الأزمة السياسية تربك الاقتصاد اليمني وتدفعه إلى حافة الانهيار

أنشطة القطاع المصرفي تراجعت بنحو 40% والعمل توقف في المشروعات التنموية

TT

دفعت الأزمة السياسية اليمنية المحتدمة منذ أكثر من أربعة أشهر وتداعياتها المختلفة، الاقتصاد اليمني، الذي يعانى أصلا من اختلالات هيكلية، إلى حافة الانهيار، بعد أن ألقت بظلال سالبة ومؤثرة على مجمل أوجه النشاط الاقتصادي، بقطاعاته الإنتاجية والتجارية والخدمية.

وأصابت التوترات السياسية والأمنية مجمل الأنشطة الاقتصادية بالشلل التام، فتوقفت صادرات النفط، وتراجعت أنشطة القطاع المصرفي بنحو 40 في المائة، وتوقف العمل في عدد كبير من المشروعات التنموية، خاصة قطاعات السياحة والعقارات والخدمات، لترتفع بذلك معدلات البطالة والفقر المرتفعة أصلا، وقدر عدد الذين فقدوا وظائفهم في قطاع العقارات وحده بنحو 20 ألف شخص، كما تراجعت تحويلات المغتربين بأكثر من 50 في المائة وسجلت أسعار صرف العملة اليمنية (الريال) أعلى معدلاتها منذ عشرة أعوام، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع معظم السلع والخدمات بنسب تراوحت بين 20 و25 في المائة.

وشملت مؤشرات تراجع الأداء الاقتصادي انخفاضا ملحوظا في قيمة صرف العملة اليمنية أمام العملات الأخرى، وفقد الريال اليمني 20 في المائة من قيمته منذ اندلاع الأزمة، ليصل إلى 241 ريالا للدولار الواحد، وهو أعلى معدلات الانخفاض في قيمة العملة اليمنية خلال السنوات العشر الماضية.

وترتب على الانخفاض الكبير في قيمة صرف الريال اليمني ارتفاع مهول في أسعار السلع والخدمات الأساسية، وسجلت أسعار المواد الغذائية ارتفاعا تراوح بين 20 و25 في المائة، كما ارتفعت أسعار المشتقات النفطية بنسبة 300 في المائة، خاصة بعد توقف إنتاج النفط في حقول مأرب بسبب تفجير أنبوب نقل الخام بيد جماعات مسلحة مناوئة للحكومة، وتوقف عدد من الشركات العاملة في حقول شبوة وحضرموت عن الإنتاج لأسباب أمنية، الأمر الذي اضطرت معه الحكومة إلى تأمين النقص الحاد في المشتقات النفطية من خلال استيراد 280 ألف طن من الديزل و120 ألف طن من البنزين شهريا وبتكلفة تصل إلى 500 مليون دولار بعد توقف العمل في مصفاة عدن بطاقتها التكريرية البالغة 130 ألف برميل يوميا نتيجة نقص إمدادات الخام.

وأدى الارتفاع الكبير في أسعار المشتقات النفطية إلى ارتفاع أسعار كثير من السلع والخدمات كالنقل والمواصلات، ونتج عن شح المتاح من هذه المواد تذبذب خدمات إمدادات الكهرباء والمياه، مما فاقم الأوضاع المعيشية وضاعف معاناة المواطنين.

وتتجلى تأثيرات الأزمة السياسية على الاقتصاد اليمني أيضا في تراجع الاحتياطات الخارجية للبلاد من العملات الصعبة، من 5.9 مليار دولار نهاية عام 2010 إلى أقل من ثلاثة مليارات دولار نهاية أبريل (نيسان) الماضي، تكفي لتأمين واردات البلاد لنحو شهرين، ويأتي هذا التراجع في الاحتياطات الخارجية نتيجة طبيعية لتوقف صادرات اليمن من النفط، خاصة إذا علمنا أن النفط يشكل 92 في المائة من إجمالي حجم الصادرات اليمنية ونحو 75 في المائة من الموارد العامة للدولة، مما يعني مضاعفة عجز الميزانية العامة لهذا العام الذي قدرته مؤسسة «كارنيغي» العالمية بنحو 3.75 مليار دولار، وتعريض قيمة صرف العملة اليمنية لمزيد من التراجع، بعد أن كف البنك المركزي اليمني عن التدخل في سوق صرف العملات للحفاظ على قيمة صرف الريال أمام العملات الأخرى، وتداعيات ذلك على أسعار السلع والخدمات.

وتوقع تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي ارتفاع معدل التضخم في اليمن إلى 13 في المائة هذا العام، فيما سيصل الناتج المحلى المفترض إلى 3.4 في المائة ومعدل تضخم أسعار المستهلكين إلى 13 في المائة العام الحالي 2011، وحذر الصندوق من احتمالات عدم تحقق التوقعات الإيجابية وزيادة المخاطر في حال استمرار الاضطرابات السياسية الحالية التي يمكن أن تؤثر على تدفق الاستثمارات وتفرض أعباء إضافية على أنشطة القطاع الخاص.

وقدر وزير الصناعة والتجارة هشام شرف الخسائر التي تكبدها الاقتصاد اليمني، جراء الأزمة السياسية بنحو خمسة مليارات دولار، وهي خسائر قياسية بالنسبة لاقتصاد بلد يصنف ضمن أفقر خمس دول في العالم، وأكد الوزير الحاجة الملحة لمساعدات عاجلة لتفادى شبح الانهيار الاقتصاد. وفي سياق متصل، قدرت فاطمة الحريبي المدير التنفيذي لمجلس الترويج السياحي، خسائر قطاع السياحة بأكثر من 100 مليون دولار، جراء احتقان الوضع السياسي، بالإضافة إلى مليوني دولار خسائر الاعتداء على منشآت ومرافق سياحية في عدد من المحافظات.

كما توالت تحذيرات مسؤولي الغرفة الصناعية - التجارية اليمنية من تأثير استمرار الأزمة الحالية على أسعار السلع وانعكاساتها على الوضع الاقتصادي وعلى ميزان المدفوعات. وجاءت الأزمة السياسية وتداعياتها التي تعصف بالاقتصاد اليمني لتحرم اليمن من مساعدات تقدر بعدة مليارات من الدولارات، كان يفترض الإعلان عن تخصيصها خلال اجتماع لـ«مجموعة أصدقاء اليمن» في العاصمة السعودية الرياض خلال شهر مارس (آذار) الماضي، بالإضافة إلى إعلان دول الاتحاد الأوروبي وقف مساعداتها لليمن وكشف الولايات المتحدة الأميركية عن تجميد مبلغ 200 مليون دولار كان يفترض تقديمها خلال العامين المقبلين دعما للاقتصاد اليمني.