برقيات دبلوماسية أميركية تشير للقلق المتزايد بشأن تنظيم القاعدة في اليمن

تخوف أميركي من عدم تعاون اليمن في مجال مكافحة الإرهاب بعد رحيل صالح

الرئيس علي صالح
TT

كان التحذير الذي أصدره عضوان بارزان بمجلس الشيوخ الفرنسي بالغ الوضوح، لكنه أشار إلى أنه لا يزال هناك وقت من أجل «إنقاذ اليمن حتى لا تصبح القاعدة التالية لتنظيم القاعدة».

واستخدم دبلوماسيون في قطر والكويت ومصر كلمات مثل «تنتابنا المخاوف» وأشاروا إلى أن تنظيم القاعدة بدأ يزداد قوةً مع تداعي اليمن. غير أن أكثر التقييمات حدةً أتت من المملكة العربية السعودية، حيث ذكر مسؤولون أن اليمن من المنتظر أن يصبح بيئة أكثر ترحيبا بالإرهابيين القادمين من أفغانستان، وأنها أصبحت موبوءة بالفعل، إلى حد أنه يجب أن ينظر إليه باعتباره «الموطن الرئيسي» لتنظيم القاعدة.

وبلغة باردة وحازمة، كشفت عشرات من البرقيات الدبلوماسية الأميركية، التي كانت سرية فيما سبق، عن مخاوف على المستوى الدولي بشأن التهديد الإرهابي القادم من اليمن الذي يبدو أعمق وأوسع نطاقا مما تم الكشف عنه بشكل معلن. فالبرقيات الدبلوماسية، في الفترة بين عامي 2009 و2010، تصف دولة على شفا أن تصبح دولة عاجزة حتى قبل الانتفاضات الأخيرة؛ وقائدا استغل تهديد تنظيم القاعدة للاستحواذ على دعم خارجي خاص بمكافحة الإرهاب إلى حد أنه أحيانا ما استخدمها ضد أعدائه الداخليين؛ والامتياز الذي يتمتع به تنظيم القاعدة الذي يكفل له أن يزداد قوة داخل اليمن، ذات الثقافة القبلية والتضاريس الوعرة. وقد زادت المظاهرات ضد الرئيس اليمني علي عبد الله صالح من حدة المخاوف الأميركية بشأن دولته، معرقلة عمليات مكافحة الإرهاب التي تشارك فيها قوات العمليات الخاصة الأميركية والمراقبة من قبل طائرات الاستطلاع (طراز بريديتور) المسلحة وعمليات جهاز المخابرات الأميركية السرية.

وقد سبقت البرقيات الدبلوماسية، التي قدمها موقع الويب «ويكيليكس» المضاد للسرية، الانتفاضات التي حدثت في منطقة الشرق الأوسط بنحو عشرة أشهر أو أكثر. وحتى على هذا النحو، ألقت الضوء على المخاطر بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها داخل الدولة، التي حتى عندما تبدو مستقرة، تعتبر بمثابة منصة إطلاق للهجمات، بما فيها محاولة تفجير الطائرة النظامية المتجهة إلى ديترويت عام 2009.

وتكشف الوثائق التي عرضها موقع «ويكيليكس» عن درجة من عدم الاتفاق والتعطل في جهود مكافحة الإرهاب الأميركية اليمنية، الأمر الذي يفسر السبب وراء توقف الحملة الموجهة ضد تنظيم القاعدة بعد سلسلة من الضربات الجوية المتميزة الأولى. وفي نهاية الأمر، تثير هذه البرقيات تساؤلات حول مدى اعتماد الولايات المتحدة على صالح، الحكم المستبد الذي تم تصويره كشريك غير متفرغ وغير مركز في جهود مكافحة الإرهاب قبل بدء الاحتجاجات التي تهدد بإنهاء فترة حكمه التي امتدت لمدة 32 عاما. وقد رفضت وزارة الخارجية الأميركية الحديث عن مصداقية هذه البرقيات أو محتوياتها. وأشار مايك هامر، المتحدث باسم مجلس الأمن الوطني الأميركي: «الولايات المتحدة تشجب بقوة أي إفشاء غير قانوني لمعلومات مصنفة». وواصل قائلا: «بالإضافة إلى تدمير جهودنا الدبلوماسية، يعرض هذا أمن الأفراد للخطر ويهدد أمننا القومي ويقوض جهودنا الرامية للتعاون مع الدول الأخرى في سبيل إيجاد حلول للمشكلات المشتركة». أشارت برقية نشرتها السفارة الأميركية في صنعاء، العاصمة اليمنية، العام الماضي إلى أن وحدات مكافحة الإرهاب اليمنية المميزة التي تشكلت بدعم أميركي مكثف لاستهداف تنظيم القاعدة قد استخدمت بدلا من ذلك من قبل الرئيس صالح لقمع الثوار الحوثيين شمال اليمن. وشملت أشكال التحويل في الموارد عناصر من قوات العمليات الخاصة في اليمن وأحد فصائلها المكافحة للإرهاب. فقد تم إرسال كل منهما «للحاق بالقوات اليمنية التي كانت تكافح ضد التكتيكات غير التقليدية التي يتبعها الحوثيون»، حسبما ذكرت البرقية التي تم إرسالها في 13 يناير (كانون الثاني) 2010، بواسطة السفير الأميركي في ذلك الوقت، ستيفن إيه سيش. ولقد جعل صالح فريق مكافحة الإرهاب يركز على قتال الحوثيين حتى بعد أن حاول نيجيري مدرب على يد تنظيم القاعدة تفجير طائرة متجهة إلى ديترويت.

