واشنطن ولندن وباريس تصعد الضغوط على الأسد لوقف قمع المتظاهرين

قائمة عقوبات أميركية تضم مسؤولين سوريين.. وهيغ يلوح بعقوبات دولية.. وساركوزي: ما يحدث غير مقبول

محتجون سوريون يهتفون أمس أمام السفارة السورية في القاهرة هتافات تطالب برحيل الحكومة السورية (رويترز)
TT

تزايدت الضغوط الدولية على النظام السوري أمس لوقف حملة القمع ضد المحتجين المطالبين بالديمقراطية، ففي الوقت الذي تتجه فيه الإدارة الأميركية إلى فرض عقوبات وتجميد أرصدة مسؤولين سوريين وحظر سفرهم قال وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ أمس إن بريطانيا ستعمل مع الدول الأخرى على السعي لفرض عقوبات على القيادة السورية إذا استمرت الحكومة في استعمال العنف في قمع الاحتجاجات. واعتبر الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أن الوضع القائم في سورية «لا يمكن قبوله.. فلا ترسل الدبابات والجيش لمواجهة المتظاهرين، والوحشية غير مقبولة». لكنه رأى أنه «لا يمكن القيام بأي عمل (في سورية) دون قرار مسبق من مجلس الأمن الدولي» على غرار ما حصل في ليبيا. واعترف ساركوزي بأن الحصول على قرار كهذا «ليس من السهل الحصول عليه» في إشارة ضمنية إلى معارضة مرتقبة من روسيا والصين ودول أخرى في مجلس الأمن من بينها لبنان. أجرت الإدارة الأميركية عدة اتصالات مع حلفائها الأوروبيين خاصة فرنسا وبريطانيا لاتخاذ موقف مشترك من الاعتداءات القمعية للنظام السوري وحثها على اتخاذ خطوة مماثلة بتجميد أرصدة المسؤولين السوريين بأوروبا، وأدانت إدارة أوباما «أعمال العنف الوحشية التي تقوم بها الحكومة السورية» ووصفتها بأنها مؤسفة.

وقالت مصادر بوزارة الخزانة الأميركية إن الأسماء الواردة بالقائمة المفترضة للعقوبات تشمل ماهر الأسد شقيق الرئيس الأسد آصف شوكت صهر الرئيس إلى جانب شخصيات أخرى بالحكومة السورية. ووصف المحللون قيام وزارة الخزانة الأميركية بتجميد أرصدة كبار المسؤولين السوريين بأنه إجراء رمزي لأن المسؤولين السوريين لا يملكون الكثير من الأصول في الولايات المتحدة بحيث يمثل تجميدها عنصر ضغط على نظام الأسد، بينما سيكون التأثير أكبر إذا ما قامت بريطانيا ودول أوروبية أخرى بفرض عقوبات على النظام السوري.

كما ناشدت الولايات المتحدة مواطنيها مغادرة سورية في أقرب وقت ممكن، وأمرت وزارة الخارجية بترحيل الموظفين غير الأساسيين في السفارة الأميركية بدمشق، والعودة مع أسرهم إلى الولايات المتحدة، وحثت الأميركيين على تأجيل أي مخططات للسفر إلى سورية. في الوقت نفسه اشتعلت أروقة مجلس الأمن الدولي تحت ضغوط من بريطانيا وفرنسا والبرتغال وألمانيا، لإصدار بيان يدين بشدة العنف ضد المتظاهرين السلميين ويدعو سورية إلى ضبط النفس بعد ما شهده يوم أول من أمس من مواجهات دامية بين المتظاهرين والسلطات السورية التي قامت باستخدام آلاف الجنود بالجيش والدبابات، في مدينة درعا لقمع الاحتجاجات وقطع خدمات الهاتف والكهرباء والمياه.

وقالت نافي بيلاري المفوضة السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة «إن الحكومة السورية لديها التزام قانوني دولي لحماية المتظاهرين المسالمين» وطالبت بإجراء تحقيق كامل ومستقل في أعمال القتل وتقديم الجناة للعدالة.

