خسارة الوحدة يفترض ألا تشغل الإدارة عن صياغة حلم السنين

مكة «حمامة» تطوق عنقها ألوان متجاوزة لتدرجات الطيف البشري

TT

أمس تكلمت عن التاريخ، الماضي القريب للوحدة، من خلال آخر نهائي «كبير» خاضه الفريق، وكان أمام النصر في 15 سبتمبر (أيلول) 1973، واستعرضت قصة تلك المباراة التي لعبها الوحدة بوجوه جديدة، شابة، لم يكن بينها من رجالات العصر الذهبي سوى (سعيد لبان، وكريم المسفر).

ذلك الفريق كان يضم مواهب كبيرة، لعل أبرزها (محمد الفايز، حامد سبحي، فؤاد الخطيب) وهو ثلاثي لعب دوليا ومثل المنتخب من دورة الخليج الثانية حتى دورة الخليج الرابعة في قطر 1975 م عبر مشاركة ما سمي حينها بـ (المنتخب الرمزي) وتلك حكاية أخرى.

المهم أن ذلك الفريق هو الذي دخل به الوحدة أجواء الكرة الحديثة، ودوري التصنيف 1976 الذي أفرز أندية الدوري الممتاز، ومع ذلك الفريق كانت نهاية الرئيس (الذهبي) والأبرز في تاريخ الوحدة (عبد الله عريف) رحمه الله. فمع نهاية السبعينات كان أفراد ذلك الفريق قد بدأوا في الذبول، اعتزل معظمهم، وتقلصت مساحة الدوليين، إذ لم يبرز سوى المدافع (أحمد النيفاوي) الذي ظهر بعد تلك المباراة بموسمين تقريبا، واستمر حتى سطعت نجوميته في المنتخب مع المدرب البرازيلي مانيلي 1981 حين لعب (قشاشا) إلى جوار العملاق صالح النعيمة، ثم انتقل للهلال لظروف عمله هناك، ولعب مع الهلال مواسم قصيرة لكنها كانت إيجابية، حتى اعتزل أواخر 1987.

مع نهاية السبعينات تقريبا، كان ثَم جيل كروي جديد يظهر في الوحدة يضم مواهب حقيقية لعل أكثرها موهبة (حسن السيد في الوسط، ومنصور عبدون، وبكر نونو) لكن وفاة العريف، أدخلت النادي في نفق إداري وتنظيمي مظلم، وإشكالات لا حصر لها من التخبط، ألقت بظلالها على النادي، وأوقفت تشكله حداثيا، ونموه عصريا على مستوى الفكر الإداري، مما أدخل فريق كرة القدم في دوامة من الهبوط، والصعود، والتواري في المراكز الخلفية، وضعفت ثقة اللاعبين في أنفسهم، وتخلف الفريق عن اللحاق بالفرق التي واكبت العصر ومتغيراته، فنشأ فكر كروي جديد، لم يلحق به الوحدة الذي بقي متذيلا في القاع أو متدفئا في الوسط. ورحلت الجماهير، ونشأت أجيال جديدة في المدينة نفسها غير معنية بالوحدة، وانتهى كل شيء.

من هنا تأتي أهمية مباراة الليلة، كونها تشكل فرصة، ليدرك الوحداويون، أن فريقهم كان كبيرا، وأن ضيق الأفق، والنزعات الفردية والنرجسيات، والتكتلات أقصتهم كثيرا، وألغت التميز الذي تتمتع به مدينتهم، إذ طبقا للروائية المكية حائزة البوكر العالمية للرواية العربية أخيرا (رجاء عالم) «لا يمكن أن يجتمع في مساحة مترين نفس لون البشرة، مكة حمامة تطوق عنقها ألوان متجاوزة لتدرجات الطيف البشري».

تكتب رجاء عالم من وحي أجواء وعوالم مكة، فتنتقل بالرواية السعودية للعالمية، بينما يحتشد حلم الوحداويين بذلك التنقل المرعب بالماضي، وربما بالتاريخ، فالتاريخ أحيانا يكون عبئا على الفرد والذاكرة، إن لم نحسن التعامل معه، ذلك الماضي الذي يمثل عند الوحداويين اللحظات النادرة من وقت حكم عليهم بالتواري والانزواء. حين ضاق الفضاء الوحداوي، بالإبداع، فلم يعد يحتوي المواهب بما يليق وتقتضيه استحقاقات المرحلة، ويحول طاقتها لإبداع جماعي، تنتشل النادي مما حوله من ناد رائد إلى عشوائي تعشش فيه أفكار قديمة بالية، والفقر والفساد الإداري والقهر والفوضى.

هناك وفرة عناصر موهوبة عجز النادي عن استثمارها للإبقاء على جذوة التفوق، واستمرار المنافسة، وليس أدل على ذلك من أنك لا تنظر إلى فريق من الفرق السعودية القوية اليوم إلا وتجد فيه لاعبا أو أكثر هو من النجوم الضاربة القادمة من مكة، والتي عجز الوحدة لأسباب كثيرة عن استيعابها.

اليوم كل المؤشرات المنطقية تقول بتفوق الهلال لكن هناك حلم لدى الوحداويين ينتظر أن يعيد صياغة الواقع، فعراقة النادي تقتضي ذلك، حتى وإن خسر الفريق لقاء الليلة وفقا للمنطق!!