«رويترز» تلقت تأكيدا لاستقالة شكور من السفارة السورية.. و«فرانس 24»: عملية تضليل مقصودة

القناة الفرنسية تؤكد حصولها على رقم الهاتف الجوال من القسم الصحافي في السفارة السورية

السفيرة لمياء شكور تتحدث إلى الأسد وزوجته أسماء خلال زيارتهما الرسمية إلى باريس عام 2009 (أ.ف.ب)
TT

لم تنكشف كافة الخبايا حول «استقالة» سفيرة سوريا في باريس لمياء شكور أول من أمس، مباشرة على الهواء على تلفزيون «فرانس 24»، قبل أن تنفيه على التلفزيون السوري وقنوات عربية أخرى، وتقول إن امرأة انتحلت شخصيتها واتهمت القناة بممارسة التضليل والتزوير. وما تسبب في المزيد من الغموض، تأكيد وكالة «رويترز» تلقيها رسالة إلكترونية من البريد الإلكتروني الخاص بالسفارة السورية في باريس، يؤكد خبر استقالة شكور، قبل نشرها الخبر.

وشكور هي من عائلة مسيحية، ووالدها تبوأ منصبا في المخابرات السورية.

وذكرت «رويترز» في قصتها أمس، أنها لم تتمكن من الاتصال بالسفيرة لتأكيد الخبر، ولكنها أكدت نبأ الاستقالة من السفارة السورية في باريس قبل بث الخبر أول من أمس. وقالت: «جاء رد عبر البريد الإلكتروني من السفارة، أرسل عبر الموقع الإلكتروني، أكد أن السفيرة شكور استقالت. والفيديو القصير الذي عرض على تلفزيون (بي إف إم) لم يذكر أي تفسير للرسالة الإلكترونية التي أرسلت من عنوان السفارة، ولكن موقع السفارة نفسه تم تعليقه لاحقا».

واعترفت رينيه كابلان، نائبة رئيس تحرير قناة «فرانس 24»، أمس، بأن قناة الأنباء الفرنسية ربما تكون خدعت حين بثت تسجيلا صوتيا على أنه بلسان شكور، وقالت لراديو «فرانس إينفو»: «يبدو أننا بشكل مرجح كنا ضحية تلاعب». والمرجح أن تنتهي العملية أمام المحاكم، حيث أعلنت السفيرة عزمها على ملاحقة تلفزيون «فرانس 24»، بينما أكدت القناة الفرنسية أنها تحتفظ بحقها في ملاحقة كل من تسبب في هذه القضية.

غير أن السؤال الذي بقي معلقا ومن غير جواب، يتناول ما حصل بالتحديد، وأدى على ما يبدو إلى «تركيب» نبأ استقالة لمياء شكور وتعميمه ثم إلى تكذيبه لاحقا من قبل المعنية. وقال الناطق باسم الخارجية الفرنسية برنار فاليرو، أمس، إن السفيرة السورية نفت نبأ استقالتها بمناسبة اتصال مع موظف كبير في الخارجية يرجح أن يكون مدير إدارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا باتريس باولي.

واتهمت لمياء شكور في حديث أجري أمس في مكتبها في السفارة السورية مع القناة الإخبارية «بي إف إم»، تلفزيون «فرانس 24» الممول من قبل الدولة الفرنسية، بـ«انتحال الشخصية وتوزيع رسائل (مختلقة) باسمها»، مضيفة أنها ستتقدم بشكوى من أجل «إدانة تلفزيون فرنسا 24 لأعماله التضليلية التي تندرج في إطار حملة لتزوير الأخبار والتضليل (الإعلامي)». وبحسب شكور، فإن هذه الحملة الفرنسية ضد سوريا، بدأت في شهر مارس (آذار) الماضي، أي مع بدء الحركات الاحتجاجية.

إلا أن تلفزيون «فرانس 24» حرص على تأكيد أن ما حصل لم يكن خطأ مهنيا، بل محاولة تضليل عمدية تم من قبل السفارة السورية في باريس. وإذا ثبت هذا الأمر، فإنها أكدت عزمها على ملاحقة كل الأطراف الضالعة أكانت «أشخاصا، هيئات أو دوائر رسمية».

