اغتيال رمز تنويري في القوقاز

الشيخ صادقوف يرأس كلية أصول الدين في داغستان واشتهر بجهوده التعليمية المناهضة للتشدد

الشيخ مقصود صادقوف
TT

تعرض الشيخ مقصود صادقوف، أحد أبرز رموز التنوير في منطقة القوقاز، أول من أمس، لعملية اغتيال، ربطتها المصادر الأمنية في المنطقة، بمساعي خصومه المتشددين للانتقام من مواقفه المعتدلة وانتقاداته المستمرة للتطرف الديني. وأوضحت المصادر أن مجهولين أقدموا على ارتكاب اغتيال الشيخ صادقوف، عميد كلية أصول الدين والعلاقات الدولية في داغستان، لدى عودته إلى مسكنه في قلب العاصمة مخاتش كالا مع ابنه وابن شقيقته سليم خان موسايف الذي كان يعمل معه كحارس شخصي. وقالت إن اثنين مجهولي الهوية استغلا توقف سيارته لدى أحد المتاجر وانصراف ابنه ليباغتا الشيخ صادقوف وحارسه بإطلاق الرصاص من مسدسيهما انتقاما من انتقاداته للتطرف الديني في داغستان. وقد لفظ الاثنان أنفاسهما الأخيرة قبل نقلهما إلى المستشفى. ولم تحدد السلطات الأمنية والقضائية هوية المشتبه بهم المفترضين، كما لم تجر أي عملية اعتقال على الفور. ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها مباشرة عن الهجوم.

وكان المتطرفون سبق وأقدموا على جريمة مماثلة في نهاية مايو (أيار) الماضي حين قاموا بتصفية الشاعر الأوسيتي شامل دجيكايف عميد كلية الآداب في فلاديقوقاز انتقاما من حملاته وكتاباته المستمرة ضد التطرف الديني. وقد نجحت الأجهزة الأمنية في رصد أحد قاتلي الشاعر الأوسيتي وقامت بتصفيته لدى مقاومته عملية اعتقاله في نهاية الأسبوع الماضي.

وكان صادقوف من أهم العاملين في مجال التربية الدينية وأحد أبرز رموز التنوير ليس فقط في داغستان، بل وفي كل روسيا ومنطقة شمال القوقاز منذ تسعينات القرن الماضي. وظل صادقوف أحد المؤيدين المروجين لفكرة دعم الدولة للصوفية بهدف تقويض التهديد الإرهابي في روسيا. وكانت الصوفية منتشرة في السابق في شمال القوقاز، لكنها توارت في أعقاب انفصال دول الاتحاد السوفياتي السابق ووصول بعض الأفراد من منطقة الشرق الأوسط الذين سعوا إلى نشر نهج متطرف من الإسلام. ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عنه أمس في مقابلة أجريت معه في فبراير (شباط) بشأن جهوده في محاربة التطرف، قوله إن الصوفية لا تدعو إلى القيام بعمليات تفجيرات انتحارية. وأضاف: «أحد أفضل الطرق لمقاومة آيديولوجية التطرف تتمثل في التعليم الديني الجيد»، مشيرا إلى أن التعليم الإسلامي المعتدل يمثل المصل في مقاومة الإرهاب.

وقد وضعته جهوده هذه والدعم الذي يلقاه من الحكومة في صدام مع التشدد الديني في روسيا الذي بدأ في الشيشان في التسعينات وانتشر إلى المناطق الأخرى ومن بينها داغستان. وقد شاركت «الجامعة الإسلامية لشمال القوقاز»، التي يعمل بها، في واحدة من الطرق القليلة التي لا تتبنى العنف في الوقت الذي حاولت فيه الحكومة الروسية القضاء على مشكلة التطرف الديني. وقد حاول الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف استخدام المساعدات الاقتصادية للتخفيف من مشكلة البطالة في المنطقة.

يذكر أن المقاتلين الإسلاميين أرسلوا عشرات الانتحاريين إلى مدن وسط روسيا، من بينها موسكو، خلال السنوات العشر الماضية. وخلال 18 شهرا قتل 76 شخصا في هجمات على مترو أنفاق موسكو ومطارها الرئيسي. وقد أدت هذه الهجمات إلى وضع المزيد من كاشفات المعادن في الساحات العامة. وأشار صادقوف خلال المقابلة سالفة الذكر إلى أن استراتيجيته كانت تقوم على منع الأفكار الراديكالية الإسلامية من أن تستقر في نفوس الشباب. ففي جنوب روسيا، كما هو الحال في العراق وأفغانستان عادة ما يكون الانتحاريون تابعين لفصائل متشددة.

وقد تبنت الحكومة الروسية آراء صادقوف ودعمت المناهج الدينية غير الراديكالية. ولاحظت «نيويورك تايمز» أن الحكومة الأميركية حاولت أيضا انتهاج تكتيك مشابه في العراق عبر تجوال الأئمة المعتدلين في السجون، حيث يعتقل المتمردون.

وكانت جامعة صادقوف تهدف لتعليم مدرسي التعليم الابتدائي في مشروع تجريبي لغرس التعاليم الصوفية في المدارس العامة. وخلال العام الحالي تم إدراج 1300 طالب في صفوف المدرسة، وهو ما جعلها أضخم حركة في شمال القوقاز. وتقوم جامعته على تعليم ما وصف بأنه ممارسات صوفية مسالمة.

وأبدى منتقدو هذه الجامعة اعتراضهم بأن احتكار الصوفية للتعليم الديني الرسمي في شمال القوقاز سيعمل على مزيد من إبعاد معتنقي الأصولية وإجبارهم على الصلاة في المنازل. وقد جعل الدعم الذي تقدمه للجامعة منها هدفا. ففي المقابلة التي أجريت مع صادقوف، أشار إلى أنه واع بالمخاطر التي يمكن أن يخلفها هذا المشروع. وقال: «الأصوليون يقولون لا بد من عقاب العصاة».

وعلق أليكسي مالاشينكو، خبير الأديان في مركز كارنيغي، على اغتيال صادقوف بقوله لوكالة «موسكو للأنباء»، إن «مشكلة الحرب الأهلية في المنطقة بشكل عام تتمثل في استهداف الراديكاليين الإسلاميين للشخصيات الأكثر نفوذا والأفضل تعليما بين المسلمين غير المتشددين». وأضاف: «صادقوف كان رجلا جيدا، ومتعلما يتمتع بالقدرة على مناقشة القضايا الإسلامية مع الراديكاليين. النزاع الدموي الدائر بين الفصائل الإسلامية المختلفة مرير للغاية، ونظرا لأن المتعلمين في داغستان لا يشكلون أعدادا كبيرة، أعتقد أن ذلك سيتواصل كعقاب للمسلمين المتعلمين الذي يرفضون الاعتراف بالأصولية».