وتحمل البرقيات القادمة من عواصم الدول مشاعر الأسف تجاه الرفض الواضح من جانب صالح للتركيز على تهديد تنظيم القاعدة في منطقة جزيرة العرب، بعد أن عرف أن هناك جماعة منبثقة عن تنظيم القاعدة موجودة في اليمن. وحذر بعض القادة الولايات المتحدة من أنها كانت تتعرض لخديعة. وحث رئيس وزراء قطر الولايات المتحدة على دعم صالح، ولكن مع الشك في مزاعمه. وقال الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، كما جاء في برقية قادمة من الدوحة: «بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، بات يروق لأميركا سماع أخبار عن كفاح الشعوب العربية ضد تنظيم القاعدة». وأضاف: «لكن لا يجب على القادة أن يخوضوا حروبهم الخاصة ويزعمون أنهم يحاربون القاعدة».

أحيانا كان صالح نفسه يقع في زلات لسان. فحتى عندما كان يسعى للحصول على مزيد من الأموال والأسلحة من القائمين بزيارات تفتيشية من الولايات المتحدة، كافح صالح لإقناعهم بأنه يشاركهم الالتزام تجاه قضية مكافحة الإرهاب.

وفي اجتماع مع نائب مدير جهاز المخابرات الأميركية عام 2009، أشار صالح إلى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بوصفه تهديدا «على نفس مستوى» تهديد الانفصاليين في الجنوب والثوار الحوثيين في الشمال. وبعد أن أدرك خطأه، سرعان ما غير تصنيفه ليضع تنظيم القاعدة في المرتبة الأولى. وورد في إحدى البرقيات: «كان قرار صالح بتغيير موقفه.. قد اتخذ بالطبع مع وضع المحاورين من حكومة الولايات المتحدة في الاعتبار». وخلال الأسابيع الأخيرة، وردت تقارير متفرقة تشير إلى أن فرق مكافحة الإرهاب في اليمن قد تم تحويل مسارها مرة أخرى، وهذه المرة لضبط الأمن في العاصمة والمساعدة في قمع الجماعات المعارضة التي تعاظمت احتجاجاتها ضد صالح. وذكر مسؤولون أميركيون أنهم لم يجدوا أي دليل يؤكد على ذلك الادعاء، ولكنهم يعترفون بأن عمليات مكافحة الإرهاب الأميركية اليمنية قد توقفت.

وعلق مسؤول يمني على العمليات الأمنية في الدولة بقوله إن فرق مكافحة الإرهاب ووحدات القوات الخاصة لم يتم توظيفها ضد المحتجين. فقد جاء على لسانه: «لقد كانت حامية لهم في الأساس». وكانت إدارة أوباما قد أعلنت عن دعمها لصالح وسعت لتشجيع التعاون معه في مكافحة الإرهاب، مع تقديم وعد بتقديم مئات الملايين من الدولارات كإعانة. غير أن إدارة أوباما يبدو أنها تتراجع الآن، وأبقت على قدر كبير من تلك الأموال التي وعدت بمنحها. بالإضافة إلى ذلك، فقد نحت الحكومة اليمنية جانبا أيضا الخطط المدعومة من بريطانيا لفتح مراكز مكافحة الإرهاب في المناطق التي تتمركز بها خلايا نشطة من تنظيم القاعدة، وذلك بسبب حالة «الاضطراب السياسي»، على حد قول أحد المسؤولين اليمنيين.

