلسطينيين ستضعف ونكون متأخرين. ولكنني أعتقد أن المفاوضات كان يجب أن تتم قبل هذه الهبات، وعندها كنا نستبق الأحداث. ففي زمن الحكومة السابقة، أديرت مفاوضات مع أبو مازن (الرئيس الفلسطيني محمود عباس) وتوصلنا فيها إلى بداية تفاهمات، علما بأن القدرة على التوصل إلى اتفاق تسوية دائمة كان في حينه أيضا غير عملي.

* لماذا غير عملي؟ ما الذي منعه حسب رأيك؟

- ما منعه هو أن أبو مازن أدرك أنه ليس في وضع سياسي داخلي يؤهله لطرح اتفاق كهذا فحماس ليست معه وقطاع غزة ليس معه وتوجد لديه مصاعب أخرى، ومن جهة ثانية أدرك أبو مازن أيضا المصاعب السياسية والحزبية في إسرائيل حيث إن من يوقع الاتفاق (حكومة إيهود أولمرت) لن يستطيع تطبيقه.

* لكن أولمرت دعا أبو مازن إلى التوقيع على مسودة اتفاق، ألم يكن يدرك، وهو رئيس حكومة في إسرائيل، أن الأمر غير طبيعي أم أنه رأى في مثل هذا التوقيع جدوى؟

- أنا لا أدري ماذا كانت النوايا وماذا كان الهدف ولا أعرف ماذا كانت حسابات أبو مازن، أعتقد أنه خشي بالأساس من وضعه الداخلي، الفلسطيني والعربي. وقد يكون أبو مازن مخطئا. كما هو اليوم أيضا مخطئ.

* ماذا تقصد بأنه اليوم مخطئ؟

- الشرط الذي يضعه منذ سنتين بعدم استئناف المفاوضات إلا إذا تم تجميد البناء الاستيطاني.

* ولكن هذا الشرط وضعه الأميركيون في البداية.

- نعم، والأميركيون أخطأوا بذلك وكذلك الإسرائيليون. فحكومة نتنياهو قبلت هي أيضا وانصاعت لهذا الشرط. إنه خطأ استراتيجي من الأطراف الثلاثة. فلم يسبق أن وضع شرط كهذا في المفاوضات بيننا وبين الفلسطينيين طيلة 20 سنة.

* أنت تعرف تماما لماذا جاء هذا الشرط. فخلال الفترة منذ بدأت المفاوضات وحتى اليوم تضاعف مرتين وأكثر عدد المستوطنين في الضفة الغربية، وهذا يشكل عائقا أمام التقدم في المفاوضات، فالمستوطنات تؤثر في قضية الحدود وتستدعي مطالب إضافية في كل جولة. فماذا سيحدث إذا استمرت المفاوضات 20 سنة أخرى؟

- لكن الوضع بيننا خلال السنتين وما حمل ويحمل في طياته يشكل خطرا أكبر بكثير مما لو كنا أجرينا مفاوضات. فقد خسرنا السنتين وقربنا الانفجار والتدهور الأمني والبناء الاستيطاني استمر ثم جاءت هذه التغييرات في العالم العربي التي تستدعي تغييرا بل تلزمنا بالتغيير في الموضوع الفلسطيني. وإسرائيل ترتكب خطأ دراميا إذا قررت الانتظار حتى تنتهي عملية التغيير في الدول العربية، خصوصا أن هذا التغيير لا يبدو قريب الانتهاء وقد يستغرق 5 أو 10 سنوات حتى تتضح معالمه. ولا يوجد لدينا هذا الامتياز للانتظار 10 سنوات. ولن يكون في صالحنا ولا في صالح الفلسطينيين أن ننتظر.

