«عيش وملح».. مبادرة لتحقيق التعايش والوحدة بين المصريين

أسسها شباب بروح الموروث الشعبي والثورة

لقطة لبعض أعضائها في ندوة بساقية الصاوي الثقافية
TT

«عيش وملح».. مبادرة جديدة قام بإطلاقها مجموعة من الشباب المصري، تستظل بروح التراث الشعبي وتستهدف تحقيق التآلف والتعايش، ونشر فكرة قبول الآخر في نسيج المجتمع الذي أصبح يعاني من التشرذم والانقسام والطائفية في الآونة الأخيرة.

تتقاطع المبادرة مع زخم ثورة 25 يناير (كانون الثاني) التي أطلقت قوى التغيير ورفعت من سقف الحرية أمام المصريين، ويجتهد القائمون عليها في أن تتحول إلى تجربة ملموسة على أرض الواقع قوامها الحب والسلام.

مينا ناجي، أحد الشباب المؤسسين لهذه المبادرة، أشار إلى أن بداية مبادرة «عيش وملح» كانت منذ نحو عام ونصف العام بتجمع الأعضاء المؤسسيين وعددهم 4 أفراد.. «كانت بيننا حوارات كثيرة في شتى الأمور الدينية والحياتية، وكان حوارنا نموذجا للحوار الراقي الإيجابي، فكانت البداية من هنا بأن قررنا أن نعمل على إقامة مبادرة تسعى إلى العمل على تحقيق التعايش الديني ونشره والسعي نحو محاولة تعميم هذا النموذج من الحوار، خصوصا في ظل وجود مشكلات في طبيعة الحوار وتقبل الآخر بين الناس بشكل عام في الفترة الأخيرة».

تستهدف المبادرة - بحسب مينا - تكريس مفهوم التعايش، بمعناه العام والواسع، التعايش بمعنى المشاركة العميقة والحقيقية في المجالات المختلفة من الحياة، وبجانب التعايش محاولة مقاومة التوترات الدخيلة على المجتمع عن طريق رفع الوعي وإدماج المجموعات المنغلقة فيه في التيار العام للمجتمع عن طريق الأنشطة المختلفة.

وعن الإقبال على المبادرة من الناس يقول مينا: «على عكس توقعاتنا الشخصية جاء الإقبال على الفكرة أكثر من جانب المسلمين، فهناك قبول وحماس لفكرة التعايش المشترك على مستوى قطاعات كثيرة مختلفة من الناس، فنحن أنفسنا تعجبنا من الإقبال الكبير على المبادرة، وهذا يثبت أن عموم المصريين يميلون إلى التسامح والانفتاح، ولكن هناك قلة من الطرفين هي التي تكون ظاهرة على السطح بحكم التركيز على مواقف أو أحداث معينة قد يعمم عليها بعد ذلك».

ويوضح مينا أن اختيار اسم «عيش وملح»، جاء لأنه بمثابة ميثاق اجتماعي مصري صميم نابع من قلب الشارع والتراث الشعبي يعبر عن الحميمية والقرابة التي قد تصل في بعض الأحيان إلى أكثر من قرابة الدم. فالمصريون يقولون: «إحنا واكلين عيش وملح مع بعض»، فالقاعدة هنا أن من أكلنا معه خبزا وملحا هو بالضرورة قريب منا ومحبب إلى قلوبنا، ولا يمكن بحال من الأحوال أن نؤذيه أو نعامله بشكل سيئ، كما أنه يعبر عن فلسفة مجموعتنا في العمل على التقارب عن طريق كسر حواجز الخوف، والأفكار المسبقة وجعل المختلفين يتعايش بعضهم مع بعض ويعملون في مشاريع مجتمعية مشتركة أو رحلات أو أعمال خيرية، فحين تنظم هذه الفعاليات بين أشخاص مصريين مسلمين ومسيحيين سيتقاربون ويكونون صداقات وعلاقات ويكون بينهم «عيش وملح»، مما سينعكس في النهاية على المجتمع ككل، حيث سيكون هؤلاء الأشخاص نواة في مجتمعهم تسعى إلى نشر الحب والتسامح. ثم إنه علينا أن ندرك أولا أن كل فرد هو إنسان قبل كل شيء وليس هناك ما يمكن أن ينزع عنه كونه إنسانا مهما كانت درجة اختلافه أو شكل توجهاته، لذلك نرى أن تعزيز قبول الآخر هو الحل السحري لهذه المشكلات.

وحول برنامج العمل يتابع مينا: «عملنا أساسا في القاهرة، لكننا انطلقنا مؤخرا نحو المحافظات، عبر إعطاء محاضرات عن التنوع وقبول الآخر في جامعات مثل جامعة الزقازيق في محافظة الشرقية وغيرها، وعبر الرحلات الثقافية والتنموية في الواحات والفيوم، وكذلك عمل كثير من الأنشطة الخيرية وكانت بداياتها في مناطق النزهة ومساكن شيراتون وعزبة الهجانة في القاهرة لتقديم العون والمساعدة للمصريين بصرف النظر عن انتماءاتهم الدينية، كما ناقشنا كيفية مواجهة بعض المشكلات التي تواجه المجتمع مثل المخدرات وغيرها، ونتعاون في ذلك مع الكثير من الجمعيات الخيرية والمؤسسات الثقافية مثل ساقية الصاوي».

وعن رؤيتهم لتحقيق وتدعيم مفهوم الوحدة الوطنية بين المصريين يضيف مينا أن «تدعيم مفهوم الوحدة الوطنية سيتحقق ببساطة عندما تمنح حياة كريمة لجميع المصريين، وسيكون هناك بشكل تلقائي جو من الانفتاح والتقارب والتعايش الحقيقي دون خوف أو نزاع، كما أن التقدم في مجالات الاقتصاد والتعليم والتطور المجتمعي والنضوج السياسي سيصنع هوية وطنية حقيقية تجمع المواطنين المصريين، أيا كان دينهم وانتماؤهم ولن يكون السؤال حينئذ ما هو دينك، بل سيكون ماذا تقدم للمجتمع وللوطن؟!».

ويشدد مينا على أن هناك ضرورة لوضع حلول حاسمة وجذرية للمشكلات التي تظهر على السطح أحيانا بين المسلمين والمسيحيين، وذلك بسيادة القانون ومعاقبة المخطئ أيا كان؛ ففكرة المجالس العرفية فكرة مهينة لجميع الأطراف ولهيبة الدولة، فالقانون لا بد أن يأخذ مجراه، ثم تحليل الحدث بحيادية قدر الإمكان لمعرفة أسباب حدوثه ووضعه في السياق الطبيعي للأحداث السابقة، لفهم طبيعة هذه المشكلات، ومن ثم التعامل مع الحدث بمنتهى الشفافية والوضوح والعقلانية، فليست كل مشكلة بين مسلم ومسيحي هي مشكلة طائفية بالضرورة.