وحتى عندما مضت الجهود الممولة من الغرب قدمًا بهدف زيادة إمكانات مكافحة الإرهاب في اليمن، أعاقها بعض المنافسين، ومن بينهم أقرباء صالح. وتصف برقية دبلوماسية تم إرسالها عام 2010 خلافات بين وحدة مكافحة الإرهاب في الدولة - التي يشغل فيها ابن أخ الرئيس صالح منصبا رفيعا - والقوات الخاصة التي تشن حملات ضد تنظيم القاعدة ويقودها ابن الرئيس.

وقد شهد مسؤولون أميركيون كشف النقاب عن مركز للاستخبارات المشتركة في صنعاء، حيث تم تركيب أجهزة كومبيوتر ونظم خرائط رقمية وجهاز اتصالات، كبديل لبنية قديمة اعتمدت على «ثلاثة أجهزة كومبيوتر قديمة» وخرائط ورقية.

إلا أن ابن الرئيس صالح لم يظهر في هذا الحدث وأعلن عن خطط لإنشاء مرفق منافس، وفقا لما جاء في البرقية، التي خلصت إلى أن «المنافسة بين قوتي مكافحة الإرهاب الرئيسيتين في اليمن لم تنته بعد».

وبصرف النظر عن تلك الأمور المحبطة، فقد أعرب مسؤولون أميركيون عن مخاوفهم من أن تتدهور جهود مكافحة الإرهاب إذا تمت الإطاحة بصالح. وهو رأي أجمع عليه حلفاء أميركا منذ وقت طويل.ووفقًا لما جاء في برقية عام 2009، أشار أحد مسؤولي مكافحة الإرهاب الكبار في السعودية متحدثا عن صالح أنه «ليس القائد المثالي». غير أن ترك صالح للسلطة «سيترك فراغًا من شأنه أن يضعف اليمن بصورة أكبر». ويرى مسؤولون في قوات مكافحة الإرهاب في أميركا، أن من شأن دولة ممزقة أن تكون بمثابة ملاذ للإرهابيين. وفي الأشهر الأخيرة، بدأوا في الإشارة إلى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بوصفه تهديدًا للمصالح الأميركية بشكل أكبر من بؤرة تنظيم القاعدة في باكستان.

ويساور القادة الأميركيين القلق بشأن ما إذا كان من سيخلف صالح في الحكم سيسمح لفرق المخابرات الأميركية بالعمل خارج الدولة وللطائرات طراز «بريديتور» بالاستطلاع أم لا. وقد أثارت برقية في عام 2005 مخاوف بشأن أحد المنافسين المحتملين على خلافة صالح وهو اللواء علي محسن الأحمر، الذي أظهر مؤخرًا دعمه لحركة الثوار.

وقد ورد في البرقية «صفقات علي محسن المشكوك فيها مع الإرهابيين والمتطرفين.. من شأنها أن لا تجعل (توليه السلطة) يلقى الترحيب من جانب أميركا. ومن المعروف عنه أنه قد درس تعاليم سلفية وأنه يدعم أجندة سياسية إسلامية أكثر تطرفًا من صالح».

تصف البرقيات تدفقًا مستمرًا للمقاتلين المناضلين داخل اليمن، مما يشير إلى أن مركز الجذب لتنظيم القاعدة قد بدأ يتحول من باكستان لبعض الوقت.

وورد في سياق رسالة من مبعوث تلخيص لمخاوف السلطات الفرنسية العام الماضي: «يعمل الآن المئات من الإرهابيين المنتسبين إلى تنظيم القاعدة داخل اليمن، ومعظمهم يأتي من الخارج». كما كشفت البرقية أيضا عن مطلب فرنسي يبدو ساذجًا في الإدراك المتأخر للموقف، بتجنب إثارة الرأي العام بشأن المشكلة خوفًا من جعلها تزداد سوءًا: «تركز وسائل الإعلام على تزايد مخاطر أن تصبح الدولة موطن جذب للإرهابيين الذين ربما ينظرون لليمن سريعًا باعتبارها موقعًا ذا أهمية خاصة بحيث يمكن أن يتخذوه قاعدةً لهم.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»