* حسنا، أنت ترشح نفسك لرئاسة الحكومة الإسرائيلية وتعتبر من المرشحين الأقوياء لهذا المنصب. فلو افترضنا أنك تتولى اليوم هذا المنصب، فما الذي كنت ستفعله مكان نتنياهو؟

- أعتقد أن على حكومة إسرائيل أن تطرح خطة عملية للتسوية مع الفلسطينيين. وأنا توجد لدي خطة كهذه وأوصي بتطبيقها. وأقول خطة واقعية لأننا نحتاج إلى رؤية واقعية للأوضاع في المنطقة. فاليوم لا توجد ثقة ولا نضوج ولا قيادة تبدو في وضع مؤهل للتوصل إلى اتفاق تسوية دائمة بيننا وبين الفلسطينيين. وحتى لو توفرت هذه القيادة، فإن الأوضاع لا تسمح. فكيف يمكن للفلسطينيين (يقصد منظمة التحرير الفلسطينية) أن يوقعوا على اتفاق دائم وهم لا يستطيعون الوصول إلى قطاع غزة؟ كيف تتجه إسرائيل إلى تسوية دائمة ولديها 60 – 70 ألف يهودي يعيشون في قلب الضفة الغربية، تحتاج إلى إخلائهم وتوطينهم في مناطق أخرى. وإذا كان الإخلاء سيتم بالقوة خلال سنة مثلا، فلا توجد في إسرائيل حكومة تستطيع فعل ذلك. لذلك فإن الأمر يحتاج إلى وقت.

* لو كان حزب كديما في الحكم، هل كان يستطيع ذلك؟

- عندما يكون حزب كديما حاكما في إسرائيل، وآمل أن يكون هذا تحت قيادتي، فسنطرح خطتي للتسوية.

* تعال نتحدث عن خطتك. فأنت تطرح تسوية على مراحل.

- اسمح لي أولا تفسير أسباب هذه الخطة. خلال المفاوضات التي جرت خلال نحو 20 سنة، ارتكبنا جميعا خطأ فادحا في أن توجهنا إلى التسوية على أساس: أولا نتفق على كل شيء ثم نبدأ التطبيق. وأنا أبني خطتي على أساس آخر مقلوب هو أن نتفق على الأمور التي يمكن تطبيقها. فقد دلت التجربة على أن الطريقة الحالية فشلت، سياسيا وعسكريا.

* لكن الفلسطينيين رفضوا هذا المنطق وهم يخشون من أن يصبح الأمر المؤقت دائما.

- أولا هم لم يرفضوا خطتي، بل تحفظوا منها علنا. وأنا أقول لك صراحة إنني خلال أحاديثي الكثيرة والطويلة مع الفلسطينيين وجدتهم يدركون حقيقة أنه لا يمكن التوجه إلى تسوية دائمة في الظروف الحالية. أمام الكاميرات يقولون شيئا آخر وهذا مفهوم. ولكن في الأحاديث الداخلية يبدون تفهما للتسويات المرحلية. بالطبع أنا أفهم وأتفهم التخوف لديهم من المستقبل، لذلك أقول إننا نتفاوض حول الخطة المرحلية من خلال ضمانات وبرنامج زمني للتسوية الدائمة.

* أي ضمانات تقصد؟ الفلسطينيون يحتاجون إلى أمور عملية تثبت لهم على الأرض أنكم جادون في التوجه لتسوية دائمة.

- وأنا أطرح أمورا عملية. إنني أقول إن بإمكاننا، وجنبا إلى جنب مع التسوية المرحلية، نباشر المفاوضات المباشرة والجادة حول قضايا أساسية في التسوية الدائمة.

* مثلا؟ أي قضايا تراها قابلة للتفاوض فورا؟

- قضيتا الحدود والأمن. هاتان القضيتان يمكن البدء بهما فورا.

* على أساس حدود 1967 مع تعديلات حدودية تقدر أنها ستكون بمساحة 7% من الضفة الغربية، على أن تعطي إسرائيل تعويضا عنها دونما مقابل دونم من مساحة إسرائيل في حدود الهدنة لسنة 1949. عمليا أنت توافق على طلب أبو مازن الذي وافق عليه إيهود أولمرت، أن تكون الدولة الفلسطينية على مساحة 5258 كيلومترا مربعا.

- أنا لا أعرف ماذا عرض أولمرت بدقة. أنا أتحدث عن الاحتفاظ الإسرائيلي بالكتل الاستيطانية معاليه أدوميم وجوش عتصيون وأرييل وغرب السامرة وهذه تقدر ما بين 6% و7%. وبهذا يبقى داخل الضفة الغربية 60 – 70 ألف مستوطن ينبغي إخلاؤهم.