وأعلنت الولايات المتحدة بشكل صريح معارضتها لترشيح سورية في مجلس حقوق الإنسان وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية مارك تونر: «إننا مضطرون للتعليق نظرا للإجراءات التي تقوم بها سورية ضد شعبها ونعتقد أنه من غير الملائم وسيمثل نوعا من النفاق أن تنضم سورية لمجلس حقوق الإنسان».

وهاجم فيليب بولوبين مدير هيومان رايتس ووتش بالأمم المتحدة مجموعة الدول الآسيوية المساندة لترشيح سورية للمجلس وجامعة الدول العربية قائلا إن هذا التأييد هو انحياز صارخ ضد الضحايا المدنيين في سورية وإحراج كبير لجامعة الدول العربية التي دعمت العمل العسكري في ليبيا لحماية المدنيين بينما الآن تنحاز ضد المدنيين السوريين وأضاف أن دعم ترشيح سورية للمنصب هو إهانة للأمم المتحدة ومهمتها ويظهر التجاهل الصارخ لمشاعر وحقوق الشعب السوري.

وفي لندن قال وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ أمس إن بريطانيا مستعدة لإجلاء أي مواطنين بريطانيين لا يجدون سبيلا لمغادرة سورية.

وقال أمام البرلمان: هناك زهاء 700 مواطن بريطاني مسجلين لدينا في سورية. ولدينا خطط طوارئ لإجلائهم. وكانت بريطانيا نصحت رعاياها بمغادرة سورية.

كما قال هيغ إن بريطانيا تعمل بشكل مكثف مع شركائها الدوليين لإقناع السلطات السورية بوقف العنف واحترام الحقوق الإنسانية الأساسية والعالمية في حرية التعبير والتجمع.

وأضاف: «هذا يشمل العمل مع شركائنا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لإرسال إشارة قوية للسلطات السورية تفيد بأن أعين المجتمع الدولي مسلطة على سورية وكذلك العمل مع شركائنا في الاتحاد الأوروبي والمنطقة بشأن إمكانية اتخاذ مزيد من الإجراءات».

وبالنسبة إلى فرنسا استبعدت المصادر الفرنسية الرسمية التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» تكرار ما حصل في ليبيا في سورية، لكن الرئيس نيكولا ساركوزي وجه من روما، في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني، رسالة ذات مغزى لقادة دمشق.

واعتبر ساركوزي أن الوضع القائم في سورية «لا يمكن قبوله.. فلا ترسل الدبابات والجيش لمواجهة المتظاهرين، والوحشية غير مقبولة». لكنه رأى أنه «لا يمكن القيام بأي عمل (في سورية) دون قرار مسبق من مجلس الأمن الدولي» على غرار ما حصل في ليبيا. واعترف ساركوزي بأن الحصول على قرار كهذا «ليس من السهل» في إشارة ضمنية إلى معارضة مرتقبة من روسيا والصين ودول أخرى في مجلس الأمن من بينها لبنان.

وحرص الرئيس الفرنسي على التأكيد على وقوف فرنسا إلى «جانب الشعوب العربية في تطلعاتها إلى الحرية» معتبرا أن هذا القرار «خيار تاريخي» يلي حقبة ممن التخبط للدبلوماسية الفرنسية في تعاملها مع الربيع العربي. بموازاة ذلك، كانت الدبلوماسية الفرنسية تتحرك في الأمم المتحدة من أجل الدفع باتجاه بيان رئاسي يدين القمع في سورية ويدعو إلى وقفه وإلى القيام بتحقيق جدي بحيث يبين المسؤوليات ويحاكم المسؤول عن أعمال القمع.

وتعتبر مصادر واسعة الإطلاع في باريس أن الجدل الذي كان يدور داخل دوائر القرار الدبلوماسي حول الموقف الواجب التزامه إزاء دمشق قد حسم لصالح أصحاب خيار الموقف المتشدد. وكان فريق في الخارجية وفي دوائر أخرى يدافع عن الرئيس السوري ويعتبر أنه ما زال ممسكا بالوضع وراغبا في إجراء إصلاحات حقيقية ويدعو إلى إعطائه مزيدا من الوقت. وفي المقابل، كان فريق آخر يعتبر أن النظام الحالي «لا يمكن إصلاحه» وأن ما أعلن عنه الرئيس السوري من إصلاحات «إما ليس صادقا وإما تصرف بعكس ما قاله».

