مدينة يابانية تشكو تخلي آلاف السياح عنها بسبب الإشعاعات

ميهارو القريبة من فوكوشيما اعتادت على جذب 300 ألف زائر سنويا لمشاهدة شجرة كرز تاريخية

ميهارو فشلت في جذب السياح رغم تسهيلات جديدة قدمتها خلال الفصل الحالي (نيويورك تايمز)
TT

يروي المزارعون المحليون أن شجرة الكرز الباكية هذه تقف في هذه المنطقة منذ ألف عام، وأن أزهارها تتفتح في كل عام رغم العواصف الثلجية والزلازل، والكارثة النووية الحالية.

بيد أن المدينة قد لا تتمكن من العودة إلى سابق عهدها مرة أخرى، فمئات الآلاف من الأفراد الذين يزورون المدينة كل عام خلال موسم تفتح زهور الكرز لرؤية هذه الشجرة، التي تحتل قيمة كبيرة والتي تعتبر من بين ثلاث أقدم شجرات في اليابان، وصنفت ككنز قومي، تراجع قسم كبير منهم عن زيارة المدينة هذا العام، نتيجة حادثة محطة الطاقة النووية في فوكوشيما دايتشي، والتي تبعد 30 كيلومترا فقط عن الشجرة.

ويقول ماسايوشي هاشيموتو، 85 عاما، المزارع المحلي الذي لم يبع محصوله من الخضراوات بسبب الكارثة النووية: «نجت هذه الشجرة من الكثير من الكوارث، وربما تتمكن من النجاة من هذه الكارثة النووية».

يبلغ موسم تفتح أزهار الكرز (أو ساكورا كما يطلق عليه اليابانيون) أوج ذروته الأسبوع الحالي على طول ساحل توهوكو، التي لا تزال تعاني من آثار زلزال الحادي عشر من مارس (آذار) الماضي وموجة التسونامي وحادثة منشأة فوكوشيما دايتشي النووية. وعادة ما تجذب أشجار توهوكو مئات الآلاف من الزائرين، الجزء الأكبر منهم من طوكيو، وهو ما يدر دخلا مميزا للقرى والمدن التي لا تتمتع بمقومات صناعية كبيرة.

وعلى الرغم من نجاة الكثير من أشجار الكرز من منطقة الكارثة، فإن الأمر قد يتطلب سنوات لعودة السياحة مرة أخرى بحسب تحذيرات المسؤولين. فالمنطقة تواجه مشكلات كثيرة شملت الدمار الذي لحق بالبنية التحتية للسياحة والمخاوف من ارتفاع معدلات الإشعاع في المناطق المحيطة بفوكوشيما والانخفاض الحاد في أعداد المسافرين على مستوى البلاد التي لا تزال تعاني من صدمة مدوية نتيجة لأسوأ كارثة منذ الحرب العالمية الثانية. وقد ذكرت شركة «جيه تي بي»، أكبر وكالة سفريات يابانية الأسبوع الماضي أنها تتوقع انخفاض السفر بنسبة 28 في المائة خلال موسم العطلات المعروفة باسم الأسبوع الذهبي الذي يبدأ الشهر الحالي.

هذا الدمار الذي لحق بالسياحة في المنطقة والأضرار التي لحقت بالاقتصاد المحلي الذي عانى من ضربات موجعة، نتيجة لاندثار الكثير من التجمعات الزراعية والصيد في موجة التسونامي، إضافة إلى الكثير من المصانع في المنطقة التي تسعى إلى إعادة تجديد ما وقع من تلفيات أو إعادة بدء خطوط الإنتاج.

في ميهارو، كانت الشجرة الباكية مصدرا مهما للدخل لهذا المجتمع الزراعي القديم، فقد وفد إلى هذه المدينة 300.000 زائر العام الماضي، لمشاهدة الشجرة التي يبلغ طولها 40 قدما، أنفقوا ببذخ في حانات ومطاعم المدينة إضافة إلى شراء منتجاتها.

لكن المدينة تتوقع انخفاض أعداد زائريها العام الحالي بنسبة 80 في المائة. فرغم كون المدينة غير متضررة من منطقة الإخلاء التي تمتد من 12 إلى 18 ميلا حول منشأة فوكوشيما، فإن السياح، بحسب سوسومو ياماجوتشي، مسؤول السياحة في مجلس مدينة ميهارو، يحاولون النأي بأنفسهم بعيدا عن منطقة الكارثة، وهو الأمر الذي يشكل ضربة قوية لنا.

وفي محاولة لجذب الزائرين، ألغت المدينة تعريفة مشاهدة الشجرة، 3.60 دولار، ودشنت حملة إعلانية تحدث فيها يوشينوري سوزوكي، عمدة مدينة ميهارو، إلى الصحف المحلية بالقول: «لن تكون هناك أي ازدحامات مرورية أو حشود كثيرة أيضا».

ونظرا لتمتع المنطقة بطقس مشمس، جذبت الشجرة عددا من الزائرين يفوق ما كان متوقعا لكنه لا يزال أقل من المعتاد، بحسب مسؤولين في المدينة. وتؤكد أسوكا كيمورا، 29 عاما، العاملة في مجال إنشاء المنازل والأم لأربعة أبناء، وتعيش في مدينة إيواكي المجاورة أن متعة زيارة شجرة الكرز في ميهارو تفوق المخاوف من الإشعاع. وتقول: «أنا لدي أطفال يلعبون في المنزل لساعات طويلة، واليوم قررنا قضاء يوم خارج المنزل، إنه مجرد يوم واحد».

حاولت المدينة جاهدة حماية هذه الشجرة المقدسة، ويروي كبار السن في القرية أن أعداد الزائرين كانت قليلة خلال الحرب العالمية الثانية، لكن القرويين لا يزالون يتولون رعاية الشجرة استعدادا لعودة المزيد من الأوقات الهادئة. وقبل خمس سنوات هددت عاصفة ثلجية بتغطية الشجرة، لكن المزارعين المحليين المحبين لها قاموا بتنظيف الأغصان من الثلوج وقاموا بوضع دعامات خشبية حتى لا تتكسر أغصانها.

ومرة أخرى تسابق مزارعو المدينة إلى الشجرة في أعقاب زلزال 11 مارس الذي دمر بعض المنازل في المنطقة. ولا تزال الشجرة سليمة لم تصب بأذى وكانت بعيدة عن المنطقة التي تضررت جراء موجة التسونامي، لكن اليوم التالي حمل الأخبار السيئة مع زحف البخار المشع نحو المدينة. وباتت الفنادق الصغيرة في المدينة التي حجزت بالكامل قبل موسم ساكورا، تشهد موجات من إلغاء الحجوزات.

لكن رغم ذلك لا تزال الأشجار تتفتح أزهارها، أحيانا وسط الجبال الصماء، لتصبح نماذج على إمكانية عودة الحياة مرة أخرى. ويقول نوريوكي كاساي، عمدة هيروساكي، المدينة التي تقع على حافة منطقة الكارثة، نحو 400 كيلومتر شمال مدينة طوكيو: «تزهر أشجار الكرز كل عام رغم أي كارثة». وعلى الرغم من نجاة أشجار المنطقة الـ2.600 من وطأة الدمار، فإن أعدادا أقل من المتوقع ينتظر أن تزور المنطقة هذا الموسم، «لكنها ككل الأشجار ستنتعش مرة أخرى»، على حد قوله.

* خدمة «نيويورك تايمز»