* والمناطق الإسرائيلية التي تعطى للفلسطينيين تعويضا عن هذه النسبة هي مناطق جيدة بنفس القيمة والمساحة؟

- نعم. نحن نتحدث عن مناطق خالية من السكان. فأنا لا أقبل نقل مواطنين إسرائيليين عربا أو يهودا إلى تخوم الدولة الفلسطينية العتيدة. ومشروع ليبرمان (وزير الخارجية الإسرائيلي) لوضع بلدات المثلث العربية تحت السيادة الفلسطينية مرفوض وهو بالمناسبة غير عملي، فلا العرب يريدون ذلك ولا إسرائيل تستطيع تنفيذ ذلك. فالعرب يتمسكون بمواطنتهم الإسرائيلية وإسرائيل دولة ديمقراطية لا تستطيع ترحيل مواطنين إلى الخارج بالقوة.

* نتنياهو تحدث عن ضرورة بقاء الجيش الإسرائيلي في غور الأردن في كل اتفاق تسوية. وأنت كنت رئيس أركان سابقا للجيش، هل ترى هذا ضروريا للأمن فعلا؟

- خطتي تتحدث عن مرحلة انتقالية للتسوية الدائمة. والمرحلة الانتقالية محدودة. هناك من يقول إنها 6 أو 7 سنوات وهناك من يقول 20 سنة. واضح أن مدتها تحدد وفقا للواقع المحلي والإقليمي، ولكن هذا يجب ألا يعرقل مسيرتنا للتوصل إلى اتفاق دائم.

* بالتأكيد يعرقل، إذا لم يكن واضحا أنه اتفاق مرحلي لفترة محدودة.

- بالطبع. نحن نقترح أن تكون الفترة محددة. وأنا أتحدث عن فترة 4 إلى 6 سنوات، أي لا أقل من 4 سنوات ولكن ليس أكثر من 6 سنوات.

* وغور الأردن؟

- هو أيضا يدخل في الإطار نفسه. خلال الفترة الانتقالية يكون تحت السيادة الإسرائيلية؟ وفي المفاوضات نتفق مع الفلسطينيين حول مدة بقائنا هناك.

* في نهاية المطاف ترى أنه تحت السيادة الفلسطينية الكاملة ومن دون وجود إسرائيلي؟

- إذا احتجنا، ولأسباب أمنية، يمكننا التفاهم حول استئجاره لفترة محددة. ولكن واضح أننا نتجه إلى اتفاق دائم للسلام وفي إطاره يكون تحت السيادة الفلسطينية.

* لنعد إلى موضوع القدس. قد يشعر المرء بأنك تريد بصدق تسوية. ولكن عندما تتحدث عن القدس تعيد الشكوك. فأنت تريد القدس، بما فيها القسم الشرقي الذي احتلته إسرائيل سنة 1967، تحت السيادة الإسرائيلية. ولكنك تعرف أن أي قائد فلسطيني لن يقبل بهذا. الفلسطينيون يريدون القدس موحدة ولكن على أن تكون عاصمتين، غربها لإسرائيل وشرقها لفلسطين.

- انظر. القدس موضوع معقد وأنا أتعمد التقليل في الحديث عنه، لأنني أرى أن الطرفين غير جاهزين اليوم للتوصل إلى اتفاق حول القدس. فهناك انعدام للثقة بينهما وعدم استعداد للحلول الوسط في القضايا الأساسية. وإذا لم يكن هناك اتفاق حول الحدود والأمن فكيف يكون اتفاق حول القدس. ولكنني أدعي أنه بالإمكان التوصل إلى بعض التفاهمات حول القدس، بشرط عدم العودة إلى حدود 1967 فيها. أن 52% من المواطنين اليهود في القدس يعيشون في 6 أحياء تقع ما وراء الخط الأخضر. وأنا لا أرى حكومة إسرائيلية اليوم تقول يجب ترحيل هؤلاء.

* ولكن ما طرح في المفاوضات حتى الآن هو أن تضم هذه الأحياء اليهودية إلى العاصمة والسيادة الإسرائيلية مقابل بديل عنها يعوض به الفلسطينيون، على أن تكون الأحياء العربية بما فيها المسجد الأقصى وكنيسة القيامة عاصمة لفلسطين. فما الذي لا يعجبك في هذا؟

- ما تفعله لي الآن هو أنك تدخلني في مفاوضات حول القدس. وأنا لا أريد ذلك. لسنا جاهزين، لا نحن ولا الفلسطينيون، للتفاوض.