ومن العوامل التي تفسر التشدد الفرنسي أن باريس لا يمكنها التشدد في ليبيا في موضوع حقوق الإنسان والمطالبات بالتغيير السلمي ورفض القمع وإدانته والتساهل مع دمشق إذ إنها بذلك «تفقد مصداقيتها». وجدير بالذكر أن ساركوزي قام بدور ريادي في الموضوع الليبي من أجل اللجوء إلى القوة العسكرية لمحاولة الإطاحة بالعقيد القذافي رغم أن باريس ما تزال تؤكد أنها تطبق مع دول التحالف الأخرى قرار مجلس الأمن رقم 1973. ويبدو واضحا من باريس أن فرنسا التي تخبطت في بداية «الربيع العربي» في رسم خط تسير عليه حسمت أمرها وقررت ركوب حصان الحريات وحقوق الإنسان والدفاع عن المعارضات وحقها في التظاهر والمطالبة بالتغيير. وهذا بالضبط معنى كلام ساركوزي عن «القرار التاريخي» الذي اتخذته فرنسا.

وترى المصادر الفرنسية أن إشارة ساركوزي إلى التدخل «رسالة موجهة إلى الرئيس الأسد» من أجل إفهامه أن الأسرة الدولية لا يمكن أن تتفرج على ما يجري في سورية من بعيد. والجدير بالملاحظة أن وزارة الخارجية أصدرت بيانا أمس استبقت فيه الموقف الرئاسي قالت فيه إن «الأسرة الدولية لا يمكن أن تسمح بتكرار المجازر التي أدمت سورية في بداية الثمانينات» في إشارة إلى منا حصل في مدينة حماه عام 1982 حيث وقع آلاف القتلى في عمليات قمع دامية.

وأبعد من الإدانة الشديدة، طالبت باريس بـ«محاكمة المسؤولين عن الجرائم» التي ارتكبت أخيرا في سورية وأكدت أن فرنسا تطالب داخل الاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن الدولي بـ«تدابير قوية». وامتنعت الخارجية الفرنسية عن توضيح ما تطلبه باريس. إلا أنه عرف أنها تشير إلى عقوبات محتملة يمكن أن تتخذ بحق سورية داخل الهيئتين المذكورتين. من جانبه قال برلسكوني في مؤتمر صحافي مشترك مع ساركوزي «نحن قلقون جدا» من الوضع في سورية حيث سقط «عدد كبير من الضحايا». وأضاف: «نوجه نداء قويا لوقف القمع العنيف وتطبيق الإصلاحات المعلنة في سورية». وقد نصحت الحكومة الإيطالية مواطنيها بعدم السفر إلى سورية.

في غضون ذلك قالت المفوضية الأوروبية ببروكسل إن مشاورات تجرى داخل التكتل الأوروبي الموحد بين الدول الأعضاء للبحث في مسألة فرض عقوبات على سورية بسبب التطورات الأخيرة المسجلة على الساحة السورية وسقوط أعداد من القتلى بين المتظاهرين وقالت كاترين راي المتحدثة في الجهاز التنفيذي الأوروبي خلال المؤتمر الصحافي اليومي بمقر المفوضية ببروكسل إن الدول الأعضاء في الاتحاد والمؤسسات الاتحادية ستدرس خلال الساعات والأيام القادمة مسألة فرض عقوبات على سورية مشيرة إلى أنه حتى هذه اللحظة لم يصدر عن التكتل الموحد أي قرارات تتضمن عقوبات ضد سورية ولمحت إلى أن اجتماعات ستنعقد على مستوى السفراء الدائمين للدول الأعضاء في الاتحاد للبحث في هذا الصدد وجددت المتحدثة الأوروبية ما جاء في البيان الأخيرة الصادر باسم كاثرين أشتون منسقة السياسة الخارجية بالاتحاد من إدانة وأسف لوقوع أعداد من القتلى بين المتظاهرين السوريين وقدمت التعازي لأسر الضحايا ومطالبة السلطات السورية بالتوقف عن ما وصفته بسياسة الرد العنيف.