عراقيون عاطلون عن العمل يبحثون عن الذهب في مجاري الصرف الصحي

ينزلون إلى عمق 15 قدما في الظلام بحثا عن مخلفات محلات الصاغة

عراقيون يبحثون عن مخلفات محلات الصاغة في مياه دجلة في بغداد (أ.ب)
TT

على عمق كبير تحت الورش الموجودة في منطقة المجوهرات الضيقة والمتهدمة بالعاصمة العراقية بغداد، يقضي رجال عاطلون عن العمل أيامهم يجوبون نظام الصرف الصحي في المدينة، من أجل شيء واحد يقولون إنه يمكن أن يجلب لهم المال، ألا وهو رقائق الذهب.

ينزل هؤلاء الرجال الذين هم في أشد الحاجة للمال إلى عمق 15 قدما في الظلام عدة مرات كل شهر بحثا عن قطع الذهب الصغيرة التي تنزل مع مياه المجاري بعد قيام حرفيين بالتنظيف بعد يوم من حفر وصب المجوهرات. ويمسك هؤلاء الرجال بمصابيح كهربائية في أيديهم، ويرتدون أقنعة للمساعدة على التخلص من الرائحة الكريهة للمجاري، ثم يقضون ساعات في تمشيط الطين السميك، ويستخدمون أيديهم العارية للإمساك بقطع الذهب اللامعة. ويقول الرجال إنهم جمعوا في يوم من الأيام ما يكفي لكسب نحو 20 دولارا من أحد محلات صهر المعادن، والتي تبيع كتل الذهب المعاد تشكيلها مرة أخرى إلى محلات المجوهرات التي نزلت منها قطع الذهب الصغيرة إلى المجاري.

وقال علي محمد الفريجي (30 عاما) «لا أخبر عائلتي بما أقوم به، لأنني محرج، لأن ما أقوم به هو أمر قذر ومثير للاشمئزاز». ويعد الفريجي واحدا من بين مجموعة مكونة من نحو عشرة رجال يبحثون عن الذهب بشكل يومي. وتظهر هذه المحنة المشكلات الكبيرة التي لا تزال موجودة في الاقتصاد العراقي بعد مرور ثماني سنوات على الغزو الأميركي. وعلى الرغم من مليارات الدولارات التي تنفقها الولايات المتحدة ودول أخرى في محاولة لإعادة بناء البنية التحتية للبلاد ودعم اقتصادها، لا تزال الوظائف قليلة جدا، حيث إن هناك نحو 40 في المائة من قوة العمل إما عاطلين أو يعتمدون على عمل غير دائم.

ولكن حي المجوهرات هو المكان الوحيد الذي تتدفق فيه الثروة من أعلى إلى أسفل، أي من محلات المجوهرات إلى المجاري. وقال عباس عبد الرزاق (30) عاما، وهو واحد من هؤلاء الذين يبحثون عن الذهب في المجاري «الحمد لله على أي شيء نحصل عليه. إنه شيء صغير لا يهتم به أحد، لكنه يعني الكثير بالنسبة لي». ويبحث الرجال في نحو ثمانية خطوط للمجاري مرة واحدة في الشهر. وعندما لا يكونون تحت الأرض، فإنهم يكنسون الشوارع في حي المجوهرات بحثا عن غبار الذهب الذي تكوّن في عملية صنع المجوهرات. ويجمع الرجال أعقاب السجائر وأغلفة المواد الغذائية والقمامة من داخل وخارج المحلات التجارية، ثم يقومون بعد ذلك، بجانب زورق صدئ على ضفاف نهر دجلة، بفتح المياه على سلة المهملات حتى تمتلئ أوعيتهم المعدنية بغبار الذهب وقطع صغيرة من المعدن النفيس. وقال الفريجي «بعد انتهاء أصحاب محلات الذهب من عملهم، فإنهم يقومون بتنظيف وغسل أيديهم، ومن ثم تتدفق القطع الصغيرة إلى الأنابيب هنا. ويتجمع الذهب في المجاري، أما الغبار فيذهب مع الماء إلى النهر».

وعلى الرغم من الارتفاع الكبير في أسعار الذهب خلال السنوات الأخيرة، فإن الرجال هنا قد قالوا إنهم يكسبون نقودا أقل بسبب تأثيرات الحرب والتقدم التكنولوجي في صناعة الحلي. وبعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003 وما تبع ذلك من اندلاع الحرب الطائفية على مدار سنوات، فر الكثير من تجار المجوهرات في المدينة وتركوا فراغا كبيرا في صناعة إنتاج المجوهرات. وبسبب انخفاض التعريفات الجمركية على الواردات، غزت تصميمات المجوهرات القادمة من دولة الإمارات العربية المتحدة وتركيا والتي تتمتع برخص ثمنها وتصميمها الأفضل، السوق العراقية، مما جعل من الصعب على تجار المجوهرات المتبقين أن ينافسوا هذه الواردات.

وقال الفريجي «في الماضي، كنا نعتقد أننا محظوظين لأن هناك الكثير من الورش، لكن سياسة الحكومة التي لا تفرض تعريفات جمركية على الواردات تؤذينا، لأنه لم يعد هناك الكثير من محلات الذهب». والآن اقتصر عمل الورش المتبقية على الطلبات الخاصة، مثل النقش.

من جهته، قال محمد هاشم (46 عاما)، وهو صاحب أحد محلات الحلي «أقوم فقط ببيع المجوهرات المستوردة التي يفضلها الناس بسبب تصميماتها الأفضل. هناك كتالوجات للمجوهرات المستوردة، بالإضافة إلى الإعلانات التلفزيونية التي تروج للشركات المنتجة لها».

ويعتمد الصاغة المتبقون على آلات أكثر كفاءة، مما يقلل عدد أجزاء الذهب التي تصل إلى المجاري.

وقال الفريجي، الذي صرح بأنه يحاول الحصول على وظيفة في الحكومة منذ عام 2008 «عندما تكون هناك تقنية جديدة لصنع المجوهرات فهذا يؤثر علينا، لأن الأدوات الحديثة لا تترك الكثير من الغبار». وأضاف أنه دفع رشوة لمسؤول حكومي قبل عدة سنوات على أمل أن يصبح ضابط شرطة، لكن لم يحدث شيء.

إن البحث عن الذهب في الصرف الصحي هو أمر قذر وكريه الرائحة، وليس من المستغرب أن يقول الرجال إنهم يكرهون مثل هذا العمل، حيث تهيجت أيديهم وأرجلهم نتيجة قضاء الكثير من الوقت في الماء، كما أنهم يعانون من ألم في أقدامهم نتيجة جلوسهم القرفصاء على ضفاف النهر وهم يحملون أوعية معدنية لفصل جزيئات الذهب. وفي فصل الشتاء، يرتعدون من الماء البارد.

وقال عبد الرازق «أتمنى أن أجد وظيفة أخرى، أي وظيفة، أي شيء، أريد فقط أن أعمل في وظيفة دائمة». وأضاف «ربما يؤثر ذلك على صحتنا عندما نكبر». وقال إبراهيم يوسف (25 عاما) إنه أصبح يشعر بالحسد عندما يرى إعلانا عن الذهب على شاشات التلفزيون، وأضاف «عندما أرى مثل هذه المصانع الكبيرة لإنتاج الذهب في فرنسا وألمانيا، أفكر في مقدار المال الذي يمكن أن أحصل عليه هناك عن طريق التنظيف فقط. هؤلاء الناس ليسوا أذكياء لأنهم لا يفتشون في النفايات والغبار. ولا أحد يهتم بالغبار الخاص بهم». وأضاف «أرى تقارير في البرازيل عن هؤلاء الذين يذهبون إلى مناجم الذهب الطبيعية ويأخذون القطع الكبيرة فقط ويتركون القطع الصغيرة، وأشعر بالحزن لأننا نبحث عن القطع الصغيرة. في الواقع، يمكننا أن نجني الكثير من المال هناك».

* خدمة «نيويورك تايمز»