* ولكن هذا بالضبط هو ما يعمق عدم الثقة.

- أقول لك شيئا واضحا: إنني واثق من أننا قادرون، نحن والفلسطينيون، على التوصل إلى تسوية دائمة أيضا بشأن موضوع القدس. إمكانية التوصل لاتفاق قائمة. ولكن، ما هو غير متوفر هو أنه لا توجد حتى بداية مفاوضات. لا يوجد إدراك لما يمكن أو لا يمكن تحقيقه. أنا أقول تعالوا لا ننتظر وضعا يكون فيه بالإمكان الاتفاق على كل شيء. تعالوا نركز على الأمور التي يمكن الاتفاق عليها وتطبيقها. في الجانب الإسرائيلي توجد نية مخلصة للتوصل إلى اتفاقات بخصوص الحدود الدائمة والترتيبات الأمنية. تعالوا ننجزها وفي الوقت نفسه نتفق على أن ننجز المفاوضات حول التسوية الدائمة في كل القضايا خلال 4 إلى 6 سنوات، مع ضمانات دولية بذلك. إذا لم نفعل، فإن هذه ستكون ضياعا للفرصة، من طرفنا ومن طرف الفلسطينيين ومن طرف الولايات المتحدة والمجتمع الدولي.

* لم تعطني إجابة صريحة حول الموقف من القدس. ألا ترى أن الفلسطيني في رام الله أو القدس أو مخيم اللاجئين في لبنان أو أي مكان، عندما يقرأ موقف قائد في المعارضة الإسرائيلية ضبابيا، يزداد عنده انعدام الثقة؟

- أنا خطي السياسي يسير ضمن نهج التسوية، التسوية بمفهوم التوصل إلى حلول أو تسوية الخلافات. وأنا إنسان منهجي (برغماتي) وواقعي. وأدعي أنه في الواقع الذي نجلس فيه من دون أن نعمل شيئا ومن دون أن نحاول تغيير الواقع نرتكب خطأ. فعندما نتقدم في مواضيع أساسية مثل الحدود والأمن، سنتوصل إلى تسويات بالتأكيد حول القضايا الأخرى. ومن دون تسوية قضيتي الحدود والأمن، لا يمكن التوصل إلى تسويات في القضايا الأخرى. أنت تعرف أنهم في إسرائيل يتساءلون: وكيف تعطي الحدود قبل أن تعرف موقفهم من القدس أو اللاجئين.. وأنا أقول لهم: بالعكس. أنا لا أضيع كنوزا بهذه الطريقة، بل أقتني الكنوز. وعندما تقوم الدولة الفلسطينية، سيصبح أسهل التوصل إلى اتفاقيات وتفاهمات بيننا في القضايا الأخرى. فلا خيار آخر أمامنا. إن لم نتوصل إلى اتفاق مرحلي مع ضمانات للتسوية الدائمة، فإننا سننتظر طويلا.

* هل أنت شريك في القلق الذي يبديه إسرائيليون كثيرون حول التغييرات في العالم العربي. هناك من هو قلق من تصريحات وزير الخارجية المصري، نبيل العربي، وهناك من هو قلق من التغييرات في سورية. ما هو وضعك أنت إزاءها؟

- أنا لا أتدخل في الشؤون الداخلية للدول المجاورة. واضح أن الأسد سيحاول التمسك بحكمه بكل قوة. لا أحد يستطيع توقع ما الذي ستسفر عنه التطورات. سورية مختلفة عن تونس ومصر وليبيا وغيرها. ما يقلقني في الواقع هو أن إيران تزداد قوة. ولست واثقا من أن الإيرانيين وحلفاءهم ليس لهم يد فيما يجري في العالم العربي. هناك جهود متعاظمة لتقوية إيران وحلفائها في العالم العربي وهذا ليس في صالح إسرائيل. لن يكون صحيحا أن نتدخل ولكن علينا أن نعلن موقفنا. وآمل أن تصحو سورية على نفسها وتفهم أنه مثلما تدخلت وتتدخل في الشؤون الداخلية لدول أخرى عربية مثل لبنان، هناك من يتدخل بل يعبث اليوم في شؤونها الداخلية.