وأصدرت المحطة بيانا سردت فيه ما جرى بالتفصيل. وقال فيليب دو ناسره، المدير العام المساعد لقسم الأخبار، في حوار مطول بث أمس على قنوات التلفزيون الثلاث (العربية والفرنسية والإنجليزية) إن كل التدابير «التقليدية والمهنية الخاصة باستضافة المتدخلين تم احترامها»، مضيفا أنه «لم يكن للتحرير أي سبب للتشكيك في صحة تصريحات المرأة التي قدمت على أنها سفيرة سوريا». وأوضح دو ناسره خصوصا أن اتصالات سابقة بالهاتف والبريد الإلكتروني تمت مع القسم الصحافي في السفارة السورية التي أودعت قسم التحرير في التلفزيون رقم الهاتف الجوال الخاص بشكور، وتم الاتصال به وجرى الحديث الهاتفي على أنه مع لمياء شكور.

ويبدو واضحا من خلال المقارنة بين التصريحات المنسوبة للمياء شكور التي تمت عبر الهاتف وتصريحات السفيرة بالصوت والصورة التي أدلت بها أمس إلى قناة «بي إف إم» الإخبارية أن الشخص المتكلم ليس نفسه لا لجهة الصوت ولا لجهة تمكنه من اللغة الفرنسية أو اللكنة التي يتكلم بها.

غير أن هذه العناصر لا تفسر كيفية حصول التلاعب، خصوصا أن إدارة تلفزيون «فرانس 24»، تؤكد أنها تواصلت مع السفارة التي طلبت منها تأكيد طلب المقابلة الهاتفية خطيا عبر البريد الإلكتروني وإمهالها نصف ساعة قبل الرد الرسمي عليها. وبحسب الإدارة نفسها، فإن الرسالة الإلكترونية أرسلت على «العنوان الاعتيادي» للسفارة التي بدورها ردت عليها ووفرت لها رقم الهاتف الجوال الذي تم الاتصال به. ولذا، فالسؤال المطروح هو ما الذي حصل حقيقة؟ ومن هو الشخص الذي رد على القناة من داخل السفارة؟ ومن هي المرأة التي قدمت نفسها على أنها السفيرة السورية في باريس؟

وتقول ناهدة نكد، مسؤولة القناة العربية، إن تلفزيون «(فرانس 24) تعرض لعملية تضليل لتشويه سمعته بل لتشويه سمعة كافة الفضائيات التي تتناول بالتفصيل تطورات الوضع السوري». وشددت نكد في حديث هاتفي لـ«الشرق الأوسط» على أن «تلفزيون (فرانس 24) التزم القواعد الصارمة المتبعة عادة واتصل بأرقام السفارة المعروفة وبعنوان بريدها الإلكتروني ambassade–syrie@amb–syr.fr ولذا، فإن التلفزيون راغب في معرفة ما حصل والتعرف على هوية الشخص الذي كان على تواصل مع التلفزيون منذ ما بعد ظهر الثلاثاء». وأوردت ناهدة نكد أن التلفزيون طلب صورة للسفيرة ثم طلب صورة أخرى أكبر منها ثم جاءته الموافقة المكتوبة على إجراء المقابلة مرفقة برقم الهاتف الجوال.

وأفادت ناهدة نكد أن وكالة «رويترز» للأنباء اتصلت بإدارة التلفزيون وأخبرتها أنها حصلت على تأكيد من السفارة لأقوال السفيرة مع الإشارة إلى أن السفارة «ليس لها ما تضيفه» على ما قالته لمياء شكور.

وقد أكدت «رويترز» الأمر أيضا لـ«الشرق الأوسط»، وذكرت أنها تلقت رسالة إلكترونية من موقع السفارة السورية في باريس يؤكد خبر استقالة شكور.

ويبقى السؤال المحير حول ما حصل: من هي الجهة التي تقف وراء هذه العملية وكيف تم تضليل تلفزيون «فرانس 24»؟ وهل الغاية هي نزع الصدقية عنه أم أن ما حصل عملية للإيحاء بحصول أول عملية انشقاق داخل الجسم الدبلوماسي السوري؟ أسئلة ربما لن تجد إجابات لها إلا مع فتح تحقيق يقوم به القضاء الفرنسي.