* قلق على الأردن أو مصر؟

- في الأردن أعتقد أن النظام ثابت. هكذا يبدو على الأقل وأتأمل أن يبقى كذلك. إن الكنز الإسرائيلي الأكبر والأهم يكمن في اتفاقيتي السلام الموقعتين بين إسرائيل ومصر والأردن. وعلينا أن نحافظ عليهما.

* ألا تشعر بالخطر على معاهدة السلام، مع مصر مثلا، في أعقاب تصريحات وزير الخارجية الجديد، نبيل العربي؟

- لا، لقد استمعت إلى رئيس المجلس العسكري حسين طنطاوي وغيره من القادة فأكدوا أن لدى مصر مصلحة في الحفاظ على هذا السلام. وأعتقد أن مصر معنية الآن بإحداث تغيير واقعها الاقتصادي الاجتماعي إلى الأفضل. وهي تعرف أن السلام هو الكفيل بتحسين الاقتصاد وليس الحرب. من هنا فإنني أعتقد أن السلام هو مصلحة مصرية استراتيجية. بالطبع آمل أن يستمر هذا الموقف فلا تسيطر على مصر قوى التطرف السلبية، فهؤلاء لا يأتون بالاستقرار إلى أي دولة.

* لم أسمعك تتحدث عن المطالب العربية بالدمقراطية. هل تعميق الديمقراطية في العالم العربي مفيد أو مضر لإسرائيل؟

- كل من يؤمن بالديمقراطية يعرف كم هي مهمة. وأنا أؤمن بالديمقراطية. فإذا كانت صادقة وعميقة وقوية وحقيقية، فإنها تخمد شعوبها وكل دول وشعوب المنطقة. إسرائيل تعتبر المسيرة الدمقراطية في العالم العربي مهمة ولكن لا أقل منها أهمية هو الاستقرار.

* وهل ترى تصادما بين الدمقراطية والاستقرار؟

- لا، دعنا نقول إن من السابق لأوانه أن نقول إن ما يشهده العالم العربي من تغيير يقود حتما إلى دمقراطية، ولكن لا يوجد صدام بين الديمقراطية الحقيقية والاستقرار.

* إحدى مشكلات إسرائيل الكبرى هي ليست الحكومة المتنصلة من السلام، بل المعارضة. فلا نكاد نشعر أن هناك معارضة في إسرائيل تنتقد الحكومة وتجند الجمهور ضد سياستها. فأين أنتم؟ إنك تتحدث عن خطر كوارث بسبب سياسة نتنياهو، ولكننا لا نشعر أنكم تصرخون على قدر الوجع. هل هذا بسبب طبيعة المرحلة أم أنه بسبب ضعف قائدة المعارضة، رئيسة حزبك تسيبي ليفني؟

- أولا إنني شخصيا لا أتردد في الخروج ضد سياسة الحكومة والتحذير منها في كل مناسبة. طبعا هناك مجال لتحسين أداء المعارضة الإسرائيلية وفي عدة مواضيع، لكن هذا لا يعني أننا يجب أن لا نبذل كل جهد من أجل تغيير الحكومة. وأعتقد أن هذا قريب. فهذه الحكومة أعادت إسرائيل إلى الوراء في الكثير من المجالات. شرعيتنا في العالم تتهدد، بسبب عدم التقدم في مسيرة السلام. علاقاتنا مع الولايات المتحدة ودول الغرب متأزمة. في السياسة الاقتصادية والاجتماعية يوجد تراجع، أسعار المياه والسكن والخبز ومشكلات الأزواج الشابة. والنمو الاقتصادي الكبير يخدم الأغنياء.

* لهذا أقول إننا لا نحس بوجود المعارضة. كم هائل من فشل الحكومة وعجز للمعارضة.

- ولهذا أقول إنه يجب تحسين أدائنا. ولك أعتقد أن امتحاننا سيكون في الانتخابات القادمة، وهي قريبة.

* قريبة؟ تقصد أنها ستكون انتخابات مبكرة؟

- نعم، ستكون في السنة القادمة.

* لا أستطيع إجراء لقاء معك من دون أن أسألك عن مسألة شخصية. أنت عندما كنت وزيرا للدفاع، تم تسجيل صوتك وأنت تهمس في أذن رئيس الحكومة في حينه، أرييل شارون، بأنه يجب التخلص من ياسر عرفات. هل تخلصت فعلا من عرفات؟

- أنا قصدت طرد عرفات في حينه.

* ألم تقصد قتله؟ أنت تعرف أن الكثير من الفلسطينيين يقولون إن عرفات قتل بالسم الإسرائيلي.

- في الطرف الفلسطيني يستخدمون إسرائيل علّاقة. كل ما يحدث لهم يحملوننا مسؤوليته. أسهل شيء هو اتهام إسرائيل. ففي حينه قلت علنا إن عرفات يدير عمليات إرهاب ضد إسرائيل ويخرب بذلك على المفاوضات للتوصل إلى سلام. والفكرة كانت التخلص منه بالطرد من البلاد. هذا أمر لا يمكن قوله عن أبو مازن، مثلا، لأن أبو مازن اختار المفاوضات واللاعنف بشكل استراتيجي. ونحن اليوم بعد الجهود الأميركية التي يقودها الجنرال دايتون للتعاون الأمني وبناء قوة شرطة فلسطينية نظامية، وقد بدأت هذه في زمني في وزارة الدفاع. فمع أن هذه القوات لا تفرض سيادة نظام وسيطرة كاملة، إلا أنها تتجه في المسلك الصحيح. الواقع تغير بشكل جوهري. ففي زمن عرفات كانت أجهزة الأمن الفلسطينية جزءا لا يتجزأ من عمليات التفجير ضد إسرائيل. ولي مأخذ على حكم أبو مازن أيضا، حيث إنه ما زال هناك تحريض على إسرائيل في التعليم والإعلام. وأعتقد أن أبو مازن يستطيع إحداث نقلة تاريخية في حياة الشعب الفلسطيني بالتوصل إلى سلام، إذا توقف عن فكرة الحصول على كل مطالبه قبل المفاوضات. هذا سيؤخر القضية 10 أو 20 سنة.

* أتلاحظ أنك لم تعط لي جوابا قاطعا وحازما بأن إسرائيل لم تسمم عرفات؟

- لنفترض أنني أعطيت لك جوابا قاطعا، فإنك ستأتي إلي وتطلب مني أن أنفي كل تهمة تقال ضد إسرائيل في الطرف الفلسطيني. واضح أنه لا توجد لإسرائيل يد في هذا. وكل الاتهامات في هذا الشأن هدفها تصعيد التوتر وتدهور الأوضاع إلى ما هو أسوأ من الوضع الحالي.

* موفاز هو جنرال أمضى جل حياته في الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي، وتدرج في سلم القيادة حتى أصبح رئيسا لأركان الجيش سنة 1998. وقد عين في هذا المنصب في فترة حكم نتنياهو الأولى. ولد في سنة 1948 في إيران وقد هاجر مع أسرته من إيران إلى إسرائيل في سنة 1957 وأقاموا في إيلات وتلقى تعليمه الأساسي في المدارس الدينية وفي سن 13 عاما التحق بإحدى المدارس الزراعية الداخلية.

حصل على بكالوريوس وماجستير في إدارة الأعمال من جامعة بارايلان قرب تل أبيب وهو متزوج وله 4 أبناء. دخل إلى الحياة السياسية في إطار حزب الليكود اليميني، وفي سنة 2004 انسحب مع أرييل شارون ليشارك في تأسيس حزب كديما. وأصبح في حكومة شارون وزيرا للدفاع، وقاد عملية «السور الواقي»، التي حاصر فيها الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في المقاطعة في رام الله ولم تتوقف قبل وفاة عرفات. وفي حزب كديما يعتبر منافسا شديدا لرئيسة الحزب تسيبي ليفني. وقد تغلبت عليه بفارق أصوات قليل. وفي الآونة الأخيرة يزحف موفاز نحو مركز الخريطة السياسية الإسرائيلية وقد طرح خطة سلام جديدة تعتمد على التسوية المرحلية لإقامة دولة فلسطينية مؤقتة ومن ثم إنجاز المفاوضات للتسوية